بوادر انشقاق أوروبي حول سورية

يتحرك الموقف الغربي المعادي لسورية بتسارع كبير سياسيا بعد إطلاق التهديدات العلنية بشن عدوان على سورية لم ترض الكثيرين وعلى رأسهم الشعب السوري وروسيا والصين وإيران والأمين العام للأمم المتحدة والمبعوث الدولي إلى سورية وطيف كبير من الدول والقوى السياسية والشعبية على مستوى العالم إلا أن اللافت كان خروج بلجيكا وبولندا والنمسا عن الرأي الأمريكي وإعلانها رفض الحل العسكري وطلبها العلني والمباشر انتظار نتائج التحقيق في الاتهامات التي وجهت لسورية باستخدام السلاح الكيماوي.

وفي هذا المناخ السياسي الدولي المنقسم بدا معسكر المتربصون بسورية على عجلة من أمره في اتخاذ إجراءات تهيئ لتدخل عسكري يخدم إسرائيل ويشجع الإرهاب متجاهلين أن التحقيق لم يكتمل وأن المحققين يحتاجون لأربعة أيام على الأقل لإنهاء عملهم في سورية قبل فحص النتائج والتفرغ لصياغة تقريرهم وإصدار النتائج حسب الأمين العام للأمم المتحدة.

وفي الأخبار فقد أعلن مسؤول أميركي كبير أمس أن الولايات المتحدة "تستبعد تحركا أحادي الجانب ضد سورية وتناقش مع حلفائها احتمال توجيه ضربات عسكرية يمكن أن تستمر أكثر من يوم واحد".

ونقلت رويترز عن المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته قوله للصحفيين إن "أي تحرك عسكري لن يكون أحادي الجانب ويجب أن يشمل حلفاءنا الدوليين".

وأضاف "إنه إذا صدر الأمر بشن تلك الضربات ضد سورية فإنها ستستمر أكثر من يوم موضحا أن الخيارات ليست محصورة في يوم واحد فقط".

ووسط تكهنات بأن بريطانيا وفرنسا ستنضمان إلى الولايات المتحدة في حال تم اتخاذ قرار بشن تلك الضربات رفض مسؤولون أميركيون الكشف عما إذا كانت الضربات التي تجري دراستها ستتجاوز استخدام صواريخ كروز وستتطلب دخول طائرات مقاتلة المجال الجوي السوري.

وقال المسؤول إن "نواب أوباما يجرون مناقشات مع تركيا والأردن وغيرهم لوضع خطط طارئة لأي عمل يمكن أن تقوم به سورية في حال تعرضت لضربة بقيادة الولايات المتحدة".

وقال مسؤول آخر في الإدارة الأميركية إن "مساعدي أوباما لا زالوا يعملون على تحديد هدف دقيق لأي تدخل عسكري محتمل".

وأكدت سورية أن ستدافع عن نفسها بما تملك من وسائل وأن أمريكا ستفشل في سورية وقال الدكتور وائل الحلقي رئيس مجلس الوزراء إن "سورية ستخرج من أزمتها أكثر قوة ومنعة وستواجه كذبة اتهام الغرب لها باستخدام السلاح الكيماوى بصمود الشعب السوري وتلاحمه ووقوفه إلى جانب جيشه مشيرا إلى أن العالم أجمع يتذكر كذب هذه الدول وترويجها ذرائع واهية وتضليلها الرأى العام قبل غزوها العراق الشقيق لتبرير مطامعها الاستعمارية".

من جانب آخر قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أمس "إن مجلس الأمن القومي وافق بالاجماع على أن استخدام أسلحة كيماوية من قبل الحكومة السورية غير مقبول وأن العالم يجب ألا يلزم الصمت".

وتلتزم بريطانيا نهج أمريكا في سياستها الخارجية العدوانية دون نقاش وتشارك في كل مخططاتها للتدخل في شؤون الدول المستقلة وهذا ما تثبته تجارب العراق وأفغانستان ويوغسلافيا وغيرها.

ودخل حلف شمال الأطلسي على خط التلفيق واستباق نتائج التحقيق ليعزز فبركات الدول المشتركة في العدوان على سورية إذ أعلن الأمين العام للحلف اندرس فوغ راسموسن إن معلومات من عدد من المصادر تشير إلى أن القوات السورية استخدمت أسلحة كيماوية.

وأضاف متحدثا بعد اجتماع لسفراء الحلف في بروكسل أن أي استخدام لمثل هذه الأسلحة "غير مقبول ويجب الرد عليه" غير أنه لم يقترح أي رد.

وكانت عدة لقاءات ثنائية واتصالات أجريت لتنسيق مواقف العدوان إذ أجرى وزير الدفاع الاميركي تشاك هاغل اتصالا هاتفيا بنظيره الألماني توماس دي ميزيير لبحث التدخل المحتمل في سورية.

وصرح المتحدث باسم البنتاغون جورج ليتل أن هاغل الموجود في بروناي للمشاركة في اجتماع لوزراء الدفاع الإقليميين تحادث مع دي ميزيير حول "حاجة المجتمع الدولي إلى بحث الردود على هذا التطور /المأسوي/ في سورية".

واقحمت فرنسا نفسها على الخط رغم أن أحدا لم يتصل بها أو يطلب منها شيئا وأعلنت نيتها المشاركة في أي عمل تجاه سورية وقالت إن "الجمعية العمومية الفرنسية ستجتمع الأربعاء المقبل لبحث تطورات الأزمة في سورية".

وتأتي هذه التطورات على وقع اتهامات أمريكا وبريطانيا لسورية باستخدام السلاح الكيماوي رغم النفي القاطع للحكومة السورية لهذا الأمر ودعوتها للتعمق في التحقيق للخروج بنتائج واضحة إلا أن وزير الخارجية الامريكي جون كيري استبق الأمر وأعلن أن صلاحيات اللجنة لا تخولها تحديد المسؤول عن استخدام الكيماوي ما يؤكد أن واشنطن تتحكم بالملف كاملا وتريد أخذه إلى حيث يخدم مصلحتها.

يشار إلى أن بلجيكا وبولندا أعلنتا عدم قناعتهما وتحفظهما على التدخل الأمريكي في سورية وطالبتا بنشر المعلومات الاستخبارية المتوفرة لدى واشنطن وأكدتا أن أي تدخل يجب أن يتم عبر الأمم المتحدة كما أن النمسا رفضت التدخل ودعت لحل سياسي في حين أكد المبعوث الدولي إلى سورية الأخضر الإبراهيمي أن أى تدخل عسكري في سورية سيعقد الوضع فيها وفي المنطقة عموما موضحا أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة فى سورية وأنه من الأفضل العمل بجدية أكبر على هذا الحل كما شككت روسيا بنوايا واشنطن وحذرت من مخاطر التدخل العسكري في سورية من خارج مجلس الأمن وانعكاساته على الأمن الإقليمي والدولي.