بانوراما كوارث 2022 في سورية

كوارث سورية

عمار ونوس

نبدأ رحلتنا البانورامية التي يود معدوها ومذيعوها ومستمعوها لو لم تكن، لكن سنّة الحياة والطبيعة الكونية تظهر كوارث وتخبئ أخرى في كل بقعة من بقاع الأرض.

ففي 11 كانون الثاني كان السوريون على موعد مع هزة أرضية شعروا بها في غالبية المحافظات جرّاء زلزال سُجل على القوس القبرصي بقوة 6.6 على مقياس ريختر، حيث كان التأثير بعيداً حوالي 450 كيلومتراً عن مدينة دمشق.

يومان جديدان وكارثة أخرى في الـ 13 من الشهر ذاته، حيث أخمد فوج إطفاء حمص حريقاً اندلع بين قريتي جبلايا والمرانة بريف المحافظة الغربي، امتد على 80 دونماً زراعياً.

ولم يخفِ الشهر الشتوي نواياه تجاهنا، فأرسل "تنينه البحري" بعد أيام عاصفاً بعدد من القرى البحرية في طرطوس وجبلة، ما تسبّب بتضرر مئات البيوت البلاستيكية بشكل كامل سيما منها المزروعة بالبندورة والكوسا.

وما أن ظننا أننا نجونا من شتاء قاس مع إطلالة الربيع في آذار، لكن رياحه وعواصفه أجبرت موانئنا البحرية على الإغلاق وسجّلت معها خسائر في البنية التحتية في مدينة اللاذقية، كما سجّل في هذا الشهر هزة أرضية بقوة 3.3 درجات على مقياس ريختر ضربت شمال مدينة حلب.

وفي آذار أيضاً، محطةٌ وبائيةٌ جديدة طالعتنا بها الأخبار الواردة من مدينة الدريكيش في محافظة طرطوس بحالات التهاب كبد وبائي لدى بعض المواطنين القاطنين هناك، تداعت على إثرها الجهات الصحية والمعنية لكبح جماح هذا الوباء قبل انتشاره بقطاعات أوسع، وسارعت لأخذ عينات من مياه استخدمت للشرب هناك باعتبار أن المرض ينتقل عن طريق الأطعمة والمياه الملوثة.

وأثبتت التحاليل صلاحية المياه للشرب بما فيها مياه "البيدونات" المعبأة هناك، على الرغم من وجود نسبة قليلة من العصيات البرازية وهي غير مؤذية، فيما أظهرت العينات من نبعي "الدلبة والهني" وجود عصيات فيها قبل التعقيم بالكلور، وبعد التعقيم أصبحت خالية منها، ليسجل معها عدد قليل من الإصابات بادئ الأمر لكن ما لبثت الإصابات أن زاد عددها في المدينة لتبلغ حوالي 300 إصابة.

ومن ثم تفتَتح في أيلول صفحة وبائية سوداء عنوانها الكوليرا، الذي بدأ بعداد إصابات محدودة وبمناطق ريفية مختلفة.

وتتوسع الإصابات إلى مناطق أخرى في محافظات حلب وحمص ودمشق ودير الزور والحسكة والأرقام تكشف عن أعلى الإصابات في محافظة حلب.

وفيما استمرت الجهود الحكومية والتطمينات الوزارية علت بعض الأصوات على لسان معنيين في الصحة العالمية مع وصول المرض عتبات المدراس ودور الأطفال تحذر وتقلل من ارتفاع الإصابات وانتشارها، داعية لتعاون دولي لضبط الوباء وتقديم مساعدات صحية تسلمت وزارة الصحة دفعات منها خلال رحلة المرض ليقفل الوباء مع إعداد هذه البانوراما بعداد إصابات وصل إلى 1627 إصابة و49 حالة وفاة.

شهر نيسان كان رحيماً بنا.. هدوء واستقرار وراحة بال لم تستمر طويلاً، لتخبرنا الأنباء الواردة من دير الزور في الـ 5 من أيار أن عدداً الأشخاص دخلوا مشفى الأسد في المدينة، بضيق تنفس نتيجة عاصفة غبارية، أضرت كما بالأهالي بمئات الدونمات من مزروعاتهم أيضاً، مشهد تكرر في الـ 16 من الشهر ذاته، لكن هذه المرة في الحسكة بـ 400 حالة راجعت المشافي بمشاكل تنفسية.

حزيران كان موجعاً للاذقية، ففي الـ 25 منه، ضربت عاصفةٌ توفي على إثرها صياد وغرق مركبه عند موقع رأس ابن هانئ، وسجلت أضرارٌ مادية كبيرة بمنشآت التخييم والسياحة على شاطئ وادي قنديل والبسيط، مع جنوح عدد من الزوارق البحرية المركونة في جبلة بانياس، وأضرار هائلة بمزروعات الحمضيات والزيتون في اللاذقية تراوحت بين 10 إلى 15% من حجم الإنتاج، علاوة على أضرار في البنية التحتية فيها سيما الخطوط الهاتفية بأكثر من عشر قرى. لم نكد ننفض غبار هذه العاصفة التي وصفت بالأعنف هذا العام لتهتزّ أبدان أهالي محافظة حلب ليس رقصاً بل على وقع هزة أرضية جديدة في الـ 10 تموز ضربت جنوب غرب المدينة.

مدينة مصياف الوادعة لم تنج من ألسنة آب اللّهاب، ففي 22 من الشهر الساخن، نشب حريق في الأراضي الزراعية بحرم نهر القريات ما استدعى تدخل ٢٣ آلية إطفاء، وقدّرت الأضرار بنحو ٢٠٠ دونم من أشجار السنديان والزيتون والكرمة.

وكما كانت ألسنة آب سياطاً موجعةً، خابت ظنون البعض بالماء أن يكون منقذاً، فاجعة جديدة ومن العيار الثقيل في أيلول، غرق مركب لبناني يقل سوريين طالبي لجوء قبالة شاطئ طرطوس أسفر بمحصلة نهائية عن غرق 99 شخصاً، فيما أسعف ممن نجحت جهود الإنقاذ التي استمرت أياماً بالتعاون مع الجانب اللبناني في نجدتهم لتكتب لهم حياة جديدة.

الدموع لم تجِف على مُصاب غرق سوريين، لتتابَع في حلب ضمن الشهر ذاته أيلول، حيث انهار بناء سكني في حي الفردوس شرق المدينة أودى بحياة 13 من قاطنيه بينهم 5 أطفال، لتسارع المحافظة على وقع هذا الخبر لإجلاء عدد من الأبنية المحيطة وأبنية أخرى آيلة للسقوط بعدد من أحياء المدينة.

تشرين الثاني، عذراً شهر ندى داؤود، الصبية التي انفطرت عليها قلوب السوريين.. عصر الرابع والعشرين من تشرين الثاني أمطار غزيرة وسيولٌ جارفة في اللاذقية والخبر الطامّة، سقوط ندى وأمها في حفرة للصرف الصحي، وما هي إلا ساعات لتتصدر صورة الشابة صفحات ومواقع التواصل وتغدو الخبر والعنوان والنشرات وبكل أسف الكارثة، وبين مطالب بمحاسبة المسؤولين وتقاذف اتهامات المسؤولية ووريت ندى الثرى وأعقبها قرارات بإقالة ومحاسبة مسؤولين قالوا إنهم المعنيون.

وأشبه بوحش متعب، غادر المشهد منهكاً هذا العام ولكن بقي ذيله ظاهراً، غادرنا سيء السمعة "كورونا" الفيروس الذي واكبنا منذ عام 2019 وحتى نهاية 2022، ككارثة سيطرت على مفاصل حياتنا، وبمؤشر مبشر وجيد. أعلنت الصحة قبل أيام في الـ 16 من هذا الشهر أنها أوقفت نشر تحديثٍ لإصابات الفيروس بسبب استقرار الوضع الوبائي المتعلق بالمرض، وتسجيل مؤشرات منخفضة من حيث شدته وسرايته.

أخيراً وكي لا ننسى كوارث من فئات ومصادر أخرى يكابد السوريون الكثير منها في يومياتهم، فأما عن الطبيعية يواجهونها بمقولة "الحمد لله وإنا لله وإنا إليه راجعون" وأما غير الطبيعية من قرارات حكومية وانقطاع الكهرباء وغياب المحروقات وارتفاع الأسعار وتعطّل أجهزة المشافي ولكم أن تعدّوا من الكوارث ما تشاؤون مما تواجه السوريين يبقى القول " الشكوى لغير الله مذلّة".... وكل عام وأنتم بخير.