بورصة الدراما السورية 6

الممثل مصطفى الخاني

على الرغم من حدة النقد التي يوجهها النقاد والصحفيون السوريون لمسلسلات هذا الموسم من رمضان، تبدو الأعمال السورية قد حافظت على موقعها لدى الجمهور العربي، الذي حرص على متابعة المثير من هذه العمال بحرص وشغف كبيرين، حتى أن الجدل المثار حول المسلسلات السورية يكاد لا يتجاوز المنابر الصحفية، غذ كثيرا ما نقرا في التعليقات التي يبديها الجمهور على هذه المقالات استياءاً من حدة النقد التي تبدو في بعض الاحيان غير مبررة.

  

 

 

 

مصطفى الخاني: إنتهازي على الشاشة معتدل في الحياة

 

 

هذا الموسم، لم يكتفِ الممثل السوري الشاب بالظهور في «باب الحارة 5»، بل أطلّ أيضاً بدور إشكالي في «ما ملكت أيمانكم» لنجدت أنزور. وها هو يستعد لتصوير مسلسل لبناني ــ سوري، والعودة إلى خشبة المسرح

من أين يبدأ الحوار مع نمس «باب الحارة»، وتوفيق «ما ملكت أيمانكم»؟ مصطفى الخاني صار نجماً بمواصفات خاصة، بفضل العمل الشامي الأكثر شعبيةً، الذي صنع شهرته. ورغم وجوده على الساحة منذ سنوات، ومشاركته في أعمال عدة بينها «الملاك الثائر»، و«الزير سالم»، و «الفوارس»، و«الناصر صلاح الدين»، و«سقف العالم»، يبقى لـ«باب الحارة» مذاق مختلف. غير أنّ النجم الشاب، لا ينام على حرير، فهو ما زال في بحث دائم عن التحدي.
من هنا، رحّب ببطولة مسلسل «ما ملكت أيمانكم» الذي أثار جدلاً واسعاً وأقام الدنيا على مخرجه نجدت أنزور، بسبب موضوعه الجريء وشخصيّاته الجدليّة، وعلى رأسها توفيق. وهذه الشخصية يجسّدها الخاني فيظهر كشابّ متديّن يفصّل جلباب الدين على قياسه، ويدّعي الإيمان لتحقيق مآربه وطموحاته.
وقبل انتهاء رمضان، دخل الخاني مرحلة التفاوض النهائي مع شركتي «إيغيل فيلم»، و«مروى غروب»، لبطولة عمل يجمعه مع ممثلين من لبنان وسوريا، سيجد طريقه إلى الشاشة في الموسم الرمضاني المقبل، كما يدرس عودة مرتقبة إلى خشبة المسرح.
هكذا، صار الخاني محط أنظار المخرجين والمنتجين في الوطن العربي. لا ينكر الممثل الشاب فضل «باب الحارة» عليه، لكنه يرى أن «نجاحه فاق التوقّع، وخصوصاً أنني عملت سابقاً تحت إدارة كبار المخرجين، وأدّيت شخصيات لا تقل جودة في أدائها، لكن «باب الحارة» وشخصيّة النمس مثّلا علامة فارقة». لكنه يعود ليعزو هذا النجاح إلى عوامل عدّة، منها أن البيئة الشامية محبّبة إلى الجمهور، إلى جانب عوامل أخرى..
وفي عز نجاح الجزء الخامس من المسلسل، يقول: «حين تسلّمت الدور، لم يكن يحتوي على هذا النفَس الكوميدي، بل كان عبارة عن شخصيّة شريرة، ثم توصّلنا إلى خلطة تجمع الطرافة والغموض والتناقضات في الكاراكتير... إضافةً إلى الأغاني والعبارات التي يردّدها، وأسلوبه في التحية والنطق».
ولأوّل مرّة، لا يكتفي الخاني بلفت الأنظار إليه بدور واحد، فشخصيّة توفيق في «ما ملكت أيمانكم» لافتة أيضاً. ويشرح الخاني أن «ما قاله بعض الإسلاميين عن إساءة العمل إلى الدين، والمطالبة بإيقافه مُستغرب، وخصوصاً أننا لا نقبل الإساءة إلى أيّ من الأديان». ويشير إلى أن العمل قدّم نماذج عدة من رجال الدين، بعضهم من المعتدلين، إضافةً إلى شخصيّة توفيق المتطرفة، التي تختبئ خلف عباءة الدين للوصول إلى مآرب سياسية واجتماعية معينة، «وهي شريحة موجودة في مجتمعنا، من خلال تنظيمات كـ«القاعدة» و«جند الشام»». ما زال الخاني يؤمن بأنّ العمل الذي يعتمد على القرآن والسنّة النبوية، هو مكان للحوار مع هذه الفئة من المتطرفين «لأن العنف يجب أن يكون الوسيلة الأخيرة للتعامل معهم»، مضيفاً إنّ العمل يدين الإرهاب، ويعترض على «الانحلال الأخلاقي. كما يصوّر علاقة شابين مثليي الجنس».
أما في «الملاك الثائر ـــــ جبران خليل جبران» (كتابة نهاد سيريف وإخراج محمد فردوس الأتاسي) فجسد الخاني شخصيّة فريد هولند داي، ليعطي انطباعاً بأن الفنان الأميركي الشهير كان مثلياً. يسارع الخاني نفسه إلى النفي كمن يردّ عنه تهمةً، قائلاً: «هناك غموض في شأن ميوله الجنسيّة، لكنني قدمته كشاب طريف وناعم». وعمّا إذا كان يقبل أن يؤدّي شخصية مثلية يقول بصراحة: «أفضّل ألا أؤدّي هذه الأدوار»!

من جهة أخرى، يرفض الخاني إعطاء معلومات عن العمل الجديد الذي ينوي المشاركة فيه. إلا أن «الأخبار» علمت أن العمل يحمل عنوان «رودريغ وجنى» كتبه محمد السعودي ويخرجه هشام شربتجي، وهو إنتاج مشترك بين شركتي «إيغيل فيلم»، و«مروى غروب»، وبطولة ماغي أبو غصن، ووسام صبّاغ، ومارسيل مارينا، وداليدا خليل، وشكران مرتجى وسواهم. ويفترض أن يوقَّع العقد قريباً جداً، لأن التصوير سيبدأ قبل نهاية العام الجاري، وهو مرشّح للعرض في رمضان المقبل.
هكذا تمكّن الخاني من تحقيق بصمة في الدراما، لكنه يرى أنّ «الموهبة وحدها لا تكفي، فاجتهاد كل ممثل وعمله على ذاته مهمان جداً لاستمراره». ويضيف: «أنا مهووس بشخصياتي وبالمهنة وأعشقها حتى الجنون، وهي تشغلني في كل لحظة وأبحث في مفرداتها دوماً، لذا أحصد نتائج جيدة». وقياساً على اجتهاده، يعتقد الخاني بضرورة «الاستعانة بالمبدعين فقط، والاستغناء عن الأقل إبداعاً»، مثنياً على أداء ممثلين لبنانيين معجب بأدائهم أمثال رفيق علي أحمد، وبيار داغر، وجهاد الأندري، وكارمن لبّس.
من جهة أخرى، يدرس الخاني عرضاً من «الجامعة اللبنانية الأميركية ــ LAU» في بيروت للمساهمة في ورش عمل ومحاضرات في الجامعة، بعدما درس في كليّة الفنون في دمشق عام 2006. كما ينوي العودة إلى المسرح، بعد غياب، منذ تقديمه مسرحيّة «دون كيشوت».

باسم الحكيم

المصدر: جريدة الأخبار - بيروت 

 

 

أسعد الوراق يخلع مجده القديم! 

 

 

حتى الآن، وقد اقترب العمل من منتصفه، لا يبدو أن مسلسل (أسعد الوراق) بنسخته الجديدة التي وقعها هوزان عكو كاتباً ورشا شربتجي مخرجة، قد استطاع أن يدخل معادلة البقاء في الذاكرة، التي حسمتها النسخة القديمة من هذا المسلسل الخالد، الذي تربع على عرش كلاسيكيات الدراما السورية بجدارة، وظل حاضرا في وجدان السوريين حتى بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود ونصف على إنتاجه. 
فأسعد الوراق الجديد، التائه في حارة دمشقية مصنوعة بأناقة ديكورية لم تخف لمسات صانعها النافرة، لم يستطع أن يمتلك ذلك الحضور الفني والدرامي المتكامل الذي حظي به العمل القديم، بدءاً من حميمية الأجواء المكانية وليس انتهاء بشارة العمل، التي لخصت ببراعة فنية ملهمة، كيفية تحول هذا الإنسان البسيط الساذج إلى ولي من أولياء الله الصالحين في نظر الناس البسطاء، عبر سلسلة من التحولات القدرية التي كانت تعصف بمسار حياته، وتتقاذفه صعوداً وهبوطاً لتجعل منه أمثولة في الإنسان البسيط النقي الذي يشغل حياة المجتمع ويفجر تناقضاته الموروثة.. في حين جاء العمل الجديد ليحول هذه الكثافة الدرامية في بلورة الشخصية وصناعة معادلاتها الدرامية والفكرية، إلى جزء من بانوراما اجتماعية مفبركة، لا يبدو أسعد الوراق، سوى خط من خطوطها الممدودة باسترسال باهت، وشخصية من شخصيات كثيرة تتصارع على رقعتها الدرامية، وكل واحدة منها توحي بين الحين والآخر بأنها صاحبة البطولة الدرامية وحاملة قيم هذا الصراع!

 



مقارنة تطرح نفسها

السؤال الذي يطرح نفسه إزاء قراءتنا الأولية للعمل: هل ثمة ضرورة لمقارنة العمل الجديد بنظيره القديم؟ والجواب بالتأكيد نعم... فكل مشروعية العمل الجديد مؤسسة على نجاح وخلود المسلسل القديم. الشركة المنتجة قالت إنها تريد إعادة إحياء كلاسيكيات الدراما السورية القديمة، والمخرجة صرحت بأنها استفادت من أجواء العمل القديم، ونجما (أسعد الوراق) القديم، استحضرا في العمل قسراً وفي أدوار ثانوية لا تليق بهما للتمسح بحضورهما على الشارة... فسمي الفنان الراحل هاني الروماني بـ(وجع الغياب... أسعد الوراق القديم)، وسميت منى واصف في الشارة أيضاً بـ(عقد الماس العتيق)... في إشارة رمزية لأغنية (يلبقلك شك الألماس) التي غنيت لها في المشهد الختامي من العمل القديم... إذن كل شيء مؤسس على شهوة استحضار نجاح المسلسل القديم، الذي أنتجه التلفزيون السوري عام 1975 والتمسح به... وبالتالي أية محاولة لصرفنا عن مثل هذه المقارنة على اعتبار أن العمل الجديد شيء مختلف لا يجمعه مع القديم سوى الأصل الأدبي (قصة الله والفقر لصدقي اسماعيل) هي محاولة لذر الرماد في العيون، ينبغي عدم الإنصات لذرائعها!
وحتى لو أردنا أن نحتكم في معيار النجاح إلى الأصل الأدبي، فسنجد أن النسخة الجديدة من (أسعد الوراق) أبعد ما تكون عن كثافة ودرامية القصة العظيمة التي كتبها الأديب صدقي اسماعيل في (74) صفحة من القطع المتوسط، وحولها السيناريست الراحل عبد العزيز هلال إلى مسلسل في سبع حلقات، كان من أنجح تجارب استلهام الأدب في الدراما التلفزيونية، بينما جاء هوزان عكو ليحولها إلى مسلسل فيما يقرب من ثلاثين حلقة... فكان كمن مدد ملعقة من شراب التوت المركز في عشر ليترات من الماء!

التشويش على دراما الشخصية

ترك هوزان عكو شخصية أسعد الوراق بكل حضورها الطاغي، وكل ما حُمّلت به من أفكار وتحولات ورموز، وراح يشتغل على الشخصيات الأخرى، على القصص الفرعية التي ذكرها صدقي إسماعيل في قصته الطويلة بشكل عابر، كي يبرز جوانب في شخصية بطله كالطيبة واللهفة والتأثر السريع بمآسي الآخرين... في حين تابع عكو هذه القصص الفرعية، وجعل لها تفرعات أخرى لدرجة أنها شوشت على حضور أسعد الوراق درامياً، وحولته إلى شخصية تغيب وتحضر... تتألق وتنطفئ في زحمة الأحداث والحكايا. لم يرد في قصة (الله والفقر) ذكر للفرنسيين، فشخصية (عبد الحي) التي يستشهد أسعد الوراق وهو يقاتل معها في نهاية المسلسل، كانت شخصية متمردة ضد الحكومة وليست ثائرة ضد الفرنسيين، لكن الكاتب عبد العزيز هلال، جعل تمردها ضد الفرنسيين في إشارة عابرة كي يخلق لديها تعاطفاً أكبر لدى المشاهدين... والكارثة أن كاتب سيناريو العمل الجديد التقط هذه الإشارة العابرة أيضاً من المسلسل التلفزيوني القديم لا من الأصل الأدبي، وجعل من القتال ضد الفرنسيين محوراً أساسياً متشعباً، فيه الكثير من الجولات والصولات والمعارك والهزائم والانتصارات... ففرغ العمل من فرادة مقولاته التي تطرح أسئلة فلسفية معقدة عن الفقر وعن الناس البسطاء والدين والإيمان والإلحاد والعدالة الإلهية. 
وإلى جانب ذلك ثمة خطوط أخرى لشخصيات استحضرت لملء الوقت، كشخصية (أيمن بيك) الذي ينتقل بنا بين أجواء السوق والغيرة من الحمالين الذي يرأف والد زوجته (عدنان بيك) بهم، وبين أجواء السهر في بيوت العاهرات والراقصات، في مشاهد مستعارة من أجواء مصرية، إنما برؤية أشد ابتذالاً وسوقية، وأقل ظرفاً بالتأكيد! 
الدراما السورية قديماً وحديثاً، حافلة بالعديد من الأعمال الجيدة والرديئة التي تتحدث عن النضال ضد الاحتلال الفرنسي، وتصور أشكاله بواقعية موثقة، أو حكائية مفبركة فيها الكثير من الجنوح نحو العنتريات.. لكن ليس فيها سوى أعمال نادرة جداً، تطرح الأسئلة التي تطرحها قصة (الله والفقر) وما تحمله من دعوة حقيقية للتغيير على أيدي الناس البسطاء.. وبالتالي كان الجنوح بالعمل نحو ذلك الموضوع، خياراً أفقده فرادته، وجعل من المسلسل القديم الملتصق بأسئلة النص الأدبي والجريء في تناول محظوراته، شاهداً على الفشل الدرامي للعمل الجديد الذي أضاع البوصلة والتوجه! 

السر في المناخ 

والمشكلة برأيي ليست فقط في الخيار الحكائي السهل الذي اختاره كاتب السيناريو، كما يبدو لنا حتى الآن، بل هي في المناخ، فالمناخ الفني الذي أفرز رائعة (أسعد الوراق) في السبعينيات، حين كان الكاتب يكتب النص في العدد الذي يشاء من الحلقات التلفزيونية، من دون أن يتقيد بثلاثين حلقة من أجل العرض في رمضان، والمناخ الذي كانت تدرس النصوص فيه جيداً في بروفات طاولة ممتدة تقرأ فيها السيناريوهات بدقة، وتختمر فيها الملاحظات، ويعمل الجميع من أجل تقديم دراما يتألق فيها الهم الإنساني، وتبرز فيها أسئلة الأصل الأدبي بكل كثافتها وإشكالياتها، ليس هو المناخ ذاته التي تعيشه الدراما التلفزيونية السورية اليوم بالتأكيد.... حيث يعتقد بعض المخرجين والمنتجين أن الدراما هي حارات ضخمة تبنى، ومعارك بطولية تنفذ، وبيوت دمشقية واسعة تملأ بثرثرة النجوم واستعراضات الكاميرا المحمولة والتقنيات الحديثة... ولهذا كان الخيار الخاطئ هو التجرؤ على العبث بنص مختلف، لا يسمح به السائد اليوم، وإن سمح فلن يكون سوى نسخة مشوهة وممسوخة عن أصالة وبساطة وعمق العمل القديم الذي لا ينسى. 
ليس هذا انحيازا متزمتاً للماضي، فالدراما السورية تقدم الآن أعمالاً جيدة أيضاً، لكن معايير الجودة اليوم، التي تتفنن في الشكل والتقنيات وضخامة الإنتاج، لن تستوعب عملاً بكثافة وإشكالية (أسعد الوراق). صحيح أن رشا شربتجي قدمت رؤية بصرية خاصة في العمل، وبذلت جهداً طيباً في تحقيق أجواء لافتة، وخصوصاً على صعيد الإضاءة والظل واللون وحركة الكاميرا... لكنها مع الأسف، فشلت في تلمس مأزق النص الجديد، ولم تنتبه إلى التهميش الذي أصاب الشخصية المحورية فجردها من مجدها الدرامي الراسخ، وحولها إلى شخصية باهتة في عمل ينتمي تارة إلى دراما البيئة الدمشقية التقليدية وأخرى إلى بطولات مقاومة المحتل الفرنسي. والأدهى من ذلك أنها انساقت وراء مبالغات النص في فبركة معارك يبدو فيها الجنود الفرنسيون، وكأنهم وسائل إيضاح للتدريب على إصابة الهدف، أو تعليم أصول الصيد! 

جهود تمثيلية ضائعة! 

وفي خضم هذا كله، بدت مهمة الفنانين تيم حسن وأمل عرفة هي الأصعب بالتأكيد... فقد قاربا دورين شكلا علامة فارقة في مسيرة الفنانيْن اللذين أدياهما... دور (أسعد الوراق) الذي أداه هاني الروماني فكان دور العمر بالنسبة له، ودور (منيرة) التي أدته منى واصف... فكان علامة لا تمحى في ذاكرتها وذاكرتنا. احترم تيم إنجاز زملاءه المخضرمين، وسعى لابتكار كاركتر مختلف، لم يقلد فيه هاني الروماني ولم يتشبه به... بذل جهداً يشكر عليه، وبنى تفاصيل معقدة في الأداء، لكن ما بلغه من نجاح كان أقل مما بذله من جهده... فقد غرق الأداء في سكونية طاغية، جعلته يقبع في الظل وينسى ما إن يغيب عن الكاميرا... فكأنه كان كاركتر ممثل مساعد وليس بطلا رئيسياً يحمل دراما العمل، وكان أداء أمل عرفة، صورة أخرى عن التحدي الشجاع لصورة أداء خالد قدمته منى واصف... لكن أين حضور منيرة القديم في رقعة درامية مضبوطة ومشغولة بعناية، من ضياع منيرة الجديدة المشتتة الحضور في هذه الرقعة الدرامية المبعثرة بانشغالات عقيمة أخرى... إن ذاكرة الزمن وكثافة انفعالات العمل القديم كانت تظلم جهدها في النهاية.
ولم يكن حال العناصر الفنية الأخرى من ديكور وموسيقى متفوقاً وللأسف، رغم التقدم الذي شهدتهما الدراما السورية في هذا المجال... فأين سحر استخدام الأصوات البشرية الكورالية وتعبيراتها الأخاذة عن شخصية أسعد الوراق المضطهدة والمطحونة مما نسمعه هنا، وأين جماليات اللمسة الواقعية في ديكورات لبيب رسلان على فقر إمكانياتها وخشونتها، من اللمسة النافرة في ديكورات حسان أبو عياش رغم نجاحاته المحققة في تقديم الحارة الدمشقية.
إن (أسعد الوراق) في صورته الحالية هو ابن المناخ الفني الحالي تماماً، حيث يتحول الأدب العميق إلى حكاية، وحيث الإشراف الدرامي تسمية بلا أثر، والإخراج رؤية في كل شيء إلا قراءة عثرات النص، والإنتاج الضخم عقلية استثمار وتباه بالديكور والملابس وضخامة الإكسسوار وعدد الكومبارس! 

محمد منصور

المصدر القدس العربي- لندن

 

 

 

المنطق غائب عن أحداث الجزء الأخير

"باب الحارة" مسلسل يحتضر           

 

قبل الخوض في النقاط التي تم تسجيلها على مسلسل “باب الحارة” بعد ما عرض من حلقات من جزئه الخامس، لا بد من القول إن سبب إقفال باب هذه الحارة مع نهاية هذا الجزء ربما هو شعور المخرج أو جهة الإنتاج بعدم جدوى استمراره، خاصة بعد أن تبين أن الجزأين الأول والثاني (اللذين نجحا وحققا الجماهيرية) وإن ذيلت شارتهما باسم المخرج بسام الملا، إلا أن الحقيقة هي أن المخرج المخضرم علاء الدين كوكش هو من قام بإخراجهما بدل الملا الذي كان يعاني في تلك الفترة عارضاً صحياً فناب كوكش عنه في العمل لكنه لم ينب عنه بالاسم، وبعد الجزأين الثالث والرابع اللذين أخرجهما الملا فعلياً، عاد الأخير في الجزء الحالي ليعمل على التشاركية في الإخراج مع شقيقه مأمون الملا، مع ظهور الاسمين معاً على الشاشة .

 

على ما يبدو، فإن الإعلان عن نهاية المسلسل هذا العام أقعد كاتبه عن الاجتهاد في إيجاد حبكة درامية مثيرة، فجاءت الحلقات التي عرضت حتى الآن، ضعيفة، بعيدة كل البعد عن السيناريو الذي أخرج في الأجزاء السابقة، فتم الإكثار والمبالغة في إظهار البيوت من الداخل، وتفاصيل الحياة اليومية لكل أسر،ة فزواج “مأمون بك” من “فريال” لا يبدو أن من ورائه أي هدف أكثر من تمضية الوقت، ومحاولة تزويج “أبو خاطر” من قبل شيخ الحارة أمر لا طائل منه، وكذلك أمر غضب عصام من زوجتيه، ذلك الغضب الذي بات مكشوفاً إذ ينتهي بانتهاء العمل، وبمصالحة تامة مهما كانت تفاصيله كارثية قبل ذلك .

 

أما تنصيب معتز “عكيداً” للحارة في الحلقة الأولى من خلال مناداته بهذا اللقب فجاء بلا أي أثر، اللهم إذا كان القصد من ذلك التجديد في شخصيات أهل الحارة وتركيبتهم .

أما مسألة إحياء الأموات التي كان بطلها الممثل عباس النوري (أبو عصام) فتبدو كأنها ليست أكثر من حركة دعائية للمسلسل قبل عرضه، لأن اسم النوري لم يظهر في شارة العمل، لكن تمت الاستعاضة عن ذلك، ومن أول حلقة، بإعادة (أم جوزيف) إلى الحياة وهي التي ماتت في آخر حلقة من الجزء الماضي بإطلاق الرصاص عليها من قبل الفرنسيين، وفي ذلك إثارة مجانية لا تقدم ولا تؤخر مهما أعطى المخرج لأم جوزيف من ثقل في المسلسل .

 


ويصر المخرج ومنذ الجزء الأول على تقديم شخصية رئيس المخفر “أبو جودت” بصورة كوميدية هزلية مضحكة تثير السخرية وتدعو إلى الابتسامة مع كل مشهد له .

لكن، ولأن كتب التاريخ والأرشيف العربي قبل الغربي، شاهدان على تلك الحقبة، فإن المنطق يقول إن أي محتل وطأت قدماه ومجنزراته وأسلحته أرضاً محتلة، كان يعين الدرك والشرطة والأمن من الرجال الذين لا يرحمون، لا يبتسمون، لا يسمحون لأحد بالابتسامة، كانوا جديين إلى أبعد حد من الجدية، جزارين، لا يصبرون يوماً واحداً على رجولة معتز وقبله خاله “أبو شهاب”، ولا على وجود رجال الحارة في بيوتهم إذا تمردوا لساعة واحدة، فالمعروف أن الفرنسيين كانوا يدمرون أي حي يخرج منه أحرار متمردون فيصبح مكان الثوار، وعلى الدوام، في بساتين الغوطة يقومون من هناك بعمليات نوعية خاطفة، سرية، لا أن يتواجدوا في بيوتهم في وضح النهار يهددون رئيس المخفر صباح مساء، فأين المنطق في نقل التاريخ؟ وهل كان الفرنسيون سيبقون في سوريا شهراً واحداً لو كانوا يعتمدون في إدارة شؤون الأحياء على شخصيات من طراز أبي جودت؟

وبدأ الجزء الخامس بمحاولة اغتيال للعكيد الجديد “معتز” على يد أحد المدسوسين من قبل أبي جودت رئيس المخفر، ولأن هذا الأمر يجب أن يكون، لكونه بداية القصة، محركاً للعمل، فقد بدا أنها كانت محاولة يائسة من قبل الكاتب ومن بعده المخرج لإشعال الجزء الخامس، لكنها سرعان ما أخمدت باختفاء “أبو طاحون” الذي برز اسمه أكثر من شكله، وهنا لا بد من قراءة الأمر بأحد احتمالين:

الأول، أنه كان يجب قتل معتز، وبالتالي يشتعل الصراع في العمل بين الحارة والفرنسيين، وفي ذلك خدمة كبيرة يوجهها المخرج للمشاهد، إلا أنه لو تم ذلك لكان المسلسل خسر معتز الذي يجب ألا يخسر .

أما الاحتمال الثاني، وهو الذي حصل، فإن المخرج ارتأى أن يبقي على حياة معتز من باب الإشارة إلى أهميته في الجزء الخامس، إلا انه بذلك يكون جانب خطه الذي رسمه منذ الجزء الأول من حيث إن معتز شخصية مهمة في الحارة، ولا يحتاج للتنويه إلى قيمته، إلى نجاة من اغتيال، فأين هو “أبو طاحون”؟ وأين محاولة اغتيال معتز، من الحلقات التالية التي أعقبت الحلقة الأولى؟

العمل لا يزال يعرض على الشاشات، والظاهر حتى الآن أن المخرج سينتظر حتى الحلقات الخمس الأخيرة ليفجر الوضع، بحيث تكون النتائج، كما في كل جزء، انتصاراً للحارة على الفرنسيين، وقتل “أبي جودت” على يد معتز، وصلحاً بين كل المتخاصمين، وذلك أن القائمين على المسلسل معروفون بحبهم للنهايات السعيدة، ولو على حساب المنطق .

علاء محمد

المصدر: جريدة الخليج - الشارقة       

 

 

 

 

"لعنة الطين" يفضح فساد الثمانينات

 

هارب من مهامه كمدير تصوير في عدد من أهم الأعمال في الدراما السورية التي شكلها باهتمامه وحرفيته، توجه أحمد إبراهيم الأحمد إلى الإخراج ليتعامل مع هذه المهمة الجديدة باحتراف آخر ورؤية موضوعية ومهنية عالية، ممسكا بقبضة من حديد بهذه المهمة الصعبة في ثاني تجاربه الدرامية، مسلسل »لعنة الطين«، الذي رفع من أسهمه عاليا أمام رهانات حول استمراره في المهمة الجديدة. ونحن نتناول هذا العمل ندرك وباستطلاعات رصد سريعة أنه شغل الشارع السوري بعيدا عن كثير من الأعمال الدرامية للموسم الحالي.

المسلسل أثار قضايا لاتزال عالقة بتفاصيلها المضنية في ذاكرة الناس نظرا إلى أهمية موضوع لعنة الطين، وجرأته في التعرض لمكامن الخطر والتغيير في المجتمعات السورية في فترة الثمانينات من القرن الماضي.حيث أزمة الحصار التي كبدت سوريا خسائر كثيرة، وأثارت خللا في التركيبة الإنسانية والاقتصادية، ولعل هذه الفترة التي لا تزال الدراما في سوريا غير قادرة على أن تطأها بكل أريحية، وكأنها حقل ألغام يمكن أن ينفجر بأية لحظة، حيث تتشابك المعطيات والمعلومات فيها، وتختلط أوراق السياسة بالاقتصاد بالحياة اليومية، ويصبح المتحدث عن المال متهما بالسياسة والغارق بلعبة السياسة خائنا للوطن والساكت بحاله شيطان أخرس وهذا أضعف الإيمان!

كثرت الاتهامات وقل عدد المتهمين، ولعل الكاتب الشاب سامر رضوان يخوض تجربة مدهشة في الدخول في حقل الألغام، بأقل قدر من الخسائر، ودون الخوض بأسماء شخصيات جاهزة، مكتفيا بسرد قصص لها علاقة بحركة الفساد والخراب الذي ترافق مع تلك الفترة العصيبة في سوريا.

مؤكدا في أحاديث سابقة له أن الرقابة طلبت منه فقط التعديل في مئة وثلاثين مشهدا، تم فيها ذكر بعض الشخصيات اللبنانية، وهذا ما جعله يعيد ترتيب بعض التفاصيل وفق ما طلبته الرقابة، وهذا بحد ذاته قد يعتبر انتصارا للرقابة السورية في تصريحها بالموافقة لعمل حساس كلعنة الطين وربما لو كان هذا العمل في مرحلة سابقة لما أفرج عنه بسهولة.

 


العمل، الذي يتناول فترة الثمانينات العصيبة في سوريا مع انتشار عمليات الفساد والتهريب وندرة البضائع الأساسية في ظل الحصار الاقتصادي على سوريا في تلك الفترة، وهو يروي حكاية شاب قدم من الريف إلى المدينة ويصبح ضحية لمسؤول كبير نافذ، لا يلبث أن ينفضح دوره في شبكة الفساد ليهرب مغادراً البلد، فيما الشاب يخرج من السجن بعد عشرين عاماً كان قد دبره له.

الشاب الريفي الذي يؤدي دوره ببراعة الفنان الشاب مكسيم خليل يتحول من دراسة الهندسة إلى الكلية الحربية بتأثير هذا المسؤول الكبير الذي يؤديه خالد تاجا.

وعندما يتخرج الضابط الشاب يصر المسؤول على أن يعيّنه تحت إمرته، ما يدفع بالشاب إلى تقديم استقالته من السلك العسكري، فيدبر له حينذاك مؤامرة السجن، التي تغير من خارطة حياته فيخوض معركة جديدة للحصول على حريته وتحقيق طموحاته من جديد.

يلجأ المخرج في تعاطيه مع العمل إلى صورة مختلفة تعرضها الشاشة فتشبه تلك الحالة التي يقوم فيها فنان تشكيلي بتعتيق لوحته باستخدام تقنيات خاصة في الظل والنور، ولم يجد احمد بدا من جعل الصورة تنتمي إلى مرحلة الثمانينات بغية تحقيق تأريخ للمشهدية الفنية الساحرة التي لجأ إليها كمعادل فني، وكأن العمل يؤرخ لمرحلة الثمانينات دون أدنى تدخل من شخص المخرج الذي يذوب في المشهد بحضور كامل عناصره، وهذه لعبة قد لا يتقنها الكثير من المخرجين الذي يصرون على الحضور.

والوجود كي تتم الإشارة إلى مبالغاتهم وإلى تدخلاتهم، وإلى جانب هذا أدخل المؤلف اللهجة الساحلية التي سبق وان تم الاعتماد عليها كشكل من أشكال إثارة الضحك في المشهد الدرامي السوري وتحديدا في الأعمال السينمائية والتلفزيونية اللاحقة، ولكنه هنا استخدم اللهجة لأغراض درامية وجعلها حاملا لأفكار المرحلة ودليل اتهام على مرحلة بأكملها.

وبدوره قام الكاتب بعرض حالة الفساد الاجتماعي التي ترافقت وحالة فساد في قطاعات أخرى وهنا كان لا بد من الانتقال بين عوالم اختيارية تنقل بينها الكاتب بين الريف والمدينة والحديث عن عدم انسجام واتفاق بين شخصيات المدينة وشخصيات الريف لا سيما فيما يتعلق بخارطة طريق الحالة الاجتماعية في سوريا .

يعتمد المخرج على كادر تمثيلي لديه حالة انسجام وتبدو هذه الحالة شكلا من أشكال نجاح العمل الذي يزداد عدد المعجبين به يوميا، والمشكلة التي واجهت هذا العمل هو ضعف الإعلان عنه، وعدم تقديمه من قبل المحطات المحورية في العالم العربي، ولكن يبدو أن روج لنفسه بنفسه، وكسب مشاهدين من العيار الثقيل لفنياته العالية وأفكاره التي تطرح حضورا مختلفا لفترة، تم الكشف عن أسرارها تباعا.

 

جمال آدم

المصدر: جريدة البيان - دبي