بعد إخفاق نظرية الدومينو، هل من نظام عالمي جديد؟

فراس فرزت القطان . الوطن
(إذا ما هزمنا أمةً واحدة من الشيوعية الحمراء، فإننا سنهزم كل الشيوعية في العالم)، على هذا الأساس اختارت ثلاث قوى غربية، وهي أميركا وفرنسا وبريطانيا ذلك البلد الصغير الذي يدعى فيتنام على مشارف الصين ساحةً حربية لهم، ولكي تتحقق نظرية الدومينو التي انطلقوا منها كان لابد لهم أن يُسقطوا طوال ثلاث سنوات من عام 1965 حتى عام 1968 أكثر من مليون طن من القنابل والقذائف والصواريخ على شمال فيتنام ولاوس وكمبوديا، وأن يستخدموا اثني عشر مليون جالون من المواد الكيميائية القاتلة في مساحات واسعة من جنوب شرق آسيا، وأن ينشروا في ذروة الحرب عام 1968 ما يزيد على نصف مليون جندي في فيتنام.
وإبّان الفشل الذريع لأميركا وحلفائها في نهاية تلك الهجمة العسكرية كان لابد من التفكير بنوع آخر من الحرب. فبعد نحو العقدين ونيف من شبح الهزيمة كانت الحرب الخفيّة التي استخدمت كل الوسائل عدا العسكرية المباشرة، وأفضت إلى إسقاط الاتحاد السوفييتي بكل عظمته وإلى زعزعة استقرار دولٍ كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يهدفون إلى تغيير أنظمتها.
وبعد قرابة العقد من هيمنة أميركا كقطب أوحد على العالم قام جورج بوش الابن بشنّ حربين أعادتا شبح فيتنام مرة أخرى إلى الوجود على حد تعبير الكاتب الأميركي (جاك راندوم) وهما الحرب على أفغانستان والحرب على العراق.
وحين أدركت الولايات المتحدة فشلها بحرب عسكرية مرة أخرى، وقبيل انسحابها من العراق الذي أرادت من جملة أهدافها من احتلاله (إن لم نقل من أولويات أهدافها) احتلال سورية أو ضرب دورها الممانع لأهدافها وأهداف ربيبتها إسرائيل في المنطقة، ومن ثم تطويق باقي قوى المقاومة وبسط سيطرتها عليها، لأن نظرية الدومينو التي طالما آمنوا بها قد أكدت لهم (أن عودةً إلى مراحل التاريخ تدّل على أنه ما من احتلال لبغداد إلا وأعقبه احتلال لدمشق).
ولم يكن ذلك التوجه خفيةً بل هذا ما بان جلياً في شروط (كولن باول) التي جاء بها إلى دمشق، وردّه الرئيس الأسد خائباً، ليغيّر الأسد معادلة التاريخ لمصلحة دمشق والمنطقة، بل ليساهم مع قوى الممانعة في هزيمة الغزو الأميركي على العراق.
نعم، حين أدركت أميركا ذلك قبل انسحابها من العراق بأشهر لم يكن بوسعها شن حرب عسكرية مباشرة على سورية، فأخذت تدير الحرب الخفيّة كما فعلت في غير مكان وزمان من العالم، مدركةً أن ما تعجز عن تحقيقه بالاحتلال المباشر يمكن أن تحققه بوسائل أخرى، كالإعلام المضلّل وفِرق الموت والقناصة وزعزعة الداخل السوري من خلال العمل على إشعال حرب أهلية وطائفية و........
وإن ما أكّده الصحفي الإيرلنديّ المقيم في باريس ( جيارويد أوكولماين) بقوله: (والآن يبدو أن مهد الحضارة والعلم تتعرض لهجوم من همجيين شبه أميين مع قيام الغرب بمعالجة أمراضه في صحارى الشرق) ما هو إلا حقيقة لما يجري على أرض الواقع. ويوضّح المؤرخ والصحفي (بيير بسينين) أنه من بين القلة القليلة جداً الذين طافوا سورية بحثاً عن المعلومة مجازفين بحياتهم مثل (فرانسوا جان دوتيه) و(غيتان فاني) من الإذاعة السويسرية، ويؤكد (بسينين) بعد جولته في سورية واطّلاعه على حقيقة الحال تحوّلَ وسائلِ الإعلام وعلى رأسها الجزيرة أداةً للدعاية في خدمة السياسة المهيمنة على العالم ممارسةً التضليل الكبير.
إن أوضح ما يبدو بعد هذا العرض الموجز لتجارب قامت بها أميركا أثناء الحرب الباردة وقبيل انتهائها وبعدها بسنوات، أن العالم أدرك بشكل جدّي نظرية الدومينو التي بدأتها أميركا منذ حربها على فيتنام 1965 والتي وصفها الكاتب الأميركي (جاك راندوم) مطلع عام 2012 بقوله: (ليس من الصعب الكشف عن أكاذيب الحرب، إلا أن ذلك يتطلب عقلية منفتحة، ورغبة بمعرفة الحقائق.......).
كما أن العالم بدأ باتخاذ خطوات جدية لإيقاف الجنون الأميركي بعظمته.
وما هذا الموقف (الروسي-الصيني، إضافة لقوى عديدة في القسم الشرقي من العالم) الرافض لمشروع غربي على رأسه أميركا في المنطقة كله، هدفه الهيمنة والسيطرة على مقدرات الشعوب إلا تأكيد على ذلك، وربما نكون على مقربة من تشكّل نظام عالمي جديد يولد من رحم سورية ولمصلحتها مستفيداً من أخطاء وتجارب الماضي.