اهرامات البارة... أنموذج للتفاعل الحضاري في حضارات لشرق القديم

تتميز مدينة البارة التاريخية في محافظة إدلب بوجود أهرامات تذكر بأهرامات مصر من حيث وظيفة الدفن مع اختلاف في الحجم، وهو ما يعكس طبيعة التفاعل الحضاري في دون المشرق العربي القديم.
وتختلف أحجام أهرامات البارة، التي لم يبق منها سوى عدد قليل، ولكنها تُرى من مسافات بعيدة وتعد علامة فارقة في الآثار السورية المتنوعة.
وتقع مدينة البارة في جبل الزاوية في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، وأطلق عليها الرومان اسم كايروبارا، وفيها العديد من الآثار التي تعود إلى عصور مختلفة. ومن هذه الآثار البيوت الحجرية التي مازال منها قائماً بيت يسمى دير سباط. وبعض الأقبية القديمة التي تحوي معاصر للزيتون إلى جانب معاصر للخمور نقش عليها اسم باخوس إله الخمر. كما يوجد في البارة ثلاث كنائس أثرية موزعة في أرجاء المدينة ذات تصميم بازيليكي في ثلاثة أجنحة. عثر في البارة على مسجد يعود للعصر الأموي، من المعتقد أنه بني في الفترة الأموية الأولى نظراً لأن الكتابة العربية التي عثر عليها فيه غير منقطة، وهي تمثل آية قرآنية وبعض عبارت الحمد والشكر.
وتشير المصادر التاريخية السريانية إلى أن المدينة دمرت مع العشرات من المدن الأخرى في هذه المنطقة التي كانت تابعة لكورة أنطاكية على يد أحد الملوك الأكاسرة الفرس في القرن السادس الهجري، انتقاماً لاحتلال البيزنطيين لمدينة دارا التي كانت تابعة لهم.
أما أهرامات البارة فهي عبارة عن أضرحة ضخمة هي تتألف من قاعدة مكعبة الشكل مرصوفة بالحجارة المشذبة، يعلوها هرم حجري رباعي يصل ارتفاعه إلى أكثر من عشرين متراً في بعض الحالات، وتزين البناء والباب زخارف للأوراق الزيتون البارزة التي تمثل الشجرة الأكثر انتاراً في هذه المنطقة.
وثمة أضرحة ضخمة أخرى لم تحافظ على كامل غطائها الهرمي بل حافظ على حجارتها المتهدمة في الداخل. وهذه الأبنية ترقى إلى القرن الخامس والسادس الميلادي. الحضارة العريقة في البارة تدل على الأهمية الكبيرة للمدينة قديماً وخاصة من الناحية الدينية مكملة سلسلة من الآماكن والمدن والكنائس الكثيرة في جبل الزاوية والمنطقة، وكانت البارة واحدة من مجمعات الكنائس والأماكن الدينية وحضيت بمكانة رفيعة .
وعلى الرغم من الكم الكبير والهائل للآثار في البارة لكن عمليات التنقيب والترميم لا ترقى إلى المستوى المطلوب بالإضافة إلى أن إعداد المنطقة لاستقبال عدد كبير من السياح بتزويدها بعدد من المرافق الضرورية الهامة يسير بوتيرة بطيئة نوعاً ما .
وتعتبر البارة واحدة من المدن التي يطلق عليه عادة المدن المنسية أو الميتة، وهي المدن الواقعة في غالبيتها الساحقة في محافظة إدلب السورية وبعضها في محافظة حلب، حيث كانت هذه المنطقة ذات الهوية الآرامية السريانية أحد مراكز الامبراطورية البيزنطية في عهودها المتأخرة وهي التي لحق بها الخراب بعد الحرب المدمرة التي شنتها الامبراطورية الفارسية عليها في عهد الامبراطور البيزنطي جستنيان.
تيسير أحمد- شام نيوز