بالله عليكم نريد مزيداً من الغش

 

 

 

 

حمود المحمود - الاقتصادي

 

 

 

دليل آخر على أننا لم نتعلم الدرس من التجارب السابقة، فبالإضافة إلى الأخطاء التاريخية التي تكررها الحكومات السورية مع كل أزمة اقتصادية، بأنّها لم تستغل أوقات الرخاء التي تلي الأزمات لإصلاح الأخطاء في سياساتها الاقتصادية، فتعود لتتعامل مع الأزمة السابقة على أنها سحابة صيف لايفترض بنا أن نتعلم منها أي درس، لأننا روّضنا أنفسنا على أن سياساتنا لا يأتيها الباطل من بين أيديها ولا من خلفها، وكل ما مرّ بنا هو حالة طارئة وبسبب الآخرين وليس لها أسبابها الموضوعية.

أيضاً، يبدو أنّ بعض التجار ليسوا أقل من الحكومة إصراراً على عدم تعلّم الدرس، والدليل هو الآتي: عندما كنا نتحدث أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات عن التجار الذين منحوا سورية لقب (المصدّر الأسوأ سمعة في المنطقة)، حينما كانوا يصدّرون لروسيا ودول الشرق الآسيوي واليونان أحذية من كرتون على أنّها أحذية من الجلد الطبيعي، كان الكثيرون من المسؤولين ومن ناطقي الإعلام السوري يبررون ذلك بأنّ هؤلاء هم قلّة مسيئة.

ولكي ندرك حجم الخراب الذي تسبب به هؤلاء المصنعون والمصدرون السوريون آنذاك، علينا أن نذكّر بأنّ تلك الدول قبلت يومها بأن تستبدل الديون السورية ببضائع سورية تحمل شعار (صنع في سورية) كبديل عن الدفع الكاش لهذه الديون.

ويومها عقدت الحكومة صفقة مماثلة من المصنعين والتجار السوريين، بأن تستعيض عن بعض ضرائبهم مقابل بضائع يصدرونها لهذه الدول.

عندها اشتغلت الأقبية والورشات السورية في إنتاج صناعات تحمل شعار "هات إيدك والحقني" بدلاً من شعار "صنع في سورية" بما يحمله من دلالات لسمعة البلد.

ويومها دمغت الصناعة السورية بالدمغة التي لاتزال حاضرة في الأذهان، حينما ظهرت إعلانات تلفزيونية في تلك الدول ترفع الحذاء السوري وبعض البضائع الأخرى لتحذّر المستهلكين من الغشاشين.

 

***

لم يردع أولئك التجار المعروف الذي عملته معنا تلك الدول حينما قبلت ببضائعنا كبديل عن الديون، ولا المقايضة التي حصلت بينهم وبين الحكومة لسداد الضرائب، بغض النظر عن قناعتنا بعدم عدالة الرقم الضريبي آنذاك، لكنهم فعلوها.

وإن كانت الفضائيات لم تكن قد ولدت بعد، فكان ما نشره التلفزيون اليوناني والروسي يومها محصورا بجمهور محدود، فإنّ تكرار هذه الفعلة اليوم هو بمثابة فضيحة بجلاجل كما يقال، تنتشر وفقاً لما يسمى اليوم viral videos أو viral news أي الانتشار الفيروسي للأخبار عبر الانترنت وعبر مواقع الفيديو كاليوتيوب وغيرها.


وعندها لن يكون تأثير السمعة السيئة للبضائع السورية مستمراً لنحو عشر سنوات كما حصل بعد موجة الغش أواخر الثمانينات، لأنّ تكرار هذه الفعلة اليوم سيصيب الصادرات السورية في مقتل.


وطبعاً ما تنتظرونه مني هو أن أقول إنّ هذه الفعلة تتكرر اليوم.. نعم هذا مايحصل وبكل أسف.

وأول من كشف عن الصادرات الرديئة التي بدأ بعض التجار السوريين يرسلونها للخارج هو رئيس مجلس الأعمال السوري العراقي أحمد الشهابي. كشف ذلك في جلسة علنية أمام تجار وصناعيي حلب وبحضور وزير الاقتصاد نضال الشعار.

حصل ذلك قبل أيام، وأعتقد أنّ هذا الخبر تسبب لوزير الاقتصاد يومها بارتفاع بضغط الدم، إذ ترك الحديث في القضايا التي كان يبحث فيها واتجه لهذا الموضع الذي اعتبره ببساطه بمثابة "الخيانة الوطنية".


وأنتم ترون أنّ هذه الموجة من الغش في الصادرات تنشط في ظروف مماثلة لما قام به بعض تجارنا في الفترة السابقة، فهي تأتي رداً لمعروف العراقيين بفتح أسواقهم أمام البضائع السورية رغم العقوبات، وهي تأتي أيضاً رداً على المعروف العراقي باستثناء الصادرات السورية من الرقابة على المستوردات لمدة ستة أشهر. لقد أصرّ بعض التجار على أن يعملوا من يعمل معنا معروفاً بأن يتربّى ولا يمنحنا هذه الثقة.

 

***

باقي نحو أربعة أشهر من المهلة العراقية والتي سمحت للبضائع السورية بدخول أراضيها دون رقابة، وبعدها سنكتشف كيف ساهم هؤلاء الشطار من التجار بكل وعي بإغلاق المنفذ الأكبر والمستورد الأكبر للبضائع السورية.

وربما من هذه الحادثة نفهم سبب إصرار الكثيرين من التجار على إلغاء الرقابة على المستوردات إلى سورية، ليغرقونا ببضائع لانعرف "قرعة أبوها" وليجرّبوها على هذا المواطن الذي تحمّل الكثير من الدروس التي تعلمهم إياها الحكومة والتجار معاً.



***


بالنسبة لنا كمواطنين نتحملكم.. بالله عليكم أكثروا من غشنا، لأننا أصلاً لم نعد نستسيغ البضائع الأوريجينال، لقد اعتدنا على المغشوش وعلى الـcopy original، لكن بالله عليكم لا تغشوا الناس في الخارج باسمنا.


جربوا علينا ما شئتم من الصناعات الرديئة، ونعدكم ألا نشتكي لدوريات حماية المستهلك ضدكم، ونعدكم-كالعادة- أن حماية المستهلك سترانا نأكل لحم الحمير بدلاً من لحم العواس ثم تظهر في وسائل الإعلام لتقول بأنها تحمي المواطنين بنسبة 100%.