بورصة الدراما السورية 2

حاتم علي

 

بدأت المقالات النقدية التي تنشر في كبريات الصحف العربية تلامس المسلسلات السورية التي تعرض حالياً على الشاشات العربية، محللة ومنتقدة، وقد رأى الصحفي وسام كنعان في جريدة الأخبار اللبنانية أن سمة التطويل والثرثرة هي ما يميز الدراما السورية في هذا العام، مشيراً بشكل خاص إلى مسلسلات البيئة الشامية. واعتبر الصحفي راشد عيسى في جريدة السفير اللبنانية أن مسلسل وراء الشمس للمخرج سمير حسين خطوة درامية عربية نادرة، إذ يسلط الضوء على ذوي الاحتياجات الخاصة، أولاً حين يشرك مصاباً حقيقياً بمتلازمة داون بالتمثيل هو علاء الدين الزيبق، وثانياً حين يسند مساحة كبيرة من العمل لممثل يؤدي دور مصاب بالتوحد، ويؤديه بسام كوسا، ولعله يجد فيه تحدياً جديداً وتنوعاً. أما الكاتب فجر يعقوب فرأى في جريدة الحياة اللندية أن مسلسل مسلسل ما ملكت أيمانكم لنجدت أنزور يريد أن يحاكي المجتمع السوري، ولكن في مرحلة مستقبلية، فيدّعي لنفسه القدرة على «التنبؤ» بما ستؤول إليه الأوضاع، لكنه يستخدم أدوات أول ما تقوم به هو هدم الجدران بين الصغار والكبار من دون هوادة أو من دون تشريح فعلي لما يحدث في الواقع. ورأت يارا بدر في صحيفة القدس العربي اللندية في تعليقها على مسلسل أبواب الغيم لحاتم علي أن غربة الفنانين السوريين ليست بالجديدة، بل هي ساحة تنافسية بين من فاز بأكثر من مشاركة في الدراما المصرية، ومن نجح بعملٍ في الدراما الخليجية، ودافعهم الدائم لهجرانهم الدراما السورية، يكمن في الأجر المالي المُذهل الذي يتلقونه في دول الخليج وتحديداً قطر ودبي، بينما كانوا يفتقدونه في سورية. وفي جريدة الأخبار البيروتية اشار الصحفي ربيع الفران إلى فشل مسلسل ذاكرة الجسد للمخرج نجدت أنزور بسبب إشكالية نقل السرد والكلمات إلى حوار وحركة. وهذا ربما ما أوقع الخلاف بين مستغانمي من جهة، وكاتبة السيناريو ريم حنا. إذ إنّه لم يعد خافياً على أحد أنّ الكاتبة الجزائرية لم تكن راضية أبداً على الشكل الذي خرج به سيناريو العمل. فيما أثنت مستغانمي على عمل أنزور وجمال سليمان ومواطنتها أمل بوشوشة.

 

 

 

الدراما السورية لم تفلت من فخ الثرثرة والكآبة

 

كل مرة تنتقد الصحافة أحد المسلسلات السورية في رمضان، ينتفض الوسط الفني غاضباً، بسبب ما يعتبره حكماً مسبقاً على الأعمال الدرامية. وبرأي هؤلاء، فإنّ تقويم أي عمل لا يتمّ قبل مشاهدة المسلسل بأكمله، أي الحلقات الثلاثين.

هذه النظرية ليست صحيحة دائماً، إذ يمكن من تابع الحلقات العشر الأولى من الدراما السورية التي تعرض في رمضان أن يخرج حتماً بمجموعة استنتاجات، أبرزها أن التطويل والثرثرة الزائدة قاسم شبه مشترك بين مختلف الأعمال. ولعلّ أكثر الأعمال التي ينطبق عليها ذلك هي مسلسلات البيئة الشامية. مثلاً يكتشف المشاهد سريعاً أنّ «باب الحارة» بجزئه الخامس لا يقدّم أي جديد. وقد يكتفي الجمهور بمتابعة بضع دقائق من كل حلقة لمعرفة أن العمل يكرّر نفسه على مستوى الأحداث. كذلك الأمر بالنسبة إلى الجزء الثاني من «أهل الراية» الذي يستمرّ في عرض مشاهد حفظها جمهور الدراما السورية. نرى مثلاً أبطال الحارة يواظبون على الصلاة وراء رجل دين يؤدي دوره النجم زهير عبد الكريم. إضافة إلى صلاة العيد وخطبتها وميزة اليوم الأول بعد شهر صوم... وغيرها من المشاهد التقليدية التي يعتبر رائدها المخرج بسام الملا بعدما كررها في أعماله عشرات المرات. ويبدو أن مخرج «أهل الراية» سيف الدين السبيعي تأثّر بهذا النمط، فعمد إلى تكرار هذه المشاهد ربّما حرصاً منه على تقاليد الدراما الشامية.

 

برع تيم حسن في «أسعد الوراق» وقصي خولي ورنا شميس في «تخت شرقي»

ورغم كل هذه الثغرات، يبقى للدراما الشامية فضل على بعض النجوم، أبرزهم سامر المصري الذي لا يزال يحاول عبثاً استعادة أمجاد «العكيد أبو شهاب» الضائعة. وهذا العام يجسد المصري شخصية «الدبور» في العمل الذي يحمل العنوان نفسه. في المسلسل، يواجه البطل جيوشاً عاتية من الرجال، وينتصر عليهم من دون أدنى شك! وبموازاة الدراما الافتراضية وسيناريوهاتها، تقدم رشا شربتجي النسخة الجديدة من «أسعد الوراق» الذي تدور أحداثه في بيئة دمشقية، مختلفة عن صورة الدراما الشامية.

 

ولا تبدو صورة الأعمال التاريخية أفضل من فانتازيا دمشق الفاضلة. تفتقد بعض هذه المسلسلات الصدقية في المشاهد. مثلاً تظهر النساء المؤمنات في مسلسل «رايات الحق» (رنا الأبيض، وعبير شمس الدين، وجيني إسبر) بكامل أناقتهن وثيابهن المحتشمة إلى جانب التبرّج المبالغ فيه أحياناً! ولا يختلف الأمر في «صبايا» حيث تطلّ نجمات العمل أمام الكاميرا بكامل الماكياج ومستلزمات الجمال الاصطناعي كالرموش المستعارة حتى لو كان المشهد يتطلب عكس ذلك.

من جهة أخرى، ورغم ما قيل بأنّ الموسم الرمضاني سيكون أقلّ كآبةً من السنوات السابقة، يبدو الواقع حتى الساعة عكس ذلك. وخير دليل على جرعات الحزن المعروضة، هو «قيود الروح» الذي كان أول عمل يقع في مطب التطويل. هكذا يحاول المسلسل إغراق المشاهد بالحزن عند إضاءته على ذوي الاحتياجات الخاصة. وما يزيد الطين بلّة الموسيقى التصويرية التقليدية التي تضفي على العمل جرعة زائدة من الكآبة. كذلك الأمر مع «وراء الشمس» الذي يغوص أيضاً في تفاصيل حياة ذوي الاحتياجات الخاصة، باستثناء بعض اللقطات المضحكة التي يصوّر فيها المخرج سمير حسين خفة الظل التي يتمتع بها المصابون بـ«متلازمة داون»، عبر شخصية علاء التي يؤديها علاء الدين الزيبق ويبدو أنه نجم الدراما السورية لهذا الموسم من دون منازع.

من جهتها، استطاعت الحلقات الأولى من «لعنة الطين» تقديم متعة كبيرة للمشاهد مع انطلاق الأحداث من إحدى القرى الساحلية. لكن ما إن ينتقل بطل العمل إلى دمشق حتى تدخل الروح «الهوليوودية» فجأة على المسلسل لنرى عصابة تركب الدراجات النارية، وتعتدي على طالبة جامعية بالضرب. أما في «ما بعد السقوط» فتوحي الصورة المعتمة بالاختناق، رغم استثنائية الحدث الذي يقوم عليه العمل وهو سقوط مبنى مأهول بالسكان.

إضافة إلى كل ما سبق، يمر مُشاهد الدراما السورية على ممثلين يؤدون شخصيات عدة في أكثر من عمل. لكن الأكيد أن المشاهد لن يتمكن من التقاط فروق تذكر بين تلك الشخصيات. كما ستحضر في ذهنه شخصيات أداها الممثل ذاته في مسلسلات سابقة. مثلاً يجسّد عبد المنعم عمايري في «الخبر الحرام» دوراً شبيهاً بذاك الذي لعبه في «تحت المداس» العام الماضي. كذلك، فشخصية عباس النوري في «الخبز الحرام» لا تختلف عن الشخصية التي أداها في «شتاء ساخن» العام الماضي. بينما يجسّد سليم صبري، وضحى الدبس، وسوسن أرشيد، وديمة قندلفت، أدواراً تبدو هي نفسها في أكثر من مسلسل سوري هذا الموسم. بينما يبرع كلّ من تيم حسن في أداء شخصية أسعد الوراق وقصي خولي ورنا شميس بدوريهما في «تخت شرقي». أما عدد المسلسلات الكبير فقد أسهم في إلغاء أي تميّز، باستثناء «ذاكرة الجسد» الذي تميزه اللغة الفصحى والوجوه التي هي حكر على نجدة أنزور.

________________________________________

 

الكوميديا في الطليعة

تبقى المسلسلات الكوميدية السورية هذا العام الأكثر متابعة من «ضيعة ضايعة» مروراً بـ«أبو جانتي ملك التكسي»، وصولاً إلى «بقعة ضوء» الذي يعيد أفكار أجزائه الستة الماضية. من جهة أخرى، يحقق بعض الممثلين حلمهم الكبير هذا الموسم بمرور اسم كل منهم على الشارة كمشرف عام على أحد الأعمال السورية. ومن هؤلاء الممثلين لورا أبو أسعد في «قيود الروح»، وصفاء سلطان في «بعد السقوط»، وسامر المصري في «أبو جانتي». وهو ما ينطبق أيضاً على مجموعة من تجار الإسمنت والمقاولين الذين شاءت الظروف أن يعملوا في الإنتاج الفني لتمر أسماؤهم في الشارة كمشرفين على الإنتاج عامة.

وسام كنعان

المصدر: جريدة الأخبار البيروتية

 

 

 

«وراء الشمس»: دراما ذات احتياجات خاصة!

 

 

في خطوة درامية عربية نادرة، يسلط مسلسل «وراء الشمس» (إخراج سمير حسين وتأليف محمد العاص) الضوء على ذوي الاحتياجات الخاصة، أولاً حين يشرك مصاباً حقيقياً بمتلازمة داون بالتمثيل هو علاء الدين الزيبق، وثانياً حين يسند مساحة كبيرة من العمل لممثل يؤدي دور مصاب بالتوحد، ويؤديه بسام كوسا، ولعله يجد فيه تحدياً جديداً وتنوعاً. ولكن رغم أداء كوسا الممتع، إلا أنه وقع فعلاً في نمطية أداء أدوار كهذه، بمعنى أنه اختار في الشكل مجموعة من «العكاكيز» يتكئ عليها وتسهّل عليه هذا التحدي. يتكئ «بدر»، وهذا هو اسم الشخصية، على لازمة كلامية حين يكرر كلمتي «بعرف، بعرف»، وعلى لوازم حركية، كرفع رأسه إلى أعلى، أو تمسّكه بكيس زوّادته، وكذلك على طريقة في المشي.

وإذا لم نشأ مقارنة أداء كوسا لبدر، المتوحّد، بعلاء المصاب بمتلازمة داون، حيث بدا الأخير، رغم تمسكه باللوازم الخاصة به، أكثر حرية في الأداء (والمقارنة يرى فيها المسلسل هنا ضرورة تعليمية، فيظهر كيف يؤثر المناخ الذي يعيش فيه المصاب بشخصيته وتصرفاته)، فيبدو أن لدينا نماذج بارزة في عالم السينما كأداء داستن هوفمان لشخصية متوحد في فيلم Rain Man، وروبيرت دي نيرو لشخصية مصاب بالشلل الدماغي منذ الطفولة في فيلم Awakenings ، والهندي شاروخان حين يؤدي دور متوحد في فيلم «اسمي خان». وكان كل هؤلاء، في أدائهم، أقرب إلى الأشخاص الطبيعيين.

 

أداء كوسا مؤثر، لكن لا بدّ وانه يعرف أن هذا خيار سهل بالنسبة لممثل. لكن إذا كان المسلسل يغامر بتقديم ذوي الاحتياجات الخاصة، فإنه حتى اللحظة يكتفي بعرض نموذجين (بدر وعلاء) لا يؤثران إطلاقاً في السير الدرامي للعمل، رغم كثرة مشاهدهما، إلا باعتبارهما نموذجين يمكن القياس عليهما من قبل الأم التي تنتظر مولوداً مماثلاً.

المسلسل لا يقف عند هذا الحد في تسليط الضوء على أصحاب الاحتياجات الخاصة، فحكايته الأساسية تقع في قصة زوجين ينتظران مولوداً سرعان ما يكتشفان أنه سيولد معاقاً، وهنا تنقلب السعادة التي يعيشها الزوجان الشابان (يؤديهما باسل خياط وصبا مبارك) إلى حزن. العلاقة بين الزوجين هي نموذج عن الإهمال في المعالجة الدرامية، فإذا كنا نسمع من الزوج حججاً تقليدية دفاعاً عن موقفه في محاولة إسقاط الجنين، فإن المسلسل يضيع فرصة تقديم المرأة لحجج مقنعة، لتدافع الزوجة عن تمسكها بالجنين بسلاح البكاء فقط (والممثلة قدمت أداء ميلودرامياً مزعجاً، مقابل براعة الممثل خياط). راحت تكرر فقط الحجة التقليدية التي ترى أن إسقاط الجنين نوع من القتل.

حتى اللحظة تبدو حكاية الزوجين هي أساس العمل، أما الخطوط الأخرى فلا تزال واهية، مجرد تلميحات بحكايات: أم بدر (منى واصف) وابنتها المطرودة الساعية للانتقام من زوج غادر أودى بها إلى السجن. سليم صبري وحكايته مع شقيقه وزوجته وصهره. وعلاء، صاحب متلازمة داون وعائلته. لكن وحدها حكاية الزوجين تجعل المتفرج مشدوداً إلى المسلسل، الذي يحتل اليوم بلا شك حيزاً كبيراً على خارطة رمضان.

راشد عيسى

المصدر: جريدة السفير البيروتية

 

 

 

«رؤيا» و«رؤية»

 

بصرف النظر عن «الرؤيا» التي تحدث عنها الداعية الاسلامي المعروف الشيخ محمد رمضان سعيد البوطي في حملته المرّكزة والشديدة غير المسبوقة على المسلسل السوري «ما ملكت أيمانكم» للمخرج نجدة أنزور، والتي تحدث فيها عن «بقع سرطانية حمراء ستهلك الأمة في حال استمر عرض هذا المسلسل الذي يسخر من الدين»، بحسب البوطي وقد دهمته «رؤياه» ما بين نوم ويقظة، هو نفسه لم يستطع أن يحسم وقت تجليها، إلا أن الرؤيا وقعت... وأصبح لزاماً على الفضائيات المعنية أن تتوقف عن بث المسلسل!

هذه رؤيا نتركها للمفسرين وللبوطي نفسه، اما نحن فنجد أنفسنا منساقين للحديث عن المسلسل ليس من هذا الباب بالذات، فما يعنينا هو الأحداث التي يأتي المسلسل عليها من زاوية معالجتها وكيفية الانفاق الدرامي عليها. إذ، من الواضح أن المسلسل يريد أن يحاكي المجتمع السوري، ولكن في مرحلة مستقبلية، فيدّعي لنفسه القدرة على «التنبؤ» بما ستؤول إليه الأوضاع، لكنه يستخدم أدوات أول ما تقوم به هو هدم الجدران بين الصغار والكبار من دون هوادة أو من دون تشريح فعلي لما يحدث في الواقع. ذلك أن بعض ما يبوح به بعض الشخصيات المتورطة في الأحداث، يصلح لأن يعطي دروساً تربوية في المدارس الابتدائية والاعدادية بغية تحصين المتلقي ليكون قادراً في مراحل لاحقة على الحكم والتمييز. لا أن توجَّه هذه الدروس المرتبكة من خلال كوة التلفزيون المفتوحة على سبعين مليون أمي عربي، ومثلهم تقريباً من غير الأميين وفيهم مراهقون ومراهقات كثر. تبسيط الأمور وتسطيحها من دون القدرة على ابراز عنصري التحليل والتشريح في مسائل مهمة مثل الدعارة والفساد واستغلال الدين، تصبح هنا في منتهى الخطورة لأن المتن الذي يؤدي إليها لا يعد بأي حال من الأحوال متناً نهضوياً من النوع الذي يُعتد به. ليس هناك ما هو أسوأ من حوار مفرغ من أي نفحة انسانية يدور بين «غرام» (رنا الأبيض) و «عليا» (ديمة قندلفت) حول فقدان هذه الأخيرة عذريتها على يد متنفذ بغيض. صاحب هذا الحوار يعتقد انه يؤسس لمدرسة في الكتابة، تبدو وكأنها تتويج لذروة درامية تصل إليها البطلتان، غايتها الوصول إلى الثمن الذي تتلقاه الضحية من دون توضيح وتشريح للدوافع والمسببات. وهو ما يفشل المسلسل عموماً في الوصول إليه أو التأسيس له.

 

كثيرة هي أحداث المسلسل التي كان بالإمكان معالجتها في أمكنة مختلفة من خلال مناهج تربوية منفتحة لا تعرف التشدد أو الانحياز لفئة على حساب فئة أخرى. اما معالجتها على الشاشة الصغيرة، فتنتج نوعاً من التضليل والتلفيق والاثارة لا يحتاجها هذا النوع من الدراما التلفزيونية لأن آثارها المترتبة ثقيلة، بخاصة أن الخوض في المحرمات والممنوعات يحتاج إلى رؤية وفكر ومران عقلي لا يكتفي بالقفز العبثي بين هذه العناصر من خلال التعكز الأعمى على مسألتي الخير والشر مدعياً الجرأة التي لا نعرف ما إذا كانت تمثل خير ما في هذا المسلسل.

فجر يعقوب

المصدر: جريدة الحياة اللندنية

 

 

 

بعيداً من الحارة

 

قدّم مسلسل «ما ملكت أيمانكم» للمخرج نجدة انــزور، صورة مختلفـــة تماماً عن صـــورة المســـلسـلات السورية التي تقدم بطريقة متواصلة منذ اكثر من 5 سنوات.

فخلال هذه السنوات غدت كل المسلسلات السورية او ما اصطلح على تسميته الدراما السورية، متشابهة في الشكل والموقع واللهجة واللغة والديكور، ومن لم يكن متابعاًَ لتلك المسلسلات لظن أنها مسلسل واحد، وكلها على طريقة «باب الحارة». فإلى جانب «باب الحارة» نبت أكثر من 10 مسلسلات اتخذت الطابع التراثي - الشامي نفسه، بقالب واحد وقصص مختلفة لا يعرف تفاصيلها وأحداثها الا من عكف على متابعتها حلقة بحلقة.

أما ما أتى به «ما ملكت أيمانكم» في هذا الموسم الرمضاني، فهو أنه قدّم الدراما السورية بطريقة مختلفة بعيدة من التراث والمرجلات والبطولات التاريخية او الحاروية، فاقترب أكثر من المجتمع الراهن ليقدمه الى محبي الدراما السورية.

واللافت في هذا المسلسل ليست طريقة التصوير التي تضفي عليه واقعية والسياق الدرامي فحسب، بل أنه يعرض حياة مجتمع بأكلمه من خلال قصص فتيات جمعهن مكان واحد.

والمكان هو معهد لتعليم اللغة الإنكليزية، أما القصص التي يقوم عليها المسلسل، فمتنوعة بتنوع مشكلات المجتمع: واحدة تتناول التطرف الديني، وثانية تركز على الانفلات في المجتمع، وثالثة عن الفقر والعوز، ورابعة عن الفوارق الطبقية والاجتماعية والثقافية وخامسة عن اللاجئين العراقيين في سورية...

كل هذه الأمور، التي تصلح كل واحدة منها أن تكون مسلسلاً تحضر في المسلسل الذي من المبكر الحكم على تطور مجرياته في الثلثين المتبقيين. الا ان الحكم الذي يمكن ان يُطلق الآن، هو أن السوريين الذين تمكّنوا في العقد الأخير من تحويل مسلسلاتهم الى صناعة هي من أسباب نجاحهم، قادرون على النجاح في هذا النوع من المسلسلات الأكثر حداثة والملتصقة بالناس أكثر... وما عليهم الا الخروج من عباءة المسلسلات التي تتناول التراث وحقبة الاستعمار التي أبدعوا في مجالاتها... وآن الأوان لتحقيق نقلة جديدة سيبدعون فيها أيضاً.

مالك القعقور

المصدر: جريدة الحياة اللندية

 

 

هل تصنع الميزانيات الضخمة الدراما أم العكس؟

حاتم علي مخرج يغرد خارج السرب

 

يحتار المشاهد ما سيُتابع من مائدة رمضان الدرامية كُلّ عام، وهناك الأصناف المصرية والخليجية والسورية بالتأكد. ومن جهتهم، يتفاءل صناع هذه الدراما والعاملون فيها كلما زاد العدد وتنوّعت الطروحات، خاصة في سورية التي وعلى عادتها، امتلكت الكثير من المواهب والطاقات من جهة الكتاب والمخرجين والممثلين، إلى جانب طاقمها الضخم من ذوي الخبرات الفنية، لكنها وعلى عادتها أيضاً لم تمتلك منهجاً لدعم طموحاتهم وبناء صناعة مستقلة بالدراما السورية تكون ذات خطة واضحة، تحميها وتدفعها للإمام. فانطلقت الدراما السورية قبل زمن بدعمٍ من التمويل الخليجي، واستمر الحال في تصاعدٍ كمّي ونوعي حتى وقع شبه خلاف سياسي بين السوريين والخليجيين وامتدَ موجهُ ليُبللّ الساحة الدرامية، فاستيقظ السوريون على واقع أزماتهم الدرامية المتتالية، وبدأ العمل في محاولة جادة للخروج منها.

اليوم في رمضان 2010 تقدّم الدراما السورية أكثر من ثلاثين عملاً درامياً، قليل منها لصالح مديرية الإنتاج الدرامي السورية، وأغلبها لصالح المحطات والفضائيات الخليجية، وهذا البعض الثاني هو الذي يتميّز بضخامة الإنتاج وجودة التوزيع على محطات العرض. فنتساءل مجدداً عمّا أنجزناه في فورتنا الماضية التي كشفت لنا سوء وضع الدراما السورية، من حيث أنّها مهددة دوماً بسطوة المنتج والموزّع الخليجي.

غربة الفنانين السوريين ليست بالجديدة، بل هي ساحة تنافسية بين من فاز بأكثر من مشاركة في الدراما المصرية، ومن نجح بعملٍ في الدراما الخليجية، ودافعهم الدائم لهجرانهم الدراما السورية، يكمن في الأجر المالي المُذهل الذي يتلقونه في دول الخليج وتحديداً قطر ودبي، بينما كانوا يفتقدونه في سورية.

حتى أنّ مخرجاً حقق اسماً باهراً في صناعة الدراما السورية من طراز المخرج حاتم علي يغيب لأكثر من عام عن الدراما السورية. باستثناء مسلسله البدوي 'صراع على الرمال' الذي تابعناه العام المنصرم، وانتظرنا إلى اليوم لنتابع عمله البدوي الجديد 'أبواب الغيم'. أمّا ما بينهما فقد تفرّغ علي لتحقيق المشروع الفني الأضخم بالنسبة لأيّ مخرج، ألاّ وهو السينما، فاشتغل فيلمين روائيين طويلين، هما 'سيلينا' و'الليل الطويل'.

 

 

يجد علي وكل من معه في 'أبواب الغيم' دعماً مالياً يصل حدود بناء قرية كاملة صممت خصيصاً للعمل في منطقة 'دير علي' قرب العاصمة دمشق، ويؤمن له ما يريده من المجاميع البشرية الضخمة المستعدة للعمل المتواصل طوال اثنتي عشرة ساعة، إلى جانب الخيول المُدرّبة ومُستلزمات مشاهد الحرب والإكسسوارات والملابس وسواها، بل وينقل بكل سهولة ويسر كل من يرى المخرج ضرورة حضوره إلى مختلف مواقع التصوير التي امتدت من دبي إلى المغرب وصولاً إلى دمشق.

لكن ما هو مسلسل 'أبواب الغيم' ذو الإنتاج الضخم، الذي لم يُصرّح عن ميزانيته بشكل نهائي حتى الآن؟ كتب سيناريو وحوار المسلسل المأخوذ من أشعار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الكاتب عدنان العودة، وتنتجه شركة 'صورة' للمخرج حاتم علي بالتعاون مع مدينة دبي الإعلامية، على أنه يُعرض حصرياً على قناة 'دبي'. أمّا للجهة الفكرية فيقدّم العمل ما يريده المنتجون، ألا وهو صورة ملحمية عن حياة الإنسان البدوي، كما عاشها في شبه الجزيرة العربية، هذه الحياة التي تشكّل ماضي وتاريخ مواطني الخليج قبل اكتشاف البترول واللؤلؤ في دبي، وسواها من دول وإمارات الخليج العربي.

حيث يعرض المسلسل مقوّمات الحياة الأساسية اليومية والاجتماعية والاقتصادية التي حكمت تلك المنطقة من أواخر القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين، أي على مساحة زمنية تمتدُّ قرابة السبعين عاماً، في خط درامي لا يمكن للمسلسلات البدوية أن تعرف سواه، ألا وهو الصراع العاطفي والانتقام وتعقيدات الحياة بين القبائل المتعايشة على ذات الرقعة الجغرافية، إلى جانب تأثّرها - في هذا العمل تحديداً- بالقوى الجديدة في المنطقة من الأتراك والإنكليز. فهناك الجميلة 'صبحة الحفيانة'- قامت بالدور الممثلة سلافة معمار- التي يتصارع على حُبها كل من عبد المحسن النمر بدور 'مجول' وقصي خولي بدور 'غازي'، وتطوّر حياتهم عبر سبعة عقود تضمُّ ثلاثة أجيال كاملة، ضمنت مشاركة أسماء عدّة من نجوم الدراما السورية من غسان مسعود بدور كبير القبيلة إلى أندريه سكاف ونادرة عمران ووائل نجم وسواهم..

بالنظر إلى كافة هذه العناصر الغنية من الإخراج الذي يقوده أحد أهم مخرجي الدراما إلى الإنتاج الضخم والممثلين المتميزين، وصولاً إلى العناية بمواقع التصوير المبنية خصيصاً للعمل، وليس انتهاء بالسيناريو الملحمي والأشعار التي لا غنى عنها في الحديث عن البيئة البدوية... بالنظر إلى كل هذا لا يمكننا سوى توقع الأفضل، لكنه الأفضل بالنسبة للدراما البدوية تحديدا، التي ابتعدت عنها المسلسلات السورية منذ عقود، لابتعاد الحياة العامة عن ذلك النمط المجتمعي، ولمحدودية الخيارت الدرامية التي يمكن البحث فيها. لكن الأهم من ذلك كله وربما بسبب ذلكً لا نستطيع القول عن 'أبواب الغيم' بأنه عمل سوري، بل إنه دراما خليجية حيث أنّ إنتاجه خليجي وموضوعه كذلك.

مع ذلك نشك في متابعة الجمهور السوري وحتى العرب غير الخليجيين لأعمال بدوية كهذه، بالقياس إلى مسلسل متواضع الإنتاج، سوري بأكمله، وهو المسلسل الكوميدي 'ضيعة ضايعة' من إنتاج شركة 'ساما' السورية وبتوقيع الليث حجو مخرجا، عن سيناريو الكاتب محمود حمادة، الذي يعتبره البعض (فخر الصناعة الوطنية).

وبالطبع نحن لا نقصد المقارنة في طرحنا هذا، وندرك عبثيّة المقارنة بين الدراما البدوية والكوميديا الاجتماعية الساخرة، لكننا قصدنا السؤال حول ماهيّة الدراما التلفزيونية بشكلٍ عام. وماهية صناع هذه الدراما؟ ودور الإنتاج الضخم بكل مُغرياته، وميّزاته في استيلاد الدراما من رحم الصحراء القاحلة؟ لأن الحياة البدوية شئنا أم أبينا تبقى فقيرة بمعطياتها وتكويناتها، ونحن ندرك أيضا أن حاتم علي مخرج ماهر وفنان بارع، قدم صورة متميزة وملحمة غنية بصراعات الإنسان مع شرطه الصحراوي ومع نظيره الذي ينافسه على المياه والكلأ والنساء أيضا. لكنها صراعات أصبحت خارج الزمان والمكان، وخارج حياتنا الأغنى والأجمل، وهذا كله يدفعنا للقول اننا خسرنا حاتم علي باعتباره أهم مخرجي الدراما السورية.

يارا بدر

المصدر: جريدة القدس العربي اللندينة

 

 

«ذاكرة» ضعيفة و«الجسد» مصاب بالبرودة

 

انتهى الفصل الأول من المسلسل «الحدث» لرمضان 2010. «ذاكرة الجسد» رائعة الكاتبة أحلام مستغانمي التي وصلت إلى الطبعة العشرين، فشلت على الشاشة الصغيرة لأسباب ما زالت مبهمة.

مسلسل «ذاكرة الجسد» الذي ظفرت به قناة «أبو ظبي» بملايين الدولارات، لم يحظَ بمشاهدة كبيرة، وخصوصاً أنّ توقيت عرضه تائه بين قناتي «أبو ظبي» و«المؤسسة اللبنانية للإرسال»، فيما جاء خروج العمل بالعربية الفصحى ليبعده عن وجدان المشاهد العربي. صحيح أنّ خالد بن طوبال، بطل رواية مستغانمي، دخل على المشاهدين بطابع مماثل لما كتب في الرواية، لكنّ البرودة في المشاهد التي جاءت أقرب إلى الواقع الفرنسي أواخر سبعينيات القرن الماضي، هي ما أسقط العمل من أذهان المشاهدين. ولن تفلح في إبقائه رؤية خالد بن طوبال (جمال سليمان) وهو يقضي وقته مغازلاً حبيبته (أمل بوشوشة) على الهاتف القديم متنقلاً بين العاصمة الفرنسية والجزائر كواحد من الثوار. ولعل المشكلة تكمن في صعوبة نقل الرواية إلى الشاشة الصغيرة، وخصوصاً في شقّها السردي الطويل.

هل أسهم نجدت أنزور في تغييب جاهدة وهبي عن شارة المسلسل؟

 

هكذا، وقع المخرج نجدت أنزور في إشكالية نقل السرد والكلمات إلى حوار وحركة. وهذا ربما ما أوقع الخلاف بين مستغانمي من جهة، وكاتبة السيناريو ريم حنا. إذ إنّه لم يعد خافياً على أحد أنّ الكاتبة الجزائرية لم تكن راضية أبداً على الشكل الذي خرج به سيناريو العمل. فيما أثنت مستغانمي على عمل أنزور وجمال سليمان ومواطنتها أمل بوشوشة.

وهذا أيضاً أسهم في تفريق العمل بدلاً من جمعه في قالب واحد، وخصوصاً أنّ الحوار المستجد في المسلسل، كان وليد الضرورة الملتزمة بوقت الحلقات وعددها خلال شهر رمضان، وهو أيضاً ما خلق هذا التباعد أو التناقض بين ما نقرأه في الرواية وما نشاهده.

على أي حال، الجزء الأكبر من المسلسل كان من نصيب اللحظات التاريخية التي توثقها مستغانمي من خلال شخصية خالد بن طوبال وعشقه لابنة المناضل الجزائري سي طاهر، وأحداث استقلال الجزائر، والثورة الفلسطينية وما تلتها من حروب عربية، والاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982. ولعلّ الوقت ما زال مبكراً للحكم على المسلسل أو إصدار حكم نهائي، ولو أن الحلقات العشر الأولى تعرّضت للعديد من الانتقادات. ويبدو أنّ الوعد الذي قطعه نجدت أنزور على مستغانمي لن يتحقّق. إذ خلال المؤتمر الصحافي الخاص بالمسلسل منذ فترة، وعد المخرج السوري أحلام مستغانمي بأنّ عدد قراء الرواية سيزداد بعد عرض المسلسل... لكن يبدو أن ذلك لن يحصل.

وهناك أزمة جديدة تلوح في الأفق تتناول غياب صوت جاهدة وهبي عن شارة المسلسل. إذ كان يفترض أنّ تؤدي المطربة اللبنانية التي تعتبر صديقة مقرّبة لأحلام، أغنية «يا ولدي» التي كتبت كلماتها مستغانمي، ولحنها شربل روحانا، كشارة لمسلسل «ذاكرة الجسد»، لكنّ هذا لم يحصل. ويبدو أنّ المطربة اللبنانية عاتبة على الذين وقفوا في وجه غنائها شارة المسلسل غامزةً من قناة نجدت أنزور. وقد نقلت جريدة «الفجر» الجزائرية عنها قولها إنّ «ذاكرة الجسد» فشلت كمسلسل. إذ قالت: «تابعت المسلسل ككل الذين انبهروا بالضجة الإعلامية التي صاحبته، ولكني فوجئت بمستواه الذي لم يكن بالمستوى الذي انتظرناه. لم يعجبني مطلقاً».

ربيع الفران

المصدر: جريدة الأخبار البيروتية