بماذا سيحتفل المصريون حين تحل الذكرى الأولى لثورتهم؟

 

من يصدق أن ثورة المصريين التي أدهشت العالم بسلميتها وقدرتها على إسقاط مبارك في ثمانية عشر يوما سّطر خلالها المصريون ملحمة رائعة في التلاحم والعزم والإرادة ووضوح الرؤية والهدف، من يصدق أن هذه الثورة التي بشّرت بربيع عربي قادم لتغيير بؤس الاوضاع السياسية والاجتماعية في بلداننا العربية، يمكن أن تصل إلى هذا الخريف المبكر بسبب كل هذا التخبط والارتباك بعد أن جرى الالتفاف علي مطالبها وأهدافها في رابعة النهار.

لست مبالغا ولا متشائما حين أقول ان الثورة المصرية تعيش لحظة مفصلية وتواجه خيارين لا ثالث لهما، إما أن تنتصر إرادة الشعب باعتباره صاحب الشرعــية الوحيد و يثبت المصريون أن ما قاموا به ثورة شعبية رائعة لكنس نظام فاسد مستبد وإقامة نظام سياسي جديد يليق بهذا الوطن، وإما أن تنتصر إرادة من يحاولون تصوير ما جرى يوم 25 كانون الثاني/يناير باعتباره مطالب إصلاحية محدودة لتجميل وجه هذا النظام القبيح بعد اسقاط رأسه مع الإبقاء على كل أركانه وشبكات فساده المالية والاقتصادية والسياسية، وهذا أمر لا يبدو محسوما حتى اللحظة.


إن هناك سؤالا بات يلح على عقلي في الأونة الأخيرة بعد مرور كل هذه المدة ومع إقتراب الثورة من إكمال عامها الاول، ترى بماذا سيحتفل المصريون حين تحل الذكرى ألاولى لثورتهم؟ هل ثمة إنجاز حقيقي سنجتمع في ميدان التحرير جميعا لنقول إننا حققناه؟ هل هناك أي تغيير حقيقي جرى في بر مصر السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي؟ هل تغيرت عقلية مبارك البليدة في إدارة شؤون البلاد والعباد؟ هل أنجزنا شيئا يمكن أن نفاخر به ولنقول للعالم هذا ما أنجزته الثورة بعد عام على إندلاعها؟ هل سنبهر العالم في أحتفالنا هذا بعد أن أدهشناه خلال الثورة؟ الإجابة بكل أسف هي النفي، فباستنثاء المحاكمة الصورية التي تتم لمبارك وبعض من أركان عصابته مع بقائه يحظى بكل الرعاية الطبية الفائقة بأموال المصريين الذين خلعوه، لم نحقق شيئا.


ستأتي الذكرى الأولى للثورة بينما المصريون يجاهدون لإختيار نواب برلمانهم الجديد في إنتخابات دونها الكثير من الصعاب والمخاطر والهواجس والمخاوف حول تركيبة هذا البرلمان وتشكيلته خصوصا وأن المنافسة ستكون بين جماعة الاخوان المسلمين والتيار الديني من ناحية وبقايا الحزب الوطني المنحل من ناحية أخرى، بعدما أفسح المجلس العسكري الباب أمامهم لعودتهم مرة أخرى ليخرجوا ألسنتهم للمصريين بأن موتوا بغيظكم.

ستأتي الذكرى الأولى للثورة دون أن يكون لمصر دستور حقيقي يشكل الأساس ونقطة البداية لاقامة نظام ديمقراطي حقيقي يضمن للمصريين تحقيبق تطلعاتهم في حياة سياسية سليمة ويرسم لهم طريقهم نحو المستقبل بعد أن أدخلنا حكام مصر الجدد في طرق التفافية مليئة بالمنحينات والأخطار بدلا من السير في طريق مستقيم ووضعوا العربة أمام الحصان.

ستأتي الذكرى الاولى للثورة والمخاوف لاتزال تسكن قطاعا كبيرا من المصريين حول هوية هؤلاء الذين سيكتبون دستور مصر الجديد وتوجهاتهم ومدى إخلاصهم لقيم الديمقراطية والحرية، وكيف سيكون شكل هذا الدستور وهل سيعكس التوافق بين مكونات هذا الوطن وأطيافه السياسية والاجتماعية والثقافية، أم أنه سيكون على طريقة من غلب في الانتخابات؟

ستأتي ذكرى الثورة دون أن يعرف المصريون شكل نظامهم السياسي الجديد وهل سيكون رئاسيا أم برلمانيا أم شيئا آخر؟ ودون أن يعرف موعد واضح للانتخابات الرئاسية المقبلة وما هي صلاحيات الرئيس القادم، وهل سيملك صلاحيات مبارك بما يحيله لفرعون جديد؟ أم ستقلص صلاحياته بحيث يصبح موظفا عاما وليس إلها حاكما؟

ستحل الذكرى الأولى للثورة ولاتزال العصابات وشبكات الفساد التي خّلفها مبارك بعد رحيله، تحكم وتتحكم في معظم مؤسسات الدولة ومفاصلها الحيوية سواء في الأمن أو الإعلام أو الاقتصاد والبنوك وغيرها، بعد أن قرر من يحكمون مصر الآن تحريم فكرة تطهير البلاد من هذه العصابات حفاظا على مقومات الدولة المصرية وإنتصارا لسيادة القانون، وبعد أن أثبت عصام شرف رئيس حكومة الثورة إخلاصه للجنة السياسات المقبورة لصاحبها جمال مبارك والتي كان عضوا فيها، فجاءت كل التعيينات في المناصب القيادية سواء في البنوك أو الصحف القومية وغيرها لتمكين فلول النظام السابق وإعادة تأهليهم مرة أخرى والأمثلة على ذلك كثيرة ولا تحصى.

سيأتي يوم 25 كانون الثاني/يناير القادم، بينما عدد من خيرة شباب هذا الوطن الذين صنعوا الثورة وأطلقوا شرارتها، إما خلف القضبان يحاكمون عسكريا بتهم تبدأ بإهانة القوات المسلحة ولا تنتهي بالبلطجة والتجمهر، أو أنهم يلاحقون ويضيق عليهم من قبل أجهزة الامن العديدة التي ظهرت بعد الثورة تحت مسميات وأشكال مختلفة، أو يتم إغتيالهم معنويا وتشويه صورتهم عبر الاعلام الحكومي سواء الصحف أو التلفزيون والذي لايزال يدار من قبل أجهزة الامن كما كان في عهد الديكتاتور المخلوع، بالاضافة إلى بعض الاراجوزات والمهرجين الذين إنضموا لحملة تشويه الثورة والثوار نفاقا وتزلفا للسيد الجديد، فاي شكل لهذا الاحتفال سيكون؟


ستأتي هذه الذكرى ونحن نذكر لأحد أعضاء الحكومة البارزين والقادم من حظيرة المعارضة وهو نائب رئيس الوزراء علي السلمي المسؤول عن ملف التحول الديمقراطي في مصر / لاحظوا المهمة العظيمة الموكلة اليه / أنه صاحب الوثيقة التي حاول من خلالها عسكرة الوطن وتحويل المؤسسة العسكرية لدولة داخل الدولة بعيدا عن المساءلة أو الرقابة بما يجعلها تحكم من وراء ستار.

ورغم إنه ربما يكون مظلوما في هذا الأمر وقد لا يكون دوره سوى مجرد ساعي بريد لنقل ما يريد المجلس العسكري للقوى السياسية بطرح هذه الوثيقة، فإن التاريخ سيذكر لعلي السلمي / القيادي البارز في حزب الوفد المعارض جدا/ أنه بوثيقته تلك أدخل القوى السياسية والثورية في مصر الثورة في معركة وهمية أخرى استنزفت جانبا مهما من طاقتها وإهتمامها برسم خريطة المستقبل، بعد أن أشعلت بما تضنته من نقاط مثيرة للجدل، حرائق سياسية كبرى بطول البلاد وعرضها بين القوى المدنية من ناحية والتيارات الدينية من ناحية أخرى وبين القوى السياسية والمؤسسة العسكرية بكل ما لها من إحترام ورصيد كبيرين عند جموع المصريين.

ولاأدري إن كان غبار هذه المعركة الكثيف والمخيف والذي يغطي سماء مصر في هذه اللحظات، سينقشع قريبا وينبلج صبح جديد وتفتح فيه نوافذ الأمل على مصراعيها، في غد أفضل لمصر وشعبها، أم ان الذكرى الأولى للثورة ستأتي وضجيج هذه المعركة لايزال صاخبا دونما حسم؟، أم أن هذه الذكرى، وهذا هو السيناريو الكابوسي، ستحل وثورة المصريين قد ذهبت ضحية تحت أقدام المتصارعين على السلطة من العسكر والإسلاميين؟

هذه أسئلة تبدو مخيفة وربما مغرفة في التشاؤم، لكنها تبقى مبررة والدوافع لطرحها كثيرة وعديدة ولمن يريد أن يستزيد عليه فقط أن يطل على المشهد السياسي في مصرالآن، فبينما أكتب هذا المقال يتهيأ التيار الإسلامي بقيادة الاخوان المسلمين، ومعه بعض القوى السياسية الاخرى لمظاهرة مليونية في ميدان التحرير/ أمس الجمعة/ ضد وثيقة المبادىء الدستورية وبنودها الخاصة بوضع المؤسسة العسكرية، وهي مظاهرة لاتبدو محل إجماع بين كل مكونات المشهد السياسي، بل تعكس أزمة الثقة العميقة بين هذه المكونات من ناحية، وتعكس بالقدر نفسه حالة التشظي والإنقسام بين القوى التي شاركت مجتمعة في نجاح الثورة.

لقد كان المأمول والمتوقع أمام كل محاولات سرقة الثورة، أن يعود المصريون جميعا وعلى قلب رجل واحد إلى ميدان التحرير، وليس فصيلا واحدا مهما كانت قوته، لاسترداد ثورتهم، فسر نجاح الثورة كان في تلاحم كل مكونات وأطياف الشعب المصري، كما أن أهم أسباب المحنة التي وصلت اليها هذه الثورة أن الثوار تركوا ميدان التحرير قبل أن يتوافقوا على رؤية موحدة للثورة وأهدافها ودون أن تحدد بشكل واضح شكل العلاقة بين القوى الثورية والعسكر الذين تسلموا السلطة مع رحيل مبارك، والأخطر من ذلك أن بعضا من هذه القوى تصرف على طريقة مسلمي غزوة أحد ونزل لاقتسام الغنائم قبل الاوان فباع شركاءه في الثورة بثمن بخس وحاول الدخول في صفقة مع المجلس العسكري، وها هم يدفعون ثمن مواقفهم الإنتهازية بعد أن إنقلب السحر على الساحر.

بيد أنه ووسط كل هذه الأجواء التشاؤمية يظل الأمل في قدرة الشعب المصري الذي فاجأ العالم بثورته، على تخطي كل صعوبات هذه المرحلة، فهذا الشعب الذي استرد سيادته لن يسمح لأي طرف مهما كان أن يسلب منه هذه السيادة ،فقد تحررللأبد من تردده وخوفه وإمتلك زمام أمره، وكما ثار المصريون وأطاحوا بمبارك فانهم سيثورون مرة أخرى ضد كل من يحاول سرقة ثورتهم وهم مستعدون لدفع ثمن ذلك.