براد المحج المشرقي السوري الجامع

بعيداً عن رحلات الحج إلى الأراضي المقدسة في القدس والفاتيكان وغيرها من المقاصد الدينية تتجه أنظار المشرقيين المسيحيين إلى براد السورية معيدة أنظار العالم إلى بذور المسيحية الأولى وجذورها، فالمنطقة الممتدة شمال حلب لا تزال تشهد لها إلى اليوم، كبقايا المدن المنسية، أكثر من 40 معلم أثري منتشر هناك، وحضارات المدن الشامخة كالرها وديار بكر وصولاً إلى انطاكيا، مدينة الله العظمى وعاصمة سوريا لأكثر من 800 عام، التي احتضنت واحد من الكراسي الرسولية الأربعة، وشكلت المعقل الأساس الذي انطلقت منه الكنيسة الأولى في العالم.

"رحلة الحج إلى الينبوع" التي عنونت الزيارة الثالثة لرئيس تكتل التغيير والإصلاح الجنرال ميشيل عون وآلاف الحجاج إلى مسقط رأس الكنيسة المارونية في براد السورية حملت الكثير ليقرأ بين سطورها، فهي وإن كانت إيمانية من حيث شكلها، وسياسية في برتوكولاتها لكن الأبرز جاء في نظرتها الشمولية وقدرتها على تجاوز مطبات الماضي لتنقل رسالة العيش الواحد والخدمة المشتركة للجميع.

اليوبيل 1600 الذي أنطلق العام الماضي بشعار "مار مارون...من كورة حلب إلى الكون" واتنتهى "برحلة الحج إلى الينبوع"؛ بدأ في حلب بزيارة لعون إلى مطرانية السريان الأرثوذكس، واستقبل من الرئيس الأعلى للسريان في العالم البطريرك  زكا الأول عيواص الذي وضع مجموعة من النقاط ستلغي شقاق اصطٌنع في فجر الكنيسة المشرقية، فالبطريرك السرياني الذي طالب بأن يكون عيد "مار مارون" مسكونياً انطاكياً سريانياً مشرقياً جامعاً وضع حداً لكل الشائعات المختلقة معلناً في الوقت ذاته عن أن مار مارون السرياني السوري مؤسس الطائفة المارونية هو من جذور الكنيسة وطالب بالعودة إلى الأصالة كي يتحسس السريان من كل المذاهب المعنى الروحي العميق الذي تركه تاريخ النساك والعموديين في انطاكيا و الكورة، وبذلك يكتب اليوم تاريخ جديد يعيد اللحمة بين أطياف المشرقيين الأوائل.

شفاعة مار مارون لم تقتصر على الجانب الديني، فبعثت برسالتها السياسية الاجتماعية إلى العالم بأسره، فالجغرافيا السياسية التي تجاهلها البعض وتمسك بها الجنرال منذ عودته في الـ2005 أثمرت اليوم علاقات مميزة ليس على صعيد السياسيين فقط، بل انتقلت أصداؤها إلى الشعوب، فخرجت أصوات من بين الحجاج البنانيين طالبت بإلغاء الحدود بين سوريا ولبنان ليعود بذلك اللبنانيون والسوريون المشرقيون إلى الرحم في الأرض السريانية المارونية في سوريا.

أما تاريخياً، فإن براد ورثت أبي الماورنة واحتضنت جثمانه إلى اليوم مع أن بعض التحليلات الأثرية تشير إلى أن مار مارون عاش في "قلعة كالوطة" وتزهد فيها ونقل إلى براد بعد وفاته؛ ولتحليل هذه المعلومة يستند عبدالله حجار، الباحث في مجال الآثار وعضو جمعية العاديات في حلب، في معلوماته عن مار مارون إلى أسقف "قورش" "تيودوريطس" الذي أشار في كتابه /تاريخ أصفياء الله/ في العام 444 م بأن "مار مارون عاش على قمة عالية كان فيها معبد وثني حُوّل بفضله إلى كنيسة وهو مكان منعزل". بناءً على ذلك يعتبر حجار أن المكان بحسب رأيه هو "قلعة كالوطة" باعتبارها منعزلة ومرتفعة عن سطح البحر 560 م. وبعد وفاة "مار مارون" في العام 410 م أرادت القرى المجاورة الحصول على جثمانه، كونه عاش في مكان منعزل، وتمكنت براد التي كانت ثاني أكبر قرية في شمال سورية من أخذ الجثمان ودفنه في كنيسة "جوليانوس" بعد أن أُضيف إليها جناح في الجهة الشمالية الشرقية ليضم رفاته إلى اليوم.

 

 

جاك قس برصوم- شام نيوز