بعد تهم الفساد والإعفاءات.. رؤساء الوحدات الإدارية بمواجهة قانون إدارة محلية مرتقب

 

لم يمر عام 2010 بسلام على رؤساء الوحدات الإدارية، لتعلن وزارة الإدارة المحلية عن إعفاء 33% من رؤساء البلديات في سورية خلال ذات العام، والتهمة تقصير وفشل في تطوير أمور بلدياتهم والعاملين فيها، فضلاً عن قضايا الفساد والرشاوى اللاعب الأكبر في قائمة الإعفاءات التي بدأت تفوح رائحتها بقوة منذ عام 2007، حيث حصل "دي برس" على تقرير يوثق نسبة الصرف من الخدمة كما سطرتها وزارة الإدارة المحلية من عام 2007 حتى نهاية عام 2010، ليكشف التقرير بلوغ نسبة إعفاءات رؤساء المجالس المحلية والبلديات ضمن محافظة ريف دمشق وحدها 50.6% من أصل 158وحدة إدارية، على حين وصلت النسبة في محافظة حلب إلى28.5% من أصل 186 وحدة إدارية، وفي محافظة حمص 25.5% من أصل 149 وحدة إدارية، ليورد اسم محافظة حماة بنسبة إعفاء 31.5% من أصل 206 وحدة إدارية، أما إدلب فلم تكن بعيدة عن سابقاتها بنسبة 34.8% من أصل 178 وحدة إدارية، وفي اللاذقية كانت النسبة 20.5% من أصل 127 وحدة إدارية، كذلك طرطوس بنسبة 44.8% من أصل 87 وحدة إدارية، وفي دير الزور كانت النسبة 38.2% من أصل 94 وحدة إدارية، والحسكة بنسبة141% من أصل 29 وحدة إدارية، والرقة بما يقارب 26.6% من أصل 75 وحدة إدارية، وسجلت درعا ما نسبته 41.2% من أصل 80 وحدة إدارية، وفي محافظة حماة كانت النسبة 23.2% من أصل 62 وحدة إدارية، أما محافظة القنيطرة فسجلت أعلى نسبة إعفاءات 67.8% من أصل 28 وحدة إدارية، نظراً لتناسب عدد رؤساء الوحدات الإدارية المعفين من منصبهم مع عدد الوحدات الإدارية في المحافظة، فيما لم يظهر اسم محافظة دمشق في التقرير باعتبار أن رؤساء البلديات والمجالس المحلية بدمشق أكثر استمراراً في مناصبهم عمن سواهم.

 

بقع فاسدة

غالباً ما يكون إعفاء رئيس الوحدة الإدارية هو الإجراء المعتاد من قبل المحافظين جراء أي قصور بأداء إحدى البلديات في تطبيق الأنظمة والقوانين، ومن وجهة نظر المحامي فائق حويجة فإن رئيس البلدية يعد المسؤول الأول عن أي خلل أو خطأ ضمن بلديته وهو تحت الضوء على الدوام، وذهب حويجة إلى أبعد مما يراه البعض بأن التقصير في تطبيق المرسوم 59 الخاص بمخالفات البناء، أو غيره من القوانين والمراسيم على أنه هو السبب بازدياد حالات فصل رؤساء المجالس المحلية، إنما الأصل يتعلق ببيئة الفساد المتفشية في الإدارات المحلية، والعلاج المرحلي والوقتي بعزل الرئيس القائم على الوحدة الإدارية دون المساس بالجذور المتعمقة.

 

وأشار حويجة بأن سبب فصل رؤساء الوحدات الإدارية ليس مشروطاً بضعف أدائه أو عدم نزاهته، حيث يتم في بعض الأحيان كما هو حال أحد رؤساء البلديات في حماة بفصلهم لأسباب غير سليمة كعدم تمريرهم لمصالح الكبار والمتنفذين، أو وقوفه عثرة في وجه مصالح من هم في المحافظة، لذا فإن الحل من وجهة نظر حويجة إيجاد آلية رقابية تحسن التدقيق بكامل مفاصل العمل من أسفل الهرم حتى رأسه بشكل صحيح وعادل.

 

أين المحاسبة؟

ويشارك مهنا جبارة عضو المكتب التنفيذي في محافظة دمشق المحامي حويجة في وجهة نظر حول أثر الفساد على ظاهرة انتشار إعفاءات رؤساء الإدارات المحلية، معتبراً أن المسائل والقضايا التي تتعلق بفساد المجالس لا تحل بشكل جدي، ويتم الاكتفاء في أحسن الأحوال بكف يد رئيس البلدية ونقله إلى مركز أخر في الدولة دون أن يحال المقصر إلى القضاء، حيث أن الأمر لا يعالج من جذوره، بل هو حل شكلي دون تقديم الفاسدين من رؤساء البلديات إلى القضاء.

 

كما لفت جبارة إلى غياب دور الرقابة الفاعلة داخل المؤسسات، مطالباً أن تكون مختصة وغير مركزية داخل المحافظات، وتتمتع باستقلالية عن المحافظ ووزير الإدارة المحلية أو أحد من داخل ذات المؤسسة.

 

ويذهب جبارة إلى ما هو أبعد من ذلك ليؤكد أن أي منصب هو بحاجة لكفاءة ونزاهة، والبعض من رؤساء الوحدات الإدارية لا يملكون الكفاءة وهذا الأمر ينطبق فعلياً على أحد رؤساء البلديات في ريف دمشق الذي يمتلك النزاهة العالية في حين أنه مهندس زراعي، ولم يمتلك القدرة على الاستمرار بإدارة البلدية رغم اتسامه بالشرف والاستقامة، ويكون الأمر أكثر وضوحاً ضمن بعض البلديات ذات الإمكانيات المادية الضعيفة كبلدية مخيم الوافدين مثلاً، والتي خصص لها آلاف قليلة مقابل قضايا خدمية جمة، ما يتطلب من المحافظات وحين النظر في الكفاءة والنزاهة دعم البلدية مادياً.

 

ريف دمشق..أنموذجاً

محافظة ريف دمشق والتي تضم 24 مجلس مدينة و28 مجلس بلدة و33 مجلس قرية شهدت خلال العامين الفائتين جملة واسعة من إعفاء رؤساء بلدياتها، لدرجة تصدرت معها أخبار تلك الإعفاءات عناوين الدوريات السورية، بعد أن توعدت وقتها المحافظة وبلهجة حازمة جميع المتعهدين والمهندسين ورؤساء البلديات بإقصاء كل من ثبتت مشاركتهم بأي عملية فساد إداري أو مالي فيما يخص المشاريع المنفذة في المحافظة خلال العام الفائت.

 

الإعفاءات تبعها تشكيل أربع لجان رقابية للتدقيق بعمل الوحدات الإدارية التابعة للمحافظة، تقدم كل لجنة منها تقريرين أسبوعياً في المجال الذي خُصصت له، وعلى ضوء نتائج تلك اللجان يتم توجيه العقوبة المناسبة، والهدف منها بحسب الدكتور شاكر التونسي معاون محافظ ريف دمشق هو رفع سوية تنفيذ المشاريع وضبط مخالفاتها، لأنها تعرض المحافظة إلى مشاكل كبيرة في الصيانة وترهق ميزانيتها.

 

وتمحص اللجان بمجمل المشاريع إن كانت لجهات الإدارة المحلية (المنشآت الرياضية، المنشآت المدرسية) أو كانت مشاريع مركزية (الاتصالات، الكهرباء، المياه)، أو حتى مشاريع البلديات نفسها (صرف صحي، طرق، ومشاريع استثمارية).

 

الإجراءات السابقة من قبل محافظة ريف دمشق تحركت وفقاً للتونسي بسبب المراهنة من قبل بعض أصحاب تنفيذ المشاريع من متعهدين وشركات خاصة ومقاولين على ضعف الإشراف في المحافظة، ومن ثم التواطؤ الذي جرى ما بين الجهات المشرفة والجهات المنفذة ما أدى إلى الإساءة لعمل البلديات والقيام بإعفاء الفاسدين عن عملهم.

 

وبهذا يتحمل رؤساء بلديات ريف دمشق مسؤولية التقصير، يضاف إليه أخطاء رقابية تم ضبطها من قبل لجان الهيئة العامة للرقابة والتفتيش أو من المحافظة ، ولموضوع النظافة كما يتابع التونسي أثر بإعفاء بعض رؤساء بلديات ريف دمشق.

 

أيار..2011

الشهر الخامس من عام 2011، تسعى وزارة الإدارة المحلية ضمن قائمة الإصلاحات التي تعيشها سورية حالياً إلى تحسين أداء البلديات والوحدات الإدارية، ليؤكد المهندس عمر غلاونجي وزير الإدارة المحلية في حكومة سفر توجه وزارته نحو تلافي جملة من الأخطاء التي سادت خلال الحقبة الماضية وكانت نتيجتها فصل عدد من رؤساء البلديات ورؤساء المدن .

 

من ضمن تلك الإصلاحات إصدار قانون الإدارة المحلية الجديد الذي يعزز فعلياً اللامركزية والنظر الفعلي في الصلاحيات والهيكليات ودراسة موضوع تأمين الموارد المالية المحلية من أجل تحقيق التنمية المحلية المتوازنة.

 

ويسعى قانون الإدارة المحلية الجديد وفقاً للغلاونجي إلى دراسة منح المزيد من الصلاحيات لرؤساء مجالس الوحدات الإدارية وأعضاء مكاتبها التنفيذية وتعزيز الكوادر واللجوء في بعض الحالات إلى الاستعانة بالخبرات الضرورية وضرورة إشراك المنظمات الشعبية والنقابات المهنية وفعاليات المجتمع المحلي في القرارات المتخذة وإمكانية تطبيقها على أرض الواقع لتتمكن هذه الوحدات من النهوض بواقعها الخدمي والتنموي، والسعي إلى إيجاد خطة عمل لمجالس الوحدات الإدارية على مدار الفترة الانتخابية لتنمية وتطوير الوحدات الإدارية بما يضمن تلبية مطالب المواطنين وخدماتهم بالشكل الأمثل مع ضرورة وجود جهاز رقابي وقائي فعال للحد من الفساد ومشاركة مجلس الدولة فيه لتعزيز دور القضاء والمحاسبة، ما يجده فائق حويجة إجراء منتظر سيضع حدا لكل"البطون" التي امتلأت من مال حرام ومسروق.

 شام نيوز- مواقع