بعد 60 عاماً من العطاء.. حلب تودّع «حج عبدو الفوّال»

شام إف إم - زاهر طحان
"كنا نضبط ساعاتنا على توقيت دخول الحج عبدو إلى محله، فعندما تراه وصل إلى باب محله فاعلم أن الساعة تشير إلى السادسة صباحاً، وعندما يبدأ بتوزيع أطباق الفول على الزبائن فستكون الساعة بكل تأكيد السادسة والربع، في حين سترى عقارب الساعة تشير إلى السادسة مساء مع إغلاقه لآخر قفل من أقفال محله"، هكذا يستذكر عدنان، الموظف الحكومي «حج عبدو الفوال» صاحب محل الفول الأشهر في مدينة حلب.
حلب تودّع أحد رموزها التراثية
«حج عبدو الفوال» كما يعرفه الكبير والصغير من الحلبيين، ودّع أبناء مدينته صباح يوم الأحد عن عمر ناهز /75/ عاماً بعد أكثر من /60/ عاماً قضاها في مهنة بيع الفول التي ورثها عن أبيه، حيث لم تمنعه ظروف الحرب الشرسة التي عاشتها مدينته خلال السنوات الفائتة من ممارستها والتمسك بها، رغم اضطراره لمغادرة محله الرئيسي في حي الجديدة الأثري والذي تعرض للتدمير الكامل إبان دخول المجموعات المسلحة وسيطرتها على الحي.
لطالما كان «حج عبدو الفوال» من أهم الرموز التراثية في مدينة حلب وأكثرها استقطاباً للسياح والشخصيات الرسمية المحلية والعربية والعالمية، إذ لطالما قصد محله القديم العديد من رؤساء الدول والشخصيات السياسية المحلية والعالمية المرموقة، لتذوق أطباق الفول المميزة في محله الصغير الذي لطالما امتاز بالبساطة والنظافة والتواضع في حي «الجديدة» الأثري بحلب القديمة.
ووصلت شهرته إلى مختلف دول العالم ما جعل من الـ «المصري» مادة دسمة استقطبت السياح العرب والأجانب، إضافة إلى مختلف الوسائل الإعلامية في سورية والعالم، وحذا بالمشتغلين فيها إلى زيارة مدينة حلب بهدف محاورته واللقاء به وتذوق صحن الفول الذي كان يصرّ على تحضيره بشكل شخصي دون مساعدة من العاملين في محله.
الحرب لم تفسد سر أطباق «حج عبدو الفوال»
عمل «حج عبدو» خلال سنوات الأزمة في المحل الذي كان افتتحه نجله الكبير في منطقة النيال بحلب قبل بدء الحرب في حلب بعدة سنوات، فلاحقه زبائنه الذين يشكلون شريحة واسعة من أبناء مدينة حلب إلى محله الجديد للاستمرار في التمتع بتذوق أطباقه المتميزة التي لم تُفلح محاولات باقي العاملين في المجال ذاته لكشف سرّ طريقة تحضيرها.
ورغم انتقال الـ «حج عبدو» إلى محلين جديدين خلال الأزمة، إلا أن ذكريات الحلبيين لم تفارق جنبات محله القديم في «الجديدة»، ولا يمكن إغفال حالة التأثر الشديد والحزن الذي أصاب أبناء حلب إبان وصول نبأ دمار هذا المحل، في حين سارعوا منذ إعلان «الجديدة» حياً آمناً بعد تطهيره من المسلحين قبل نحو عام ونصف، إلى زيارة المحل المدمر والجلوس على أطلاله لاسترجاع ذكرياتهم المحببة،
علامة فارقة في ذاكرة الحلبيين
لا تكاد تخلو ذاكرة أي حلبي من ذكريات أو أوقات سعيدة قضاها في محل الـ «حج عبدو» الذي تحول بزيه التقليدي الذي كان يرتديه يومياً خلف «بسطة» تحضير الفول، إلى مضرب مثل وافتخار لأبناء الشهباء.
ولَكَم تندّر الحلبيون بصحن فول «حج عبدو» الذي تحوّل إلى مثار منافسة بينهم وبين أبناء باقي المحافظات السورية وخاصة الدمشقيين الذين يُباهون هم أيضاً بأطباق الفول التي يحضرها المحل الأشهر في دمشق والمعروف بـ «بوز الجدي».
يقول عبيدة صاحب محل لبيع الألبسة في حي الفرقان لـ «شام إف إم»: "منذ طفولتي وأنا أرتاد محل حج عبدو برفقة والدي لتناول صحن الفول المميز وخاصة في أيام الجمعة، ورغم وفاة والدي عندما كنت في السادسة عشرة من عمري، حافظت على تلك العادة وكأن الحج عبدو أصبح مزروعاً في داخلي مع محله التراثي المتواضع والدافئ، ليذكرني بأبي وذكريات طفولتي الجميلة معه، واليوم وبوفاة الحج عبدو أشعر وكأنني فقدت إحدى أهم ذكريات طفولتي وأنقاها، خسارة أبناء حلب اليوم كبيرة ولا يمكن تعويضها بأي حال من الأحوال".
واليوم تحول محل «حج عبدو» في الجديدة إلى موقع أثري تاريخي لا يقل أهمية عن باقي الأوابد والمواقع الأثرية التي تتميز بها مدينة حلب.