انهيارات

دعوت الله في نهاية مقالة نشرت يوم 8/1/2011 أن يحمي تونس من جشع التيارات وتآمر الخصوم. فالقطر التونسي جدير بأن يحظى بالحرص لأنه جوهرة المغرب العربي وهو بارومتر الوضع العربي ككل يجمع بين الاصالة والحداثة.
ولم أشأ في تلك المقالة الخوض في تفاصيل التعقيدات الداخلية في تونس من حيث الاثراء والهيمنة غير المبررة على الاقتصاد المنتعش ما ادى الى ركوده وكذلك كبت الحريات الاعلامية ربما لأن من واجب الفلسطيني الذي يرى من هب ودب يتدخل في شؤونه أن يحرص على عدم التدخل في الشؤون العربية، لأن مصلحة القضية الفلسطينية أن تبقى فوق الصراعات لكن تدخلات الانظمة والتيارات جعلتها ممسحة يستخدمها الجميع لمصالحه الخاصة.
نخاف على تونس من الفراغ السياسي ومن الفلتان والفوضى، ففي العادة حدث انه كلما سقط حاكم شمولي دبت الفوضى في البلاد.. حدث هذا في العراق ومن قبله في الصومال ومن قبله في ايران.
ولم يعد احد بقادر على الاستمرار في ظل ثورة المعلومات والعولمة في اخفاء الحقائق وكبت الحريات العامة لأن من طبائع الاستبداد التعتيم بشتى السبل لكن هذا لم يعد ممكنا في الظروف الحالية، ولعل الشعب التونسي هو الشعب العربي الوحيد الذي يتمتع بثقافة عالية ونسبة خريجين مرتفعة ومستوى معيشة متطور ولهذا أخذ على عاتقه مهمة التغيير. اذ لا يعقل ان يتولى رئيسان فقط حكم بلد منذ استقلاله عام 1956 وهذا لا ينفي مطلقا ان الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي حققا انجازات في فترتي حكمهما، بل هما من جعلا تونس دولة عصرية، الا ان بريق البقاء في الحكم يغري بالتجاوزات التي باتت تفوق الانجازات.
وأكاد أجزم أن رحيل الرئيس التونسي ليس نهاية بل بداية لانهيارات في النظام العربي الذي لا يريد ان يتطور. لكن نأمل أن يتم هذا بلا اراقة دماء وبلا فلتان.. ففي حالة تونس نأمل أن يتم تجديد الحكم دستوريا بسلاسة حتى يمكن تداول السلطة ديمقراطيا كل حين.. لأن ليس كل المعارضين قديسين بل ثمة أبالسة بينهم ينتظرون نهش الاوطان والشعوب وتفتيتها
حافظ البرغوثي - الحياة الجديدة