انهيار أسطورة أميركا .. وهم ام خيال؟

تمرّ الولايات المتحدة اليوم بظروف عصيبة بعد أن تعثر تعافيها الاقتصادي عقب الأزمة التي ألمّت بها عام 2008، وبسبب ما قد يصيبها من تداعيات المشاكل المالية الراهنة في أوروبا. وفي عشية الانتخابات عام 2012، يأمل الجمهوريون أن تساعدهم هذه المشاكل الاقتصادية والمالية في إطاحة الرئيس باراك أوباما، الأمر الذي يدفع العديد من المراقبين إلى إطلاق التوقعات بانحدار أميركا وتراجعها، وخصوصا بالنسبة إلى الصين، التي يقولون عنها إنها إما ستتفوق على أميركا قريبا، وإما أنها تفوقت عليها بالفعل، وأصبحت «القوة العظمى الرائدة في العالم».

مما لا شك فيه أن الناتج القومي الإجمالي الصيني سوف يفوق نظيره الأميركي قبل نهاية العقد القادم، وذلك بفضل عدد سكانها الهائل، ومعدلات النمو الاقتصادي المرتفعة جداً. ولكن استنادا إلى دخل الفرد، فإن الصين لن تتعادل مع الولايات المتحدة قبل عقود من الزمن، كما يتوقع الكثيرون.

غير أنه من خلال النظرة الدقيقة إلى الانحدار المطلق أيضا، نجد أنه لا بد من الإقرار بأن الولايات المتحدة تعاني فعلاً من مشاكل كبيرة، لكن اقتصادها لا يزال اقتصاداً منتجاً إلى حد كبير. وهي لا تزال محتفظة بالمرتبة الأولى في العالم في مجال الأبحاث والتطوير، وبالمركز الأول في الترتيب الجامعي، وبالمركز الأول في إعداد الحائزين جوائز نوبل، وبالمرتبة الأولى في ما يتصل بمؤشرات العمل التجاري.

ويؤكد التقرير السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي الأخير ان القدرة التنافسية الاقتصادية للولايات المتحدة تحتل المرتبة الخامسة على مستوى العالم، بعد اقتصادات سويسرا والسويد وفنلندا وسنغافورة، فيما تحتل الصين المرتبة السادسة والعشرين. وفضلاً عن ذلك، تبقى أميركا في مقدمة الدول التي تمتلك التكنولوجيات المتطورة مثل التكنولوجيا الحيوية، وتكنولوجيا النانو.

ويقول المفكر السنغافوري «لي كوان يو»، إنه بوسع الصين الاعتماد على مجمّع من المواهب لدى 1,3 مليار شخص، في حين تستطيع الولايات المتحدة ان تعتمد على 7 مليارات شخص، هم سكان العالم جميعهم، وتستطيع إعادة توحيدهم في ثقافة متنوعة تعزز الإبداع بشكل تعجز عنه القومية الصينية وغيرها من القوميات.

أما القلق الأساسي بالنسبة للولايات المتحدة، فهو مجرد انعكاس للنظام السياسي الأميركي الذي يفتقر إلى الكفاءة، وخصوصاً ان الولايات المتحدة تشهد اليوم فترة من الاستقطاب الحزبي الشديد. ولكن الواقع التاريخي يؤكد أن سياسة الحكومة الأميركية كانت تشهد دائماً مثل هذه النوبات.

ومن المهم التمييز بين المشكلات الخطيرة مثل الدين العام، والتعليم الثانوي الضعيف، والجمود السياسي، القابلة للحل، على المدى البعيد، وبين المشاكل التي لا يمكن حلّها، من حيث المبدأ، مثل ما إذا كانت أميركا قادرة على تنفيذ الحلول المتاحة لتغيير مسار الدين الأميركي من خلال زيادة الضرائب وخفض الإنفاق، ولذلك كان المفكر «لي كوان يو» على حق عندما قال: إن الصين سوف تباري الولايات المتحدة مالياً، ولكنها لن تتفوق عليها في القوة الإجمالية في النصف الأول من هذا القرن».

وانطلاقا من ذلك يتبين لنا أن التوقعات بالانحدار الأميركي المطلق غير منطقية. ومع أن صعود قوى جديدة يعني ان قدرة أميركا سوف تنخفض نسبياً، فإن ذلك لا يعني ان الصين سوف تحل بالضرورة محل الولايات المتحدة لتصبح القوة الرائدة في العالم.

جوزيف إس. ناي، مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق
ترجمة: جوزيف حرب