بورصة الدراما السورية 5

واصلت الصحف العربية تقديمها لمقالات نقدية حول المسلسلات السورية التي تعرض حالياً على الشاشات العربية بكثافة، وقد كتب الكاتب السوري الساخر خطيب بدلة مقالاً حول درما رمضان، وسخر من المسلسل الساخر "بقعة ضوء" معتبراً أن آخر شيء يصلح له الفنان صباح عبيد هو لعب أدوار كوميدية.
في حين انتقدت الكاتبة المصرية هالة مدكور مسلسل كليوبترا الذي أظهر الملكة المصرية القديمة بمظهر السذاجة والسطحية.
ورأى الصحفي الأردني محمد جميل خضر في صحيفة الرأي أنه وسط غابة الأعمال الدرامية العربية التي تعرض رمضان هذا العام، يطل «وراء الشمس» كأيقونةِ تَطَهّرٍ وتذكر الإنسان بلحظات ضعفه، وتعلي من شأن النشيد الجمعي الكوني ضد المرض والوهن، وضد معاقبة الأبرياء المبتلين بإعاقة ما.
وبدا مسلسل بعد السقوط للصحفي ماهر منصور في جريدة السفير اللبنانية وكأنه يحاكي أعمالاً عالمية.
نعم للمسلسلات التي تقف مع حقوقنا السيادية كذكور
ولا لوقوف مهابيل الرجال مع حقوق المرأة!
خطيب بدلة
بيان رجالي... في اليوم الرابع من رمضان استطلعت محطةُ 'العربية' من خلال برنامج 'دراما رمضان' الذي يقدمه جميل ضاهر وراوية العلمي آراءَ المشاهدين حول مسلسل باب الحارة، وكان ثمة احتجاج نسائي على العمل باعتبار أنه- كما زعمنَ- ذو نَفَس رجالي، ويقلل من شأن المرأة.
أنا، كاتب هذا البيان، بوصفي رجلاً عربياً (أصيلاً)، وإلى جانبي وورائي مئات الألوف، بل الملايين من الرجال العرب العاربين، الأقحاح، الأفذاذ، المنسوبين إلى الأجداد الأشراف الذين تختلف طينتُهم عن طينة البشر العاديين، نحتجُّ على احتجاج النساء اللواتي احتججن، ونتمنى أن تكون لنا عليهن موانة، فلا نكتفي بالاحتجاج عليهن، بل ونوبخهن، ونقرِّعهن، ونضربهن، ونهجرهنَّ في المضاجع.
لقد طفح بنا الكيل، وتثقبت آذاننا من فرط ما سمعنا من بكاء، وندب، ونواح، وعويل، وتباك على واقع المرأة العربية، وظروف المرأة العربية، ومظلومية المرأة العربية، وحرية المرأة العربية المفقودة، والمنشودة، فلم يبق غير شيء واحد، فقط لا غير، وهو أن ننزل نحن عن كرسي الحكم في أسرنا الصغيرة ونقول للمرأة العربية: شرفي، اطلعي، و(تصنبعي) عليه مكاننا!
لم تكن المرأة العربية تخرج من البيت، صارت تخرج، كانت مغطاة الوجه والرأس وحتى المنخار، و(مستورة)، ومع الزمن بدأت تفتح في وجهها خرقاً صغيراً، وهذا الشق أخذ يتسع ويتسع، مثل خرق الدفرسوار، حتى أصبحت وجوه بعض نسائنا- أللهم أجرنا- تظهر للعيان بكامل استدارتها، مع جزء من رقبتها يصل إلى عظم الترقوة.. لم تكن تتمكيج خارج البيت، صارت تتمكيج، و(تشلَّطت) وصارت تطلع، وتدخل، وتبيع، وتشتري، وتنتخب، وتترشح.. يا سيدي.. وتسوق سيارة!!
ومع تقدم الزمن، ووقوف بعض المهابيل من الرجال إلى جانب قضية النساء الداشرات، المتفلتات، فقدنا نحن الرجال هيبتنا، والرجل الذي كان يصيح في وجه امرأته، أو أخته، أو ابنته، وحتى أمه، صوتاً يجعل المياه تتيبس في زلاعيمها، أو يضربها كفين أصعب من فراق الوالدين.. أصبح مُطَالَباً بأن يحاورها، ويشاورها في شؤون أسرته، ويحترم رأيها.. وإذا (عابت) وذبحها تقوم قيامة المجتمع، ومنظمات حقوق الإنسان، والصحف، والمجلات، والمواقع الإلكترونية، والقضاء، حتى القضاء الذي كان يطبطب على كتف الرجل الذي يذبح أخته ويسجنه بضعة شهور (على عينك يا تاجر!).. أصبح الآن يعتبره مجرماً، قاتلاً، ويطبق عليه قانون الجنايات، وقد يسجنه خمس عشرة سنة.. وكأن الواحد منا لم يذبح أخته ابنة أمه وأبيه، وإنما ذبح أخت القاضي المحترم، شخصياً!
الآن، في السنوات العشر الأخيرة، أخذت تظهر إلى الوجود مجموعة من المسلسلات العربية، منها البدوية الأصيلة، ومنها المدنية المعاصرة، هذه المسلسلات وُجدت أساساً لتُـنصفنا نحن الرجال، وتسعى لأن تعيد إلينا اعتبارنا وبعضاً من حقوقنا المستلبة. إنها مكتوبة بطريقة جذابة جداً، ومُخرَجة على نحو أكثر جاذبية، ومصروف على إنتاجها الملايين من النقود، بالعملات السهلة والصعبة، وفيها أكثر الممثلين وسامة وإتقاناً لأدوارهم، وأكثر الممثلات جمالاً وغنجاً، مسلسلات تعترف بحقنا نحن الرجال بالسيادة على نسائنا، وجَعلهن ملك أيماننا، وتحض على تعدد الزوجات، وتخصص في كل بيت من بيوت شخصيات المسلسل جناحين، أحدهما للسلاملك، والثاني للحرملك، فترى الرجال يتحدثون في 'السلاملك' بالأمور المهمة، ويخططون للأفعال العظيمة، بينما نساء 'الحرملك' منشغلات في الطبخ، والنفخ، والجلي، وتشطيف مؤخرات الأولاد، واللت، والعجن، والكلام الفارغ، و(البوجقة)، والحديث عن الحبل، والولادة، وأنجع السبل التي ينبغي على المرأة اتباعها لإرضاء سيدها، تاج راسها، زوجها.
وبناء على ذلك، وعلى ذلك البناء، قررنا نحن الرجال الموقعين أدناه، أن ندعم هذه المسلسلات، ونطالب بإنتاج المزيد منها، وأن نبدي استعدادنا لأن نبحلق فيها، نحن والذين نمون عليهم، آناءَ الليل، وأطراف النهار، فإذا احمرت أعيننا أو ترمدت لا نكترث لها.
وليعلم الجميع أننا في غنى عن تحرر المرأة، ولا تلزمنا المسلسلات المغرضة التي تطالب بتحريرها، فلئن قال قائل بأن الغرب، بتحريره للمرأة قبل نحو قرن من الزمان، استفاد منها في ميدان العمل والاختراعات، فليعلموا أنهم، أي الغربيين، كانوا- حينئذ- فقراء، طفرانين، عائفين رد السلام، وأما نحن العربان، فلله الحمد أغنياء، والجيب ملان، والأرصدة على قفا من يشيل، وقادرون على شراء أي اختراع غربي واقتنائه قبل أن يشتريه أو يقتنيه رؤساء الدول الغربية أنفسهم!
والله من وراء القصد.
تحريراً في 26 / 8 / 2010
ملايين التواقيع
كوميديا على أصولها
سألني أحد الأصدقاء، وكان قد قرأ ما كتبتُه في 'القدس العربي' عن اللوحات الأولى مسلسل 'بقعة ضوء' الذي يبث على قناة 'الدنيا': هل تابعت بقية لوحات المسلسل؟
قلت: لا والله.
قال: لماذا؟
قلت: تمشياً مع القاعدة الذهبية التي تقول إن من يريد أن يذوق طعم المحشي الذي طبخته زوجته لا يوجد ما يدعوه لأن يزدرد محتويات الطنجرة بكاملها ثم يشرب المرقة.. تكفيه محشيتان أو ثلاث، وفضت يا عرب.
قال: لربما كان المخرج الأستاذ ناجي طعمة قد تعمد وضع اللوحات الضعيفة والمتوسطة في البداية، ثم بدأ يرفع السوية بالتدريج.
قلت: إنني أشك في ذلك، فالمخرجون يتقصدون اختيار أجود اللوحات للحلقات الأولى بقصد جذب المشاهدين إلى المسلسل. ومع ذلك سأحاول أن أشاهد لوحات أخرى.
كان ذلك في اليوم التاسع من رمضان، جلست أتفرج على إحدى اللوحات فدهشتُ، وانصرعتُ في رأسي حينما أيقنتُ بأن المخرج قد أسند البطولة المطلقة في هذه الحلقة للفنان صباح عبيد!
إن أبسط قواعد إنتاج الكوميديا تتعلق بـ (حضور) الممثل على الشاشة.. لذلك فإن معظم المخرجين يسندون دور البطولة لفنان له حضور شخصي آسر، والأكثر أمنا أن يكون مصنفاً ضمن خانة نجوم الكوميديا أمثال (دريد لحام، نهاد قلعي، عمر حجو، ياسر العظمة، سليم صبري، فارس الحلو، أندريه سكاف، باسم ياخور، نضال سيجري، سامية الجزائري، أمل عرفة، فايز قزق، محمد خير جراح..)، وأحياناً تكون للمخرج اجتهادات خاصة فيأتي بأحد النجوم الكبار غير المتخصصين بالكوميديا أمثال (بسام كوسا، جمال سليمان، عباس النوري، كاريس بشار..) ويسند إليه دور البطولة.
وأما الأستاذ صباح عبيد، فهو، للإنصاف، يؤدي أدواره في الأعمال التراجيدية على نحو جيد، ولكنه لا يصلح للكوميديا لأسباب تتعلق بشكله الخارجي، وتقاسيم وجهه، ونبرة صوته، أو ما يسميه المخرجون بالفيزيك. أي أنها أسباب خارجة عن إرادته، وأنا أعتقد أنه لو وجدت أكاديمية تعلم المخرجين كيف يختارون أبطال الكوميديا، لقدمت هذه الأكاديمية شكل الفنان صباح عبيد بوصفه نموذجاً لا يصلح للكوميديا على الإطلاق!
الصائمون والمفطرون
قبل أن يأتي شهر رمضان بحوالي أسبوع أو عشرة أيام تبدأ المحطات الفضائية العربية ببث إعلاناتها عن برامجها ومسلسلاتها التي ستتحف بها المشاهد الصائم على مدار الساعات الأربع والعشرين من الأيام الثلاثين من هذا الشهر المبارك.
وأما أبنية المؤسسات الإعلامية العربية فتتحول، منذ الأيام التي تسبق دخول الشهر، وحتى آخر يوم فيه، إلى ما يشبه خلايا النحل العامرة بالحركة والإنتاج والأزيز.
وأنا، أعوذ بالله من كلمة أنا، وبما أنني أعمل في الحقل الإعلامي منذ ثلاثين سنة، فقد لاحظت لكم ملاحظة لن أقول لكم (إنها ملاحظة مهمة جداً)، وذلك لئلا أصادر حقكم في التفكير، والتحليل، والتدبير، بل أقول لكم إنها ملاحظة تستحق أن تقال.. وهي أن نسبة لا تقل عن تسعين بالمئة من الأشخاص العاملين في الإذاعة والتلفزة الذين يكتبون البرامج والمسلسلات الدرامية الموجهة إلى الصائمين، والذين يُعدُّونها، والذين يُخرجونها، والذين يصورونها بكاميراتهم، والذين يمثلون فيها، وفنيي الصوت، والمونتاج، والمكساج، وعمال الإضاءة، ومهندسي الديكور، وفنيي الإكسسوار، ومصممي الجرافيك، وحتى المراسلين الذين ينقلون الأوامر والمهمات من غرفة إلى غرفة.. هم أناس (مُفطرون)!
فإذا قلت لك- يا عزيزي القارئ- إن مبيعات البوفيه التي تقدم المشروبات الساخنة و(الحاجة الساقعة) والساندويتش لهؤلاء القوم تزداد في رمضان، فلربما تعتقد بأنني أبالغ.. ولكنك إذا فكرت قليلاً ستجد الأمر طبيعياً، لأن هؤلاء (المفطرين) يقدمون (للصائمين) في رمضان أضعاف كميات البرامج التي يقدمونها للمفطرين في الأشهر الأحد عشر الأخرى من السنة الهجرية.
المصدر: القدس العربي- لندن
حول المسلسل التلفزيوني 'كليوباترا': هل كانت ملكة مصر بتلك السذاجة التي ظهرت عليها؟
كانت 'كليوباترا' عاشقة للمظاهر وتُُصِر على الظهور بمظهر الأُبهة والعظمة مثلها في ذلك مثل ملوك الشرق القديم، وهو ما أثار امتعاض الرومان لأنه يتنافى مع الروح الرومانية القائمة على البساطة.. كما كانت مثل الكثيرين غيرها من ملوك الأغريق تقدَس وتُعبَد كالهة مقدسة.. فقد نادى بعض الفلاسفة في العصور السحيقة باعتبار الحاكم إلهاًَ حياً.. وعلى هذا ألفينا 'أرسطو' في كتاب السياسة يقول 'إذا وُجِدَ في دولة شخص يسمو على المواطنين والآخرين في الفضيلة والمقدرات السياسية، فإنه لا يمكن إطلاقا اعتباره فرداَ فى الدولة، لأنه لا يُنصف إذا اعتبِر مساوياً لغيره، في حين أنه يسمو على غيره في الفضيلة والمقدرة السياسية وإن مثل هذا الرجل يجب اعتباره إلهاً بين البشر.' وهذا هو ما برر إنشاء عبادة الملوك في ذاك الوقت.
هذه الحقيقة تتنافى مع الصورة التي ظهرت عليها 'كليوباترا' في حلقات المسلسل التلفزيوني الذي يُبث هذه الأيام على العديد من القنوات التلفزيونية. فقد رأينا الأميرة المؤلهة تتميز بالبساطة التي تصل لدرجة السذاجة بل والبلاهة في بعض الأحيان، فهى تسير في حاشية متواضعة وتذهب للسوق لتبتاع أغراضها مثلها مثل أي أنسان مصري بسيط.. فيُذكر أن مدينة الاسكندرية التي أمر ببنائها الأسكندر الأكبر واكتمل إنشاؤها في عهد خليفته وقائد قوات جيوشه 'بطليموس' الأول، وكان أغلب سكانها من الإغريق والمقدونيين الذين لم يشغلوا كافة المناصب المتميزة فحسب بل مثلوا الدعامة الأساسية لتوطيد حكم البطالمة في مصر، كما كان الملك يختار حراسه من بينهم. وعلى هذا فقد سادهم الشعور بالاستعلاء على المصريين.. ونعرف كذلك أن بعض هؤلاء المصريين عمل على تعلم اللغة الإغريقية بغرض الحصول على بعض الوظائف في الدولة، مما يعني عمل نوع من التقارب بينهم وبين الطبقة المتميزة. وجدير بالذكر أنه كان محظوراَ على سكان المدن الإغريقية الثلاث التي بدأوها بتشييد الاسكندرية، كان محظوراَ عليهم التزاوج من المصريين.. ويُرجح أن حالات الزواج التي تمت بين الإغريق والمصريين ترجع إلى أن أغلب العناصر الوافدة كانت من الجنود، وكان عدد الرجال بينهم أكبر من عدد النساء، كما أن عدد السيدات من الإغريق في مصر لم يكن يكفي للوفاء بحاجة هؤلاء الجنود، ولهذا تزوج بعضهم من سيدات مصريات.
وموضوع تزاوج الإغريق من المصريين لا يعنينا في حد ذاته، ولكنه يُشير إلى صعوبة الأمر آنذاك والموقف الاجتماعي المتدني الذي باء به المصريون في المدن الإغريقية أثناء حكم البطالمة.. وهو ما يجعلنا
نؤكد استحالة وقوع الأميرة في غرام ذلك اللص المدعو 'كاري' بثيابه الرثة وشعره الأكث، فهو لا ينتمي إلى طبقة الإغريق المتميزة، ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن تُخالط الأميرة المؤلهة، التي تم تقديسها وعبادتها كإلهة بعد ذلك بفترة قصيرة، لا يمكن لتلك الأميرة أن تُخالط العامة والسوقة.. و تبلُغ شطحات كاتب السيناريو والحوار قمر الزمان علوش إلى الحد الذي يجعل فيه تلك الأميرة تذهب للسؤال عن حبيبها الغائب 'كاري' حيث يقطُن عند أحد المتسولين 'هرجو'، بل انها تفترش الأرض وتشاركه طعامه، وينتهي بها الأمر بأن ينعتها ذلك المتسول بالبلهاء. ومن الواضح أن فنان المسلسل ومخرجه لا يرضى عن هذا الوضع المهين الذي آلت إليه الأميرة، عندما رأينا الكاميرا تلتقط المنظر لها مع المتسول من منسوب رأسي مرتفع، بالإضافة إلى إظهارها للمكان من أعلى لنُحيط به علماً، لكنها تظهر الشخصيات مضغوطين بالقرب من الأرض، مما يبعث فينا الشعور بالسمو عما يحدث أمامنا، كما أنها مهدت لنا بمشاهد حب ساذجة بلهاء تجمع بين 'كليوباترا' وحبيبها اللص صاحب المبادئ 'كاري'.
أما والد 'كليوباترا' الملك 'بطليموس' الثاني عشر الذي اشتُهر بالزمار، فقد تم تقديسه وعُبد هو الآخر مع زوجته 'كليوباترا' السادسة، والدة 'كليوباترا' السابعة موضوع مسلسلنا التلفزيوني، عُبدا باسم الإلهين 'فيلوباتور'، أي الإلهين المحبين لأبيهما. وقد تولى هذا الملك حُكم مصر عام 80 قبل الميلاد، ولكنه كان ملكاً ضعيف الشخصية، لم يستطع الوقوف بوجة روما عندما رفضت الاعتراف به ملكاً شرعياً للبلاد. فعمل على الحصول على اعترافهم بأى ثمن، ودفع ثروة كبيرة لتوقيع معاهدة صداقة معهم، أقرت المعاهدة به ملكاً على مصر، لكنها لم تُُشِر إلى قبرص، ولهذا قامت روما بانتزاع هذه الجزيرة من مصر من دون ان تُعيره التفاتاَ، الأمر الذى أدى إلى ثورة الشعب الاسكندري عليه وطرده من الاسكندرية، ثم أقاموا ابنته 'برينيس' على العرش، وأصبحت مقدسة وأُطلِقَ عليها الربة 'الظاهرة'. كما أرسل الاسكندريون خلفه وفداً ليُعرب عن رغبتهم في عدم عودته لمصر مرة أخرى. ولما كانت هناك بعض الخلافات، بالإضافة إلى نزول صاعقة على تمثال الإله 'جوبيتر' وهو نذير شؤم بالنسبة للرومان، شعر'بطليموس' بتباطؤهم في إعادته إلى عرشه، فلجأ إلى حاكم سورية الروماني 'جابينيوس' لمساعدته.
عاد الزمار إلى مصر واستعاد عرشه من ابنته بعد أن أعدمها، ثم راح يُشرِك معه أبناءه في الحكم، وتم تقديس هؤلاء الأبناء جميعاً، وهم 'كليوباترا' السابعة و'بطليموس' الثالث عشر و'بطليموس' الرابع عشر، وعُبِدوا من قِبَل شعبهم باسم الآلهة 'نيوى فيلادلفوي'. وهنا يجدر بنا ان نذكرأن المُشاهد لم يشعُر بذلك التقديس نحو الممثلين، فلم يحرص المخرج على إضفاء الهيبة عليهم والعمل على إظهارهم بمظهر القديسين المقدسين،
اللهم إلا فرح بسيسو التي قامت بدور 'برينيس' والتي بدت قوية الشخصية وأجادت في أداء دورها إلى حد كبير. لكن 'بطليموس' (يوسف شعبان) فقد بدا وكأنه (شيخ العرب) في طريقة نطقه للكلمات وأدائه للعبارات وحشرجة صوته الجهوري، فلم أشعر بأنني أمام ملك إغريقي ينحدر من سلالة ملكية عريقة ولا ملك مقدس يُعبد من قِبَل شعبه.
وفي عام 51 قبل الميلاد توفي الزمار بعد أن أوصى بأن تخلفه على العرش ابنته 'كليوباترا' على أن تتزوج من أخيها الصغير 'بطليموس' الثالث عشر، (وكان زواج الأخوة أمراً شائعاً آنذاك للحصول على شرعية الحكم، ولضمان عدم ثورة الشعب الاسكندري على أبنائه وطردهم كما فعلوا من قبل معه) أوصى بأن تتولى روما الوصاية عليهما وتقوم بتنفيذ الوصية التي تركها من بعده. ولما كانت 'كليوباترا' قوية الشخصية فقد عملت على الانفراد بالسلطة، فقام الأوصياء بتحريض الملك الصغير عليها وساعدوه على إعداد جيش لضرب قوات أخته التي كانت قد اضطرت للفرار للحدود الشرقية.
وقد حدث ان حضر 'قيصر' روما إلى الاسكندرية بهدف المصالحة بين الأخوين تنفيذاً لوصية أبيهما، إلا أن أهالي الاسكندرية ظنوا أنه حضر من أجل مطالبة 'بطليموس' الثالث عشر بديون أبيه، وخشوا من قيام 'بطليموس' الابن بفرض الضرائب على الشعب للوفاء بدين الوالد. أما 'كليوباترا' فقد حضرت سراً للاسكندرية ملفوفة في سجادة خوفاً من البطش بها. ثم عملت على إقناع 'قيصر' بعدالة موقفها، ومن وقتها توطدت العلاقة بينهما.. وانتهت الحرب التي اشتعلت بعدها بين قوات 'قيصر' ضد قوات 'بطليموس' الثالث عشر ومعه الشعب الاسكندري بهزيمة ذلك الأخير وموته غرقاً. فأقام 'قيصر' على عرش مصر 'كليوباترا' ومعها 'بطليموس' الرابع عشر، وعندما اضطر للعودة إلى روما، ترك ثلاث فرق عسكرية في خدمتها ولحفظ الأمن في مصر. وقد لحقت به في العام التالي مصطحبه معها أخاها الصغير وكذلك طفلها الذي أعلنت أنه ابن 'قيصر' والذي أطلق عليه الاسكندريون 'قيصرون'.
ثم دبت الصراعات والنزاعات في روما، وتم تدبير مؤامرة ضد 'قيصر' انتهت باغتياله، واضطرت 'كليوباترا' للفرار والعودة إلى مصر ليقتل أخوها مسموماً فتُشرك معها ابنها في الحكم. وبموت 'قيصر' يتم تقسيم العالم الروماني بين 'أوكتافيوس' و'أنطونيو'، فتوجه هذا الأخير للشرق لتنظيم الأحوال هناك. ويُذكر أن 'كليوباترا' لم تمد يد المساعدة لأنصار 'قيصر' بل اكتفت بإرسال الفرق الرومانية التي كان قد تركها في الاسكندرية. وعرفنا أن 'أنطونيو' عندما وصل إلى مصر طلب مقابلة حُكامها، فذهبت 'كليوباترا' للقائه في موكب مهيب وحشد فخيم تحدثت عنه المصادر القديمة، كما تحدثت عن الثراء والأبهة التي أحاطت نفسها بها.
هذا ولم نلحظ أية إشارة للفخامة والعظمة في مسلسلنا التلفزيوني، بل على العكس، فعلى سبيل المثال، في الحلقة الرابعة وعند رحيل الملك الزمار ومعه ابنته إلى روما للحصول على شرعية حكمه، رأيناهما يسيران في موكب متواضع وحاشية أصابها البؤس، لتجلس 'كليوباترا' على متن مركب خشبي بسيط، وهو ما لا يليق بمكانتهما التي يُفترض أنها سامية. ومن ناحية أخرى، وجدنا فنان المسلسل يحرص على ملء الصورة والمناظر بما لا يخدم العمل الفني، بل أنه يعمل على تشتيت ذهن المشاهد، سواء بحشد الكثير من الأفراد (الكومبارس) أو بوضع قطع الديكور (كالتماثيل) في خلفية المشهد. فمثلاً غالباً ما يظهر الزمار ومن خلفه بعض الفتيات، وبالطبع يجد المشاهد نفسه يتأملهن غير مكترث بحديث الملك، وأحياناً أخرى نراه على عرشه وعلى جانبيه التماثيل، وللعلم فالتماثيل ذات اللون الأسود التي يعلوها رداء وغطاء للرأس باللون الذهبي هي للملك 'توت عنخ أمون' وتنتمي للعصر المصري القديم ، ولا محل لها هنا على الإطلاق. ومثال آخر، في الحلقة الثامنة، وفي المشهد الذي يلي المؤامرة التي حيكت لقتل 'كليوباترا' والقبض على منفذ العملية، رأينا الملك الزمار جالساً على عرشه وأمامه تمثالان للإلة المصري القديم 'أوزوريس'، وقد عرفنا ان البطالمة قد قدسوا هذا الإله ولكنهم اختاروا له صورة أخرى وشكلا آخر وأطلقوا عليه 'سيرابيس'.. وقبل ذلك وفي الحلقة السادسة، ظهرت 'برينيس' وهي تتعبد في المعبد للإلهة 'أوزوريس' على حين نرى أمامنا الإلهة 'أنوبيس' إلهة التحنيط عند المصريين القدماء.. فتشير المصادر إلى أن الملوك في تلك العصور التاريخية القديمة لم يلجأوا إلى تزيين قصورهم بالتماثيل، فهذه كانت توضع إما في المعبد بغرض العبادة والتقديس أو في المقبرة لتكون بديلة عن جسد المتوفى في العالم الآخر، في حالة فساد موميائه.
ونعود لأنطونيو الذي بعد قدومه إلى مصر، هام عشقاً بكليوباترا ليُعلِن زواجه بها، ويعترف بثمرة علاقتهما التوأمين، كابنين شرعيين، ليبدأ بعدها في فقدان حب الرومان له، وذلك بعد أن قام بتقسيم ولايات الشرق بين 'كليوباترا' وأبنائها، ثم يبوء بسخطهم، أعني الرومان، عندما يعلمون برغبته في ان يُدفن في الاسكندرية بعد وفاته. فنجد 'أوكتافيوس' يقرر محاربة 'أنطونيو' معلناً أنه لا يحارب شخص ذلك الأخير وإنما يحارب ملكة أجنبية هي 'كليوباترا.
وتحل الهزيمة الثقيلة بقوات 'أنطونيو' و'كليوباترا' التي تقرر الانسحاب من المعركة ويتبعها الأول ليتركا الطريق مفتوحاً أمام 'أوكتافيوس' لدخول عاصمة البلاد الاسكندرية. وييأس 'أنطونيو' وتبلُغه إشاعة كاذبة عن انتحار 'كليوباترا'، فيقرر اللحاق بها ويطعن نفسه. أما ' كليوباترا' فقد عملت على التفاوض مع 'أوكتافيوس' على أن تتنازل عن العرش لأبنائها، إلا أنه يرفض بعد أن حقق انتصاراته القوية بغزو مصر ودخول الإسكندرية بمساعدة الجالية اليهودية (تلك التي كانت تأتي في المرتبة الثانية من حيث العدد بعد الإغريق، وبصفة عامة، لا تُشير المصادر إلى معاناة اليهود في عهد ملوك البطالمة). وقد اعتُبر يوم دخول 'أوكتافيوس' الاسكندرية في الأول من أغسطس عام 30 قبل الميلاد عيداً وطنياً في روما، كما مُنِح ذلك الإمبراطور لقب أغسطس الذي يعني 'الجليل' أو العظيم بعد ذلك بسنوات قليلة، وأُُطلِقَ لقبه هذا على الشهر ليحمل نفس الاسم. ويجدر بنا أن نذكر أن 'أوكتافيوس' كان يحرص على القبض على 'كليوباترا' حية للاستيلاء على كنوزها ليُزين بها موكب انتصاراته لدى عودته إلى روما، إلا أنها وبعد فشل مفاوضاتها معه، كانت قد قررت الانتحار خشية وقوعها في الأسر. بعدها تم قتل ابنها من 'قيصر'، أما طفليها من'أنطونيو' فقد تمت رعايتهما من قِبَل أخت الإمبراطور لتتزوج ابنتها وكانت تسمى أيضاً 'كليوباترا' من ملك موريتانيا.
ومن هنا فقد لمسنا قوة شخصية 'كليوباترا' وذكاءها وسعة الحيلة لديها، هذا بالإضافة إلى قوة تأثير سحرها وجمالها، وهو ما عملت على توظيفه واستغلاله بشتى النواحي لتنال ما تصبو إليه.. أما الحلقات الدرامية، فقد حرُصت على إظهارها بمظهر المرأة البسيطة البريئة التي أجبرتها ظروفها على اقتراف الرذيلة، من دون أدنى رغبة منها في ذلك، وهو ما رأيناه عندما عرضت عليها أخت 'كينيوس' ابن القائد 'بومباي' أن تلهو مع الأول في مغامرة عاطفية.. وهنا أود ان أُشير إلى المشاهد الخارجية التي جمعتها بكينيوس التي تم تصويرها في سورية، قد نقلتنا تلك المشاهد إلى أجواء الحياة في تلك العصور، وبالمناسبة، فهي قريبة الشبه بمنطقة حصن بابليون وبالأسوار الخارجية للكنيسة المعلقة بمصر القديمة، وذلك لانتمائهم لنفس الحقبة التاريخية الرومانية. ونعود إلى الصورة التي ظهرت بها 'كليوباترا' والحب الذي ترفضه، ونستشعر ان رفضها راجع لعشقها للص 'كاري'، ذلك الدور الذي أُقحِمَ على العمل الفني، فأغلب مشاهد مع ذلك اللص فتحي عبدالوهاب يُمكن الاستغناء عنها، مثل مشاهده في السجن وتعيينه سيداً على السجناء، التي صِيغَت بغرض التطويل ليس إلا.. لكن هذا لا يقلل من موهبة ذلك الفنان وقوة حضوره، ونؤكد ان انتظارنا لرؤيته للاستمتاع بأدائه التمثيلي هو ما زاد من إحباطنا عند رؤيته في هذا الدور. وكذلك الحال بالنسبة لسولاف فواخرجي فهي ممثلة متمكنة وفنانة متميزة، بغض النظر عن الصورة غير الدقيقة التي تبناها العمل الدرامي والتي أرادت ان تجد مبرراً لشهرة 'كليوباترا' التي تحظى بها منذ قديم الزمان، والتي يُرجح أنها ترجع إلى تقربها للشعب المصري عن طريق الدين.. فقد قدست ذات الآلهة المصرية القديمة التي قدسوها، كما أنها أمرت بأن يتم تحنيط جسدها بعد موتها على غرار الملوك المصريين القدماء ليُكتب لها الخلود، وهو ما حدث بالفعل.
هالة مدكور
المصدر: القدس العربي - لندن
"وراء الشمس" .. مسلسل يعاين قضايا الحالات الخاصة
لم يحدث (تقريباً) أن حظيت مسألة الإعاقة العقلية والمشكلات الوراثية باهتمام درامي واضح لا لبس فيه، كما يحدث رمضان هذا العام مع المسلسل السوري «وراء الشمس» إخراج سمير حسين عن سيناريو وحوار للكاتب محمد العاص.
وفي المسلسل الذي تواصل عديد الفضائيات والتلفزيونات العربية ومن بينها التلفزيون الأردني، عرضه حتى نهاية الشهر الفضيل، ثمة قضايا بغاية الحساسية والعمق مطروحة بشفافية عالية على طاولة النقاش المستفيض والموضوعي الأمين.
وفي مقدمة تلك الموضوعات مشروعية أن تجهض المرأة الحامل في حال حصول الوالدين على تأكيدات طبية مخبرية أن الجنين في بطنها فاقد للسوية الجينية وأن ثمة أخطاء ومشكلات كروموسومية لديه ما يعني (وبشكل حتمي) أنه لن يكون طفلا طبيعياً وأنه سيعاني بالتالي وعلى الأرجح من متلازمة داون (تعريف الأطفال المنغوليين).
ويفرد العمل التلفزيوني، من بطولة النجم السوري بسام كوسا والفنانة الأردنية صبا مبارك والفنان السوري باسل الخياط وعدد من نجوم الدراما السورية المميزين، حول هذا الموضوع باباً واسعاً للنقاش على الصعد كافة: الدينية والاجتماعية والطبية والنفسية والاقتصادية.
قضية إخرى يطرحها «وراء الشمس» الألِقُ بوجدانيته وحساسيته الفنية الإنسانية العالية، هي قضية كيفية تعامل الناس والمحيط مع المصابين بمرضى التوحد ومتلازمة داون على وجه الخصوص، وصولا إلى تعاملهم بالتالي مع الأشخاص الذي يعانون من إعاقات مختلفة عقلية وحركية على وجه العموم.
وعلى صعيد رأي الدين في مسألة الإجهاض وشروطه ومتى يجوز ومتى لا يجوز، فإن مجلس الإفتاء الأردني، وبحسب الناطق الإعلامي لدائرة الإفتاء العام الأردنية د. محمد خلايلة وضع محددات لإسقاط المرأة الحامل حملها، ويورد خلايلة في اتصال للرأي معه نص الحكم الشرعي الصادر عن مجلس الإفتاء الأردني «إذا وجد أن الجنين مشوهاً تشويهاً يجعل حياته غير مستقرة يجوز إسقاطه إن لم يكن الحمل قد بلغ شهره الرابع. أما إذا بلغ الجنين أربعة أشهر أو جاوزها فلا يجوز إسقاطه بأي حال من الأحوال إلا إذا أثّر على حياة الأم بشهادة الأطباء الثقاة».
وطبياً يعرّف اختصاصي النسائية والتوليد في مستشفى الملك المؤسس عبد الله الجامعي أ.د. زهير عمارين فحص السائل الأمنيوسي بأنه أخذ عينة من السائل المحيط بالجنين لإجراء الفحوصات عليه. عمارين يبيّن أن هذا الفحص يحدد إذا كان الجنين مصاباً بمشكلات في الكرموسومات (عددها غير صحيح)، وأنه فيما يتعلق بهذه المعلومة تحديداً فإن دقة الفحص تصل إلى مائة بالمائة (100%). ويفيد عمارين أن هذا الفحص يجرى عادة حوالي الأسبوع السادس عشر من عمر الجنين.
على صعيد البناء الدرامي لـ «وراء الشمس» يُظهر العمل تماسكاً درامياً معقولا، يحمله أداء راق لفريق يبدو أنه أحب فكرة العمل وآمن برسالته الإنسانية العظيمة، وشد من أزره التواضع من أجل وصول المعنى وبلوغ الغاية، وهو تواضع جعل بسام كوسا أحد أهم وجوه صف الدراما الأول سورياً وعربياً، يقبل بحب وإتقان غير مسبوق أن يؤدي دوراً في مسلسل لا ينطق فيه على مداره أكثر من بضع كلمات معدودة: «عارف عارف»، «بدرية حبّابة»، «إمّي»، مستعيضاً عن الكلام والحوارات العقيمة بالأداء الأخاذ والتقمص الواعي المدروس.
وهو ما يمكن إسقاطه على كثير من ممثلي العمل: القديرة منى واصف الأم الرؤوفة الفقيرة المعدمة ولكن في الوقت نفسه القادرة على إحاطة ابنها بدر (بسام كوسا) المصاب بواحد من أطياف التوحد بالحب والحدب كله.
الأردنية صبا مبارك الماضية قدماً نحو نجومية عربية ناضجة، والمنتقلة سورياً من رائعة هيثم حقي «الشمس تشرق من جديد» إلى رائعة سمير حسين «وراء الشمس»، وهي في العمل الجديد منى التي تفجع بأن أول مولود لها سيأتي منغولياً. باسل الخياط زوج منى العاقد العزم على التخلص من الجنين بأي طريقة حتى وإن كانت غير مشروعة.
ولا يمكن الحديث عن الأداء في «وراء الشمس» دون الإشارة الموضوعية العادلة للفنانة نادين خوري والفنانيْن رضوان العقيلي وسليم صبري وأداء الفنانة ثناء دبسي وغيرهم، ودون الإشادة الكبيرة بقدرة المخرج سمير حسين على توظيف واحد من المصابين (فعلا) بمتلازمة داون الشاب علاء الدين الزيبق الذي أدى دورا استثنائياً بطيبته وحساسيته، وهي طيبة وحساسية خدمت عملا شكّلت الطيبة والحساسية روافع مهمة فيه.
وسط غابة الأعمال الدرامية العربية التي تعرض رمضان هذا العام، يطل «وراء الشمس» كأيقونةِ تَطَهّرٍ وتذكر الإنسان بلحظات ضعفه، وتعلي من شأن النشيد الجمعي الكوني ضد المرض والوهن، وضد معاقبة الأبرياء المبتلين بإعاقة ما. إنه قصيدة حب وحدب توشوش دهاليز العتمة وتبحث في أعماقها عن بقعة ضوء ممكن.
محمد جميل خضر
المصدر: الرأي الأردنية
تناول انهيار مبنى على سكانه من منظور مختلف
" بعد السقوط " : الفنيون ينافسون الفنانين على البطولة
يبدو مسلسل «بعد السقوط» للمخرج سامر برقاوي وللكاتب غسان زكريا، وكأنه يستكمل ما عرض العام الماضي من مسلسلات تناولت مجتمعات مناطق السكن العشوائية. فيبدأ حكايته من المشهد الأخير: انهيار بناء متهالك في أحد أحياء السكن العشوائي، ليعود بتقنية «الفلاش باك» لتتبع حكاية سكانه، واستعراض تفاصيل حياتهم قبل انهياره، والأقدار التي ساقتهم للعيش فيه.
ورغم أن بعض هذه التفاصيل كانت تطرّقت اليها أعمال سابقة، إلا أن لهذا المسلسل رسالة واضحة، خصوصاً من خلال أولئك العالقين تحت ركام المبنى المنهار. مفادها أن إرادة الحياة تواجه الموت، وتشكل مبرراً لاستمرارهم في العيش رغم الحالة الصعبة التي يعيشها سكان هذه المناطق. كما ان انهيار المبنى يفضي الى ما يشبه الكوميديا السوداء، حين نكتشف انه شكل لبعض سكانه مخرجاً من كثير من مشكلاتهم المعقدة.
يروي «بعد السقوط» حكايته على ثلاثة مستويات: فوق أنقاض البناء المنهار، حيث تتم عمليات الإنقاذ. وتحت الأنقاض حيث يحاول من بقي على قيد الحياة النجاة (وأحداث هذين المستويين تجري خلال أربع وعشرين ساعة)، والمستوى الثالث يتناول حياة سكان البناء قبل انهياره.
في المستويين الأوليين، يبدو استحقاق المسلسل، في الجديد – المختلف الذي حمله. حيث تتراجع بطولة الممثل لمصلحة بطولة فنيي العمل، سيما تحت الأنقاض حيث تبدو الدراما أقرب إلى إذاعية، بسبب ظلمة المشاهد. فيبرز الديكور، الذي أنجزه طه الزعبي، متجاوزاً مشهد الأنقاض نحو إعادة تركيب أجزاء داخلية تحته، ومواءمة الداخل مع الخارج في المبنى المنهار.
وثمة «بطولة» لعبتها عمليات الإضاءة والتصوير، في إطار مساحة محددة، وفي أجواء شبه مظلمة في المشاهد تحت الأنقاض. وجاءت بمجملها موفقة. والأبرز في عمل الفنيين كان مشهد انهيار المبنى الذي لا تتجاوز مدته الخمس عشرة ثانية. وقد ضمّ مشاهد تصويرية عولجت بطريقة «الغرافيك» عمل عليها فريق عمل، أكثر من شهرين، بحسب مخرج العمل سامر برقاوي.
في المستوى الثالث حيث نتعرّف على سكان المبنى قبل انهياره، ينقسم المسلسل الى فصول، يتناوب على بطولتها سكان البناء المنهار، ويتعاقب على كتابتها مجموعة من الكتاب، حيث يعلن المسلسل عن اسم كاتب كل فصل من الفصول. هنا يعود العمل ليتقاطع مع مسلسلات أخرى تعدّدت حكاياتها. ولكنه يختلف من خلال ورشة الكتابة التي ضمت كلاً من الكتاب عروة المقداد، وبلال شحادات، والدكتورة مية الرحبي، وشادي دويعر، وطلال مارديني، وعدنان الزراعي، بإشراف مؤلف العمل السيناريست غسان زكريا.
ولكن هذا لا يعني أنه ليس هناك حلقات ناقصة. خصوصاً أثناء عمليات الإنقاذ. فهنا على سبيل المثال يتطوع مازن وحده، وهو أحد سكان الحي (الفنان شادي مقرش) في عمليات إنقاذ الضحايا. بل أنه يبدي قدرة ومرونة أكثر من المسعفين في عمليات الإنقاذ!
وفي كل الأحوال، يحسب للعمل اختلافه وفرادة تجربته، ما يدعونا لتجاوز هفواته. ويحسب للفنيين فيه، ومعظمهم من الشباب، قدرتهم على تطويع التكنولوجيا والتقينات للخروج بالصورة التي ظهر فيها «بعد السقوط». بإدارة سامر برقاوي للعملية الفنية، وغسان زكريا لورشة الكتابة.
وفيما نظر البعض الى العمل باعتباره يحاكي تجارب درامية عالمية، كالفيلم السينمائي «راقصة في الظلام» والمسلسل الأميركي «24»، الا أن «بعد السقوط» يحمل خصوصيته السورية. وهذه نقطة تحسب ايضاً لصناع العمل، الذي يشارك فيه الفنانون عبد المنعم عمايري، وأمل عرفة، وباسم ياخور، وصفاء سلطان، ووائل شرف، وأندريه سكاف.
ماهر منصور
المصدر: السفير اللبنانية