انقسام في اسرائيل حول الثمن الباهظ الذي دفعته مقابل إطلاق سراح شاليت

 

قالت صحيفة "ذي اوبزرفر" البريطانية اليوم إن أزهار الزنبق توضع بانتظام على نصب عند موقع ناد ليلي "دولفيناريوم" في تل أبيب، لتحمل تذكارا على ليلة في العام 2001 عندما قتل 21 شابا مراهقا اسرائيليا أثناء اصطفافهم خارج النادي الليلي. واصيب 132 آخرين بجراح في الهجوم الذي نفذه سعيد الحوتري، وهو مفجر انتحاري فلسطيني شاب يرتبط بحركة "حماس".

لكن الأزهار وصلت الأسبوع الماضي للاحتجاج أكثر منها للحزن. فحسام بدران، القائد السابق للجناح العسكري لـ"حماس" في الضفة الغربية والمدبر وراء هجوم "الدولفيناريوم"، من المتوقع أن يتم الإفراج عنه ضمن 477 من الأسرى الفلسطينيين يوم الثلاثاء في إطار صفقة لإطلاق سراح الجندي الأسير غلعاد شاليت. وسيتم إطلاق سراح 550 أسيرا فلسطينيا آخر في غضون شهرين.

وقالت أم شابة بغضب وهي تنظر إلى النصب: "هذا أمر سريالي. ربما أكون الوحيدة التي تعارض الصفقة، ولكن لا توجد صفقة تتضمن الإفراج عن 1000 من القتلة. الناس يقولون نتنياهو أظهر شجاعة عندما أطلق سراحهم، لكني أقول إنه استسلم للإرهاب".

وكسب والدا شاليت خلال السنوات الخمس الماضية تعاطف الرأي العام الاسرائيلي من خلال حملتهما الدؤوبة لتحرير ابنهما، وطالبا أن تفعل الحكومة الاسرائيلية كل ما يتطلبه إنقاذ ابنهما من آسريه في قطاع غزة. واحتفلت اسرائيل الاسبوع الماضي عندما نجحا أخيرا. لكن فرح اسرائيل ممتزج بتحفظات خطيرة.

بالنسبة للفلسطينيين، فالأسرى الـ 1027 الذين تمت مقايضتهم بشاليت هم مقاتلون من أجل الحرية. أما في نظر الاسرائيليين فهم "إرهابيون" مسؤولون عن عدد من الفظائع التي وقعت في اسرائيل. وتريد اسرائيل أن يتم إطلاق سراح شاليت، لكنها تكافح لابتلاع ثمن حريته.

ويشارك غوستاف سبخت (47 عاما) الذي يدير مطعما قريبا من "الدولفيناريوم" في تل أبيب، الجمهور العريض في ردود فعله حسب وصف الإعلام الاسرائيلي، ويقول: "أعتقد أنه النتيجة الأقل سوءا. كل من أعرفهم سعداء بأن شاليت سيكون حرا".

لكن زميله ألون رؤوفيني (28 عاما) يفكر بطريقة مختلفة. حيث إن صديقا له فقد والده في تفجيرانتحاري في القدس قبل عدة سنوات. وقال عن صديقه إنه "سمع عن إطلاق سراح قاتل والده في الأخبار. ولم يفكر أحد في إبلاغ عائلته. وهو غاضب جدا".

وحتى الأمس لم تكن القائمة الرسمية بأسماء من سيفرج عنهم قد نشرت، لكن نسخا متعددة من القائمة تم تسريبها، ونشرت في مواقع إعلامية فلسطينية على الانترنت. وتعرف الاسرائيليون من خلالها على عدد من أشهر "الإرهابيين" في المنطقة. هناك محمد دغلس المُدان في قضية تفجير انتحاري في مطعم "سبارو" للبيتزا في القدس الذي قتل فيه 15 شخصا. وهناك عبد الهادي غانم من "الجهاد الإسلامي" المسؤول عن هجوم عام 1989 على حافلة عمومية قتل خلاله 16 اسرائيليا. وهناك المئات مثلهما. أما غيرهم فأدينوا بتهم أقل خطورة.

قلائل هم الذين يشكون بأن ضمان عودة شاليت قد عزز شعبية رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لكن جوناثان سباير، المحلل في صحيفة "جيروزاليم بوست" غامر في ما يتعلق بمشاعر الجمهور الاسرائيلي. وكتب في صحيفته :"خلال ستة شهور سنرى -إرهابيين- مرتبطين بهؤلاء الرجال الذين تم الإفراج عنهم. وعند ذلك سيدفع نتنياهو ثمنا باهظا. وفي هذه القصة كلها، ستكون عائلة شاليت وحماس هما الرابحتين، وسيكون الجمهور الاسرائيلي هو الخاسر". ويوافق خبير الإرهاب الاسرائيلي بوعاز غانور على أن "إطلاق سراح أسرى سياسيين أعطى لحماس شرعية ما، لكنه يتكهن أنهم لن يشكلوا خطرا قريبا على أمن اسرائيل".

وقد أثبتت "حماس"، المسجلة لدى الولايات المتحدة وبريطانيا على أنها منظمة "إرهابية" أنها شريك مفاوض براغماتي. ومن خلال الإصرار على إطلاق أسرى من كل الفصائل، استعادت دعما شعبيا في غزة والضفة الغربية، ما يهدد مبادرة السلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطينية. ويقول غانور: "ذلك لن يخدم مصالح حماس في جعل الوضع يتدهور من خلال استغلال إطلاق سراح الأسرى لإطلاق حملة من العنف". ويضيف بوعاز "لكني لا أستبعد حدوث المزيد من عمليات الاختطاف. وقد أثبت ذلك نجاحه استراتيجيا في الماضي، وأعتقد أن حماس ستحاول اختطاف جنود ومدنيين آخرين لتجميع مزيد من القوة في أيديها". وقال بوعاز أيضا إن "تبادل الأسرى الذي تم التفاوض عليه عام 1985 من جانب شمعون بيرس- 1150 أسيرا فلسطينيا مقابل ثلاثة جنود اسرائيليين أسروا في حرب لبنان- هو الذي أشعل الانتفاضة الأولى".

وعلى الرغم من تاريخ الأسرى الذين أطلق سراحهم في الماضي وعودتهم للعنف، فقد تفاوضت اسرائيل دائما على إطلاق سراح جنودها. ويقول نمرود كاهن (33 عاما) الذي يدير محلا لإعداد الأطعمة في تل أبيب إنه "على أي حال ومهما كانت الصفقة صعبة الإبتلاع، فقد توقع الاسرائيليون من حكومتهم أن تقدم على هذا التنازل. فهو ضمانة بأن يقبل كل خريج اسرائيلي من المرحلة الثانوية على تكريس ثلاث سنوات من عمره في الخدمة العسكرية".

وأضاف كاهن :"لا أعترض على إطلاق سراح هؤلاء الأسرى من حيث المبدأ، فسوف يطلق سراحهم في اتفاقية سلام عاجلا أم آجلا. لكني أعترض على هذه الصفقة لأنها تفتح المجال أمام الابتزاز. ولكن المتوقع من حكومتنا أن تتحمل المسؤولية عن جنودها. ففي اسرائيل يعتبر الجندي البقرة المقدسة، التي لا يمكن ذبحها تحت أي ظرف من الظروف".

 

شام نيوز - صحيفة القدس