بورصة الدراما السورية 9

بدأت تتضح مؤشرات بورصة الدراما السورية أكثر فأكثر مع اقتراب شهر رمضان الكريم من نهايته، فالمسلسلات التي أثارت الجدل زالتساؤلات وشجعت النقاد والصحفيين على تناولها في مقالات نقدية تعد على أصابع اليد الواحدة على الرغم من الكم الكبير من الأعمال التي أنتجت لعرضها في هذاالشهر.
ولعل مسلسل ماملكت أيمانكم هو الأكثر إثارة للنقاشات في الصفحات الفنية للصحف العربية ومواقع الانتر نت وهناك مسلسل القعقاع الذي تثار حوله نقاشات على الخصوص في منطقة الخليج العربية وصحفها. اما مسلسل أبو جانتي ملك التكسي فالمقالات التي تناولته تفاوتت بين معجب بشكل مطلق إلى رافض بشكل مطلق ولا حلول وسط بينهما. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أنه لاقوانين في عالم الفن. أما مسلسل باب الحارة فحافظ على اهتمام الجمهور والنقاد به على الرغم من كل الملاحظات التي سيقت في سياق عرضه من مبالغ في رفضه غلى مبالغ في مدحه.
ولعل المفاجأة الأهم على صعيد أخبار المسلسلات السورية هي هجوم المخرج هشام شربتجي على الدراما السورية في هذا الموسم وتشاؤمه من الأعمال المقدمة لهذا الموسم ومن ضمنها عمل ابنته رشا تخت شرقي الذي خصه بنقد جارح.
المخرج هشام شربتجي: رشا شربتجي اخترعت الكاميرا النطاطة... ونجوم الدراما السورية يحفرون قبرها!
رغم أن هشام شربتجي درس النقد المسرحي في مصر في سبعينيات القرن العشرين، إلا أن هذا المخرج الذي بدأ عمله اللامع في الإذاعة، استطاع أن يكون مخرجاً تلفزيونياً مهماً، برز في الكوميديا حتى صار علامة في مسيرتها، مثلما كانت له نجاحات محققة في الدراما الاجتماعية لم يتوقعها منه الآخرون.
وحين قصدته لأستضيفه في هذه الحلقة من سلسلة (حوارات دراما رمضان) التي تنشرها 'القدس العربي' كل يوم سبت، لم تغب عن بالي قط خلفيته النقدية الأكاديمية، ولا تجربته الإخراجية المشحونة بالمعارك والنجاحات والمماحكات... ورغم أن هشام شربتجي الذي بدا وكأنه (مبعد) عن الساحة بشكل من الأشكال، كان يمتلئ بالمرارة في أحاديثه الجانبية التي أرادها بديلاً للقائنا من أجل إجراء هذا الحوار، إلا أنه حين قبل الكلام... قال بنفس المرارة وبكثير من السخرية المبطنة وغير المبطنة كل ما يقال وما لا يقال... وربما كي يخفف من وقع كلامه الصادم، أراد أن يبدأ أولاً برؤية (النصف الملآن من الكأس)، فتحدث عما لفته وأثار اهتمامه من مسلسلات رمضان هذا العام، فقال:
* لفت نظري مسلسل (وراء الشمس) مع سحر أداء صبا مبارك وأعجبت بباسل خياط، لكن بسام كوسا كان نشازاً في المجموعة.
* نشاز بأي معنى؟
* بالمعنى الإيجابي... فبسام أدهشني كما أدهش كل المشاهدين بهذه الحالة التي جسدها. وأعجبتني السيدة منى واصف في أدائها ليس لكونها النجمة الكبيرة التي مازالت في القمة منذ عقود، ولكن لأنها كانت تؤدي بتوهج هنا، رغم أنها شاركت في العديد من الأعمال في هذا الموسم.
*هل أداء الممثلين فقط هو ما أثار اهتمامك في مسلسل (وراء الشمس)؟!
*لا ليس اداء الممثلين فقط، فالنص فيه صياغة جميلة، فيه مشاهد تؤدي لمشاهد وتفجر دراما خطوط أخرى بعيداً عن الإثارة... لكن المشكلة التي كانت تواجه المخرج هنا برأيي: كيف تتحول المشاهد المؤثرة إلى ميلودراما بكائية لا يحتاج إليها العمل. النص ليس هكذا، النص حوار عقلي فيه مجموعة أسئلة كبيرة ألا تضيع من المتفرج من أجل اللهاث وراء مشاهد بكائية... لكن على العموم فالعمل ترفع له القبعات.
* ولمن سترفع القبعة أيضاً؟!
*أرفع القبعة لمخرج شاهدت له مجموعة حلقات من مسلسله (أنا القدس) وأحببت شغله، وهو باسل الخطيب. هناك مخرج قادر يطوع الكاميرا والصورة لشيء هو يعرفه.
*ولكن ألا ترى معي أن (أنا القدس) الذي كتب نصه المخرج أيضاً، مسلسل مليء بالمباشرة، وبارد الإيقاع إلى درجة مضجرة؟!
*أنا أحببت الإخراج بغض النظر عن النص وإيقاعه ومقولاته... الإخراج كحالة، كإدارة كاميرا وممثل والقدرة على خلق حالة.
*ثمة عملان لابنتك المخرجة رشا شربتجي في هذا الموسم (أسعد الوراق) و(تخت شرقي) كيف تراهما وهل لفتا اهتمامك؟!
*تابعت مسلسل (أسعد الوراق) ومن دون أي تعليق أقول: لم يعجبني على الإطلاق.
لماذا من دون تعليق؟!
(هيك).... وهذا الكلام ليست له علاقة بمسلسل (أسعد الوراق) القديم الذي لم أعجب به أيضاَ.
*هل أعجبك أداء (أسعد الوراق) الجديد؟!
*فراس إبراهيم كان جيداً فقط أما الباقون فلا... وعلى العموم تشعر بأن هناك مجموعة علاقات شخصية تقود المسألة.
* وماذا عن المسلسل الثاني الذي وقعته رشا شربتجي (تخت شرقي)؟!
* تابعت مسلسل (التخت النطاط) كما يروق لي أن أسميه، وأريد أن أقول: كنا بالكاميرا الهزازة... والآن صرنا بالكاميرا النطاطة، التي ينط فيها الزوم فجأة وأنت تتابع المشهد. أتمنى أن أعود لأدرس كل مدارس الإخراج من السينما الأمريكية إلى السوفييتية... ومن مدارس الإخراج الكلاسيكية إلى التجريبية إلى الموجة الفرنسية الجديدة ولولوش وحتى السينما الهندية... إلى أن أصل إلى (أفاتار) كي أفهم ما هذا الاكتشاف العبقري الذي يقف وراء (الكاميرا النطاطة) التي تقدمها لنا مخرجة (التخت النطاط)... فالفن تحكمه كلمة (لماذا؟) وليس (كيف؟!) فكلمة (كيف) هي سر المهنة... أما (لماذا) فهي القدرة على إقناعك والتأثير بك كمشاهد ومتلق.. ولكن المشكلة أنك عندما تعطي (الكومبيوتر) لعالم ذرة فيستخدمه في ابتكار علم، وعندما تعطيه لفنان فسيرسم عليه لوحات قد تسحر العالم... أما عندما تعطيه لولد صغير فهو إما أن يخربه ويفكه، أو يلعب به!
وثمة مشكلة أفظع في مسلسل (التخت النطاط) (يقصد تخت شرقي) وهي إلغاء الحواجز بين ما يقال وما لا يقال.. فبحجة أننا نقدم حالة (فريش) وكأننا لا نمثل، صار مسموحاً للممثلين أن يطولوا ألسنتهم ويسمعوننا شتائم مثقفاتية وشوارعية على حد سواء!
*لنذهب إلى الكوميديا وأنت من أبرز مخرجيها في الدراما السورية... كيف ترى الأعمال الكوميدية التي عرضت في هذا الموسم؟!
*إذا كنت تعتبر مسلسل (صبايا) كوميديا، فسأقول أنه سحرتني صورة (صبايا) وكانت صورة رائعة لمصور يفهم خبايا الكاميرا... صحيح أن رأيي في المصور (يزن شربتجي) قد يكون مجروحاً لأنه ابني، لكن أنا قلت كلمة إنصاف لأنني لا أجامل لا أولادي ولا غيرهم... وهذا الذي لفت نظري في (صبايا) فقط، أما العمل ككل فأنا حزين جداً على هذا المستوى!
وبالنسبة لمسلسل (بقعة ضوء) فأنا تابعته لأنني كنت انتظر من أيمن رضا الذي قال (إن هشام شربتجي قتل بقعة ضوء وسرق حلمي وهو مخرج أثري) كنت أنتظر أن يرد علي رداً عملياً على الشاشة، ولكن إلى الآن لم أر أي رد يستحق الاهتمام لا على صعيد الأداء ولا على صعيد إسهامه في صياغة العمل!
مسلسل (أبو جانتي) لسامر المصري، تابعت عددا من حلقاته فضحكت حتى كدت أن أمرض من شدة الضحك... وكان عندي مجموعة تشاهد العمل اختلفت معي في الرأي وقالت لي: (العمل حلو) ويبدو أنهم يصنعون هذا النوع من الكوميديا لفئة محددة لا أريد أن أذكرها.
أخيراً أتوقف في مجال الكوميديا عند (ضيعة ضايعة) للمخرج الليث حجو... الذي كنت أخشى على جزئه الثاني الذي يعرض حالياً من التكرار...ولكني عندما شاهدت بعض الحلقات وجدت أن العمل مازال يحتفظ بمتعته وحيويته«'وأريد أن أقول ان الحالة الكوميدية في (ضيعة ضايعة) هي مساحة عند هشام شربتجي، وكنت ألعبها بمتعة... لكن للأسف عندما لعبتها هاجمني كثير من الناس. وممدوح حمادة مؤلف (ضيعة ضايعة) هو قريني في الفن. ألا يقولون لكل إنسان قرين... أنا قريني هو ممدوح حمادة، ولو أعطيت مسودات نصوصه لمخرج ضعيف سيظهر العمل جيداً، فما بالك والمخرج هنا الليث حجو... مخرج جيد، ومتزن، وأفضل أبناء جيله... لا بد أن يظهر العمل جيداً، واعتقد أن نجاح (ضيعة ضايعة) يأتي من المراهنة على مخرج مهم، ونص فيه قدر من الذكاء، لأن الكوميديا تتطلب الذكاء. والقطب الثالث في العمل باسم ياخور ونضال سيجري وسائر الممثلين وكل الكومبارس الذين لا أعرفهم... وأذكر حين عرضت الحلقات الأولى من الجزء الأول من هذا المسلسل كنت أصور مسلسلاً، وكان بعض الفنانين يأتي إلي ليسب ويشتم (ضيعة ضايعة) ومن يعمل فيه، إما لأنه يظن أنه بذلك سيرضيني ويتقرب مني، أو لأنه لا يحب هذا النوع من الشغل الكوميدي، ولكنني وقفت أمام الجميع وقلت: هذا العمل سيصبح علامة في الكوميديا وسينتشر عبر الموبايل، وشخصياته ستصبح أهم من شخصيات (باب الحارة) وقد حدث ما توقعته. ولهذا أقول لهم: الله يعطيهم العافية. شكراً ليث، وشكراً باسم وشكراً نضال صديقي... وفادي صبيح ورواد عليو، وزهير رمضان الذي حتى إذا ظهر صامتاً في أي عمل من'أعمال الدراما السورية وحتى الباكستانية والهندية فأنا أحبه ولسببين: الأول أنه يأخذ أدواراً مقرفة لدرجة تحبه فيها... فهو عادل أدهم الدراما السورية، والثاني: أنه يحمل الكثير من الطيبة واللطافة وحب مساعدة الآخرين من زملائه، ولا يجيد أثناء التصوير سوى كلمة (حاضر بوس) وحتى الآن، لم يقع ضحية مقلب بعض النجوم الذين يدخلون موقع التصوير، وثمة من يحمل الحقيبة لهم.
* إلى أي حد ترى أن مقلب النجوم هذا، سيؤثر على مستقبل الدراما السورية؟!
* منذ أربع سنوات قلت: عندما تتحول الدراما السورية إلى دراما نجوم فعليه العوض ومنه العوض... وهناك نقاد يقفون لنا على الواحدة (شرواك بالخير) قالوا هشام شربتجي ينتقد النجوم لأنه ديكتاتور، وقيل إنني ضد الجيل الجديد، مع أنني من الناس الذين ساعدوا النجوم، وفي كل عمل من أعمالي كنت أكتشف وجوهاً جديدة. واليوم أقول إن رفع أجور نجوم الدراما السورية بهذا الشكل الجنوني، سيفتح قبر هذه الدراما... فالنجوم يتعاملون مع الدراما السورية باعتبارها (منسف) الشاطر فيهم من (يدق) بقطعة اللحمة الكبيرة... وأعتقد أنه إذا انهارت هذه الدراما فكثير من النجوم لديهم أموال تكفيهم لفتح مشاريع يمكن أن يشتغلوا فيها... يمكن لأحدهم أن يشتري تاكسي ويشغل من يشاء عليها، ويمكن لآخر أن يفتح بوتيك.. أو يشغل أمواله في شركة... ولكن المصيبة هي في بعض المخرجين والفنيين الذين لم يدخروا أموالاً، ولا يعرفون غير هذه المهنة.
* كيف ترى مسلسلات البيئة الشامية في هذا الموسم؟!
* يكفي... القصة استوت... كل فترة نلحق بموضة... من البدوي للتاريخي للفانتازيا للبيئة الشامية... (تشوّمنا) حتى شبعنا!!
* ما هو وجه الاعتراض تحديداً!
* فخر لنا أن يكون في الدراما السورية سحر البيت الدمشقي، ورائحة الياسمين، التي كنا نقرأ عنها في قصائد نزار قباني، لكن ما يقدم ليس له علاقة حقيقية بذاك السحر العريق، بل له علاقة باجترار مفردات حنين مصطنع، ولهذا فليس مبرراً أن تصنع كل هذه الأعمال والمسلسلات فقط من أجل أن تقول (سقا الله) إلا إذا كان صناع هذه الأعمال يريدون أن يدخلوا موسوعة غينيس للأرقام القياسية، لأنه بقدرة قادر... أصبح (باب الحارة) الأكثر مشاهدة في دمشق وسورية والوطن العربي وفي المغتربات ونيويورك وول ستريت! كفانا كذباً على الناس'وعلى الماضي في هذه الأعمال... وهذه مجموعة أعمال أنا شاركت في صنع إحداها، لكنها أرجعت الدراما السورية سنوات إلى الوراء. ولكن حين شاركت فيها كنت المربع الضعيف، وليس المخرج المنتج الذي يتحكم بالعمل ويجتر جزءاً وراء آخر، رغم أن لديه خيارات أخرى!
* كان مشروع تحويل رواية (ذاكرة الجسد) لأحلام مستغانمي إلى مسلسل، بين يديك لفترة طويلة... كيف تراه الآن بعد أن ظهر بتوقيع المخرج نجدت أنزور؟'
* قبل أن يظهر مسلسل (ذاكرة الجسد) إلى النور، قلت أنا متفائل بوجود الثلاثي: الساحر نجدت أنزور الذي أحترمه، وجمال سليمان الذي يحبه الناس، والكاتبة ريم حنا التي قلت عنها إن لديها قدرة على فهم ما بين السطور ونقل حساسية الكلمات والصور كأنثى بعد صدور عشرين طبعة من رواية كتبتها أنثى أيضاً. ولكن بعد أن شاهدت العمل أقول: مبروك يا أحلام مستغانمي حلمك قد تحقق. وإذا كان هذا هو حلمك، فأنا أعتذر عن كل الخلافات التي حدثت بيني وبينك لتحقيق عمل أكبر يوازي حلمك.
* ما هي طبيعة الخلافات التي حدثت بينك وبين أحلام مستغانمي وحالت دون إكمالك للمشروع؟!
*أولاً كنتُ أكتب السيناريو، وقد وافقت على كل ما كتبت، وكانت تكتب بخط يدها هوامش على ما كتبت تقول فيها: (أيها الساحر... أيها الأفّاق... الساعة الخامسة صباحاً، لم أنم وأنا أقرأ سحرك. يا خفيف الظل... كيف أضحكتني وأبكيتني... إلخ) ولدي هذه الكتابات بخط يدها سأصورها لك إن شئت. لكن الخلاف وقع بينها وبين الشركة المنتجة لأنها في البداية كانت تريد نور الشريف بطلاً للمسلسل، ثم قالت: جمال سليمان، لكنه كان مشغولاً بتصوير (حدائق الشيطان) أنا رشحت غسان مسعود، فاتهمتني أنني أريد غسان مسعود لأنه شبهي، مع العلم أنه لا يوجد اي شبه بيني وبينه سوى الذقن، وأنا لا أحلق ذقني ليس كي أظهر شبه غسان مسعود، بل لأنني لا أحب ملمس الشيفرة الحاد على وجهي. وقد قالت لي: (أنت جايب ممثل شبه حفار قبور) وعندما رشحت عابد فهد، شبهته بـ (مونكي). وبعد الاعتراض على غسان مسعود انسحبت من العمل لأن الشركة لم تحترم التزامها مع غسان مسعود الذي لا يجمعني معه سوى الاحترام وأنه قادر على أن يقوم بهذا الدور... وأنا أحترم غسان مسعود على الأدوار التي أداها في الدراما السورية، وليس على أدواره في هوليوود التي لم تعجبني، وأرى أنها لم تضف إليه.
* وهل مازلت معترضاً على جمال سليمان كبطل لـ (ذاكرة الجسد)؟!
* رغم ترشيحي لغسان مسعود، فأنا لدي الرغبة في أن يكون جمال سليمان بطلاً للعمل.. ولو استمررت في المشروع لقدمت جمال لكن بغير هذه الطريقة، وهذه الابتسامة، وهذا الوجه المشرق، فخالد طوبال رجل متعب... متعب من الداخل. وبعد انسحابي من العمل توالت هزائم هشام شربتجي، وقد قلت: (شرف المهنة أفقدني ذاكرة الجسد) لأنني كنت أحلم في هذا العمل أن أقول ما لم أقله في السينما، فقد حولت النص إلى ثلاثين فيلماً سينمائياً، رغم أن الرواية سمعية، إنها رواية لغة وليست رواية أحداث وتحولات، لكن أنا صنعت منها سينما لأنني كنت أملك حبي للمادة الموجودة، وفهمي لها... والفهم ليس ترجمة محلفة، فليست مهمة الفنان حين يستلهم عملاً أدبياً في الدراما أن يترجم... بل أن يبدع ويحرضه الورق. وعندما أنظر أخيراً إلى ما حدث أشعر بأن بعض النقاد يفهم الروايات أكثر من مبدعيها!
* ماذا تقول أخيراً للمخرجين الشباب الذين وقعوا أعمالا هذا الموسم؟!
* أوجه تحياتي للمخرج الليث حجو، وتهاني الحارة لرشا شربتجي أنها أصبحت من الأرقام المهمة في الدراما السورية والعربية... وقريباً العالمية، وعقبال هوليوود؟!
* ولكنك انتقدتها بشدة في حوارك وسخرت من مسلسلها (تخت شرقي) ووصفته بـ (التخت النطاط)؟!
*لا... لم أقس عليها، أنا تحدثت عن شيء ينط أمامي... ثم إني لا أعرف هذه الكاميرا التي تنط هل هي خيار رشا أم هو عيب في الكاميرا؟! قد يكون عطلاً في الكاميرا وهي غير قادرة على إصلاح هذا العطل الذي حدث... ثم إنني أنا قلت أحب ولا أحب... وحقي ألا أحب (أسعد الوراق) الذي قدمته وهذا ليس له علاقة بقيمة العمل.
محمد منصور
المصدر: القدس العربي- لندن
باب الحاره......باب العامود
تتابع الجماهير العربيه بكل تركيز وتأثر الجزأ الخامس من مسلسل باب الحاره الذي يمثل دفاع الناس البسطاء عن الارض السوريه ضد المستعمر الفرنسي في نفس الوقت الذي يساعدون اخوانهم االمجاهدين الفلسطينيين في فلسطين ضد الانتداب البريطاني واليهود انذاك.
في نفس الوقت الذي يتابع قادة السلطه الفلسطينيه والجامعه العربيه وبعض العرب قضية المفاوضات الاسرائيليه الفلسطينيه لتثبيت الشرعيه الدوليه لاسرائيل على القدس العربيه وباب العمود والمقدرات الفلسطينيه بما فيها حق العوده للاجئين الفلسطينيين واعتراف العرب بيهودية الدوله العبريه .
في نفس الوقت الذي نحيي فيه مقاومة اهالي حارة الضبع وحواري الشام الاخرى لنضالهم العفوي للدفاع عن ارضهم في ذلك الزمان وثوار الغوطه والمجاهدين الفلسطينيين الذين كانوا مسيحيين ومسلمين يقاومون المستعمر بما هو متاح لهم بدافع العقيده والغيره على العرض والارض .
فأنني أؤلئك اللذين اعترفوا بالذل واقعا والهزيمة نتيجة والهوان العربي حقيقة واصبحوا يلهثون نحو باب البيت الابيض سبيلا لانهاء غطرسة الانتصار الاسرائيلي في المنطقه .
فالحال في باب الحاره يختلف عنه في باب العامود حيث هناك الانتماءلحضن الوطن وهنا الارتماء في حضن الغير هناك الشرفاء كثر والخونه والعواينيه اقلة وهنا العملاء والفاسدون والخونة كثر بينما المدافعون عن الحرية والسيادة والارض اقلاء وخائفون .
الم يحن الوقت ونحن في العشر الاواخر من الشهر الفضيل ان نكون صادقين مع انفسنا وامام الله بان نعترف بهزيمتنا وعدم قدرتنا على مواجهة الخطوب والاخطار المحدقه بنا ونوقع على وثيقة الاعتراف بهزيمتنا امام العالم اجمع عل ليلة القدر تطلع علينا لصدقنا ونتمنى على الله ان يهبنا الوقت لتربية اجيال تستطيع انتزاع حقوقنا من المعتدي الظالم ولو بعد حين حيث نغير ما بانفسنا ليغير الله احوالنا للاقضل .
لنلحق انفسنا قبل ان يضيع كل شيئ الارض والعرض والاخلاق والقيم والعقيده حيث عندها لا ينفع الندم .
ليكن باب الحارة باب للتوبة ومراجعة الذات ومحاسبة النفس وطلب العفو والمغفره من صاحب الجلال ومن الاجيال القادمه لكي لا تلعننا بعد حين ولكي لا يكون ذلك المسلسل مدعاة لنا للسهر وتمضية الوقت فقط في الضحك على ابو بدر وفوزيه او تقليد حركات النمس او الحزن لغياب العقيد وابو عصام او حنية ابو حاتم وغيرها من مشاهد .
وما اشبه قضية باب الحاره بالقضيه الفلسطينيه حيث كان المجاهدون كثر وكثير من الزعماء غيورين على اوطانهم وشعوبهم وكان العرب قلوبهم على القدس وباب العامود وكان الفساد عيبا وحيث كان الفرنسيون يطبخون مصائب للسوريون وحارة الضبع حبنها فأن اليهود قد اكملوا طبختهم لفلسطين واهلها وحصلوا على مباركة احبابهم الامريكان وهم بصدد الحصول على توقيع من يعتقدون انهم يمثلون اصحاب الارض .
رحمنا الله برحمته في هذه الايام المباركه .
احمد محمود سعيد
المصدر: صحيفة دنيا الوطن- غزة
«أبو جانتي.. ملك التاكسي».. صحن «شوربة» على مأدبــة الإفطــــار
في مغايرة لشخصية (العقيد أبو شهاب) التي حظيت بشعبية كبيرة في مسلسل الأجزاء التي لا تنتهي «باب الحارة»، يؤدي الفنان السوري سامر المصري شخصية خفيفة الظل محمّلة بنفس كوميدي معقول جداً في المسلسل الرمضاني الجديد «أبو جانتي.. ملك التاكسي».
وبدون حكاية بعينها، وبدون تصاعد درامي يصل ذروته في واحدة من الحلقات، يصول المصري في المسلسل المنتج بإشرافه وعن نص له ومن وحي أفكاره، ويجول على امتداد رمضان الحالي مواصلا حلقات المسلسل من خلال المواقف التي يتعرض لها أثناء عمله سائقاً لمركبة عمومية.
ولجعل الشخصية قريبة من نبض الشارع وعاكسة وجدانه وميوله وتطلعاته، فإن أبو جانتي المعتز بسيارته والمعتني فيها كأنها عروس ليلة زفافها، يخطيء أحياناً، ويتعثر، ويتعرض لمواقف خطرة، وربما مضحكة، وفي حالات أخرى مستفزة. وهو يغضب شهامة أو تمسكاً بقيم كبرى تربى عليها الناس وتوارثوها كابراً عن كابر، كحب الوطن وعدم الخيانة ولا الغدر ولا النذالة ولا التراجع عن كلمة قيلت أو وعد قُطع.
سامر المصري كما لو أنه في «أبو جانتي .. ملك التاكسي»، يرغب بإيصال رسالة مفادها أنه ليس من الفنانين الذين (يدخلون بالحيط) من أول عثرة، وأن عدم تفاهمه مع منتجي مسلسل ما لا يعني فشله وانحسار شعبيته، ويبدو أنه يود الذهاب إلى أكثر من ذلك من خلال نجاح المسلسل الذي تعرضه من إخراج زهير أحمد قنوع روتانا خليجية وقت الإفطار تقريباً، مراهنة على نجاحه عبر تعلق الناس بالفنان سامر المصري ومتابعته في أي وقت وبغض النظر إن كان العقيد أبو شهاب (بشواربه) المرسومة التي يقف عليها الصقر دون أن يرف له جفن، أو كان المواطن البسيط الظريف أبو جانتي الذي يحلق مرة ويخفق في أخرى، يُرزق مرة ويشح قنديل زيته في أخرى. ولكن في الوقت نفسه صاحب القلب القوي والشهامة الفطرية والهبّة العفوية.
(شوفير تاكسي) يجول المدينة في شخصية لها طقوسها في العمل، ويتعامل مع الجيد والسيئ، الجميل والقبيح، المجرم والمسالم، الخانع والمشاكس، صاحب الخيانات الصغيرة وصاحبة الرغبات المشروخة، المحلي والأجنبي، الراغب بالهجرة والباحث عن فرصة أخرى.
المصري ليس وحده رافع نجاح العمل، فمعه فريق كوميدي متميز: الفنان أيمن رضا بدور متجدد الطزاجة، الفنان أندريه سكاف، الفنانة تاج حيدر بدور لا ينسى لها (عواطف شقيقة أبو جانتي الطيبة البسيطة المهضومة الحالمة بالفارس صاحب الفرس الأبيض)، الفنانة القديرة سامية الجزائري، الفنانة شكران مرتجى، الفنان جيني إسبر بدور صغير ولكنه معقول جداً، الفنان فادي صبيح وأدهم مرشد وآخرون.
«أبو جانتي/ ملك التاكسي» هو حلم سامر المصري الذي تحقق أخيراً. فكرة لمعت في رأس فنان فذ بعد حلقة مصغرة له في واحد من أجزاء «بقعة ضوء» الكثيرة والمتواصلة بنجاح ممتد على مساحة ثمانية أعوام ماضية.
ومع تواصل عرض حلقات المسلسل، يبدو المشهد مختلفا في (تكاسي) دمشق وعواصم عربية أخرى، إذ يحاول كثير من سائقيها التماهي مع سائق (اللانسر) سامر المصري، ويبدو ذلك جليا من طريقة كلامهم ولباسهم أيضا، فـ(علي محمود) الذي يعمل على تكسي أجرة منذ خمس سنوات غيّر ديكور سيارته لتصبح تماما كما سيارة أبو جانتي، والأهم انه ارتدى (سلسال) كالذي يرتديه أيضا مع قميصه الـ (موف)، ليصبح نسخة كربونية عنه.
ويتفاقم الحال مع (خالد العُقدة) الذي اطلق على نفسه لقب أبو جانتي، محاولا تخفيف دمه وملاطفة الزبائن، وإبداء جاهزيته للمساعدة في حال تطلب الأمر ولكن للصبايا فقط، كون أغنية المسلسل تلمح الى أن الصبايا يتهافتن على تكسي أبو جانتي، ولأن الشيء بالشيء يذكر تصدح (مسجلات) التكاسي بتلك الأغنية، فيما يرددها السائقون عن ظهر قلب، ويغالون في تكرارها.
والأهم أن شخصية أبو جانتي الخيرة، انعكست بشكل إيجابي على بعض السائقين الذين حسّنوا تعاملهم مع الزبائن، فشهامة أبو جانتي صنعت العجائب؟
الشعبية الكبيرة التي يحظى بها «أبو جانتي .. ملك التاكسي»، تشير إلى جوهر المِزاج العام الذي يعكس وجدان الشارع العربي، ويحدد وجهاته، وفي بعض هذه الوجهات رغبة بالتخلص من التجهم، وتجنب الأعمال الكبرى، والخوض في القضايا الكبرى. إنهم يحتاجون على ما يبدو إلى ما يساعد في هضمهم لأطايب إفطارهم، شيء خفيف الظل (صحن شوربة مثلا) يتحلقون حوله بحثاً عن ضحكة تخرج من القلب، وتزيل الهم والغم والنكد، وتنسّيهم بعض ما يعكر صفوهم اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.
محمد جميل خضر
المصدر: صحيفة الرأي الأردنية
ما ملكت أيمانكم.. انحرافات سورية
في حلقاته العشرين الأولى استطاع المسلسل السوري "ما ملكت أيمانكم" أن يرصد جملة من العصبيات والمفاسد الأخلاقية التي باتت تغزو المجتمع السوري، وتهيمن على العلاقات الإنسانية داخله، سواء تعلق الأمر بالأسرة أم بالبنى الدينية والتربوية أم بمؤسسات الدولة، مما جعله يتصدّر قائمة الأعمال الدرامية الأكثر إثارة للجدل في الموسم الرمضاني الحالي، بدءا من عنوانه مرورا بالتفاصيل المتعلقة ببنيته الحكائية والفنية.
قبل أن يُعرض المسلسل أثار حنق بعض المرجعيات الدينية السورية التي طالبت بوقفه لأنه يسيء الى الإسلام، وبعد عرضه لم يتوقف التشكيك في نزاهة مقاصده الفكرية، بل ظهر من يشكك في فنية العمل باعتبار أن الكثير من المشاهد مقتبسة نصا وإخراجا من أفلام أجنبية ومسلسلات عربية سابقة من دون الإشارة إلى ذلك.
في ما يخص عنوان العمل أوضحت كاتبة السيناريو هالة دياب في تصريح صحفي أن "استخدام تعبير "ما ملكت أيمانكم" المأخوذ من سورة النساء ليس تحديا للمعنى الديني، بل لترميز حال النساء في الشرق الأوسط والضغوط التي تُمارس عليهن، وتشكل هويتهن وعلاقتهن مع أنفسهن ومع من حولهن".
بدوره ردّ المخرج نجدة أنزور على تهمة الإساءة للإسلام مؤكدا أنه في كل أعماله السابقة، التاريخية والمعاصرة، حرص على إبداء أكبر قدر من التقدير للإسلام ديناً وثقافة ورجالاً، لكن البعض لا يفرقون بين الإسلام كدين عظيم متسامح، وبعض المسلمين الذين نصّبوا أنفسهم أوصياء على الدين... وأضاف: أنا كفنان أتعامل مع مجتمع إسلامي بألوان لوحته كلها.
وبصرف النظر عن التهم والردود والآراء المتباينة سلبا وإيجابا حوله، فإن "ما ملكت أيمانكم" مسلسل يسترعي الاهتمام والمتابعة، ليس فقط لجرأته في خرق تابو الجسد والتوغّل في المناطق المسكوت عنها، بل أيضا لتسليطه الضوء على محاولات تسليع الأنوثة من قبل دعاة التحرر والتزمّت على حد السواء، في مجتمع اختلفت فيه الآراء وانقسمت حول أمور الدين والدنيا.
يقدّم العمل طروحاته من خلال مجموعة من الشابات ينتمين إلى أسر تتباين في موقعها الاجتماعي ومستواها المعيشي، فنتابع ليلى (سلافة معمار) التي تنتمي إلى أسرة مسلمة متدينة وميسورة الحال، الأب (زيناتي قدسية) شيخ في الجامع، والأم مواظبة على دروس إحدى الشيخات، والأخ (مصطفى الخاني) يتبنى مواقف التيار السلفي. ورغم التربية الصارمة والوصايا والنواهي تنجرف ليلى وراء عشقها لجارها (سعد مينة) ورغبات جسدها الذي بدأ يتفتح، فتنال نصيبها من الضرب والتقريع، وتُرغم على ترك دراستها والزواج من محمود (قيس الشيخ نجيب) شاب لا تعرفه ولا تحبه يطير بها إلى فرنسا، وعبر هذه الأسرة ينفتح الملف الديني بشطريه المرن والمتشدّد، ليرصد واقع الخلاف في الآراء والسلوكيات بالرجوع إلى النص القرآني والأحاديث النبوية، لاسيما في ما يخص علاقة الكائن بجسده وعلاقة الرجل بالمرأة ومفهوم الجهاد.
على صعيد آخر، نتابع الشابة الجميلة عليا التي تنتمي إلى أسرة فقيرة، الأب عاجز ومقعد، والأخ مازال في المرحلة الإعدادية، والأم تعيل أسرتها بخياطة الملابس، ما يضطر عليا أن تخرج مبكرا إلى سوق العمل وتقع ضحية الاستغلال وتبيع نفسها وتفقد عذريتها، لتعيش حالة مضنية من الخوف والألم والابتزاز، وتقرر أن تنهيها بعملية لاستعادة بكارتها، والقبول بالزواج من رجل ثري أتت به الخاطبة سوف ينقلها إلى بلاد غريبة ومصير مجهول، وهنا يلقي المسلسل الضوء على معايير الشرف الزائفة، ومظاهر العفة التي تُنتهك في السر.
في جانب آخر نتعرف إلى شخصية نادين التي تنحدر من أسرة تنتمي إلى الشريحة الاجتماعية المتعلّمة والمتوسطة الحال، الأم مرشدة اجتماعية والأب مدرّس، وهذه الشابة التي ترعرعت على أفكار الحرية والمسؤولية الاجتماعية تجد قلبها لعبة في أيدي شبان يدعون التحرر والثقافة، ومن خلال هذه الأسرة ينفتح الباب على جملة من الانحرافات التربوية التي تطاول الجهاز التعليمي وتلامذة المدارس من بينها فساد الإدارة ومسألة المثلية والتحرش الجنسي.
في المقابل تظهر شخصية نسيب الهشيمي (عبد الحكيم قطيفان) رجل الأعمال الوسيم الذي لا يتوانى عن اقتراف أي فعل لتوسيع أملاكه ونفوذه، والمسؤول الذي يستغل منصبه لمآربه الشخصية، ووالد الابن الشاذ جنسيا، وزير النساء الذي يلهو بالشابات الجميلات.
وهناك شخصيات أخرى في المسلسل لا تقل سوءا عن نسيب من الانتهازيين والمتسلقين والبغايا واللصوص، ومع كل شخصية ينفتح ملف جديد من ملفات الانحلال والفساد والرؤية الأحادية والتلاعب بمشاعر ومصائر الآخرين دون وازع أخلاقي. ومع أننا لا ندري أين ستنتهي هذه الشبكة الواسعة من العلاقات والبؤر الساخنة، لكن من الواضح أنه مع كل بؤرة تحضر بقوة إشكالية علاقة الكائن البشري بجسده بمختلف أبعادها النفسية، وحيث لا تقوم هذه العلاقة على أسس سليمة من حرية التعبير والمواءمة ما بين متطلبات الروح والعقل والغريزة، تتوالد جميع الانحرافات والأمراض الاجتماعية بما فيها آفة التسلّط وعلّة الاستمتاع بتعذيب الذات.
تهامة الجندي
المصدر: صحيفة الكفاح العربي
مسلسل القعقاع والفتنة
قبل عام تم منع مسلسل «فنجان الدم» وكان السبب احتجاج بعض القبائل وتحفظها على مضمون، ومنع خوفا من النعرات القبلية، أو من إثارة فتنة كما قيل.
اليوم يدخل مسلسل جديد «القعقاع بن عمرو التميمي» دائرة الضغط ومحاولة منعه ومن نفس البوابة «الفتنة»، لكنها فتنة طائفية مخلوطة بالقبلية أيضا؛ لأن المعارضين يرون أن المسلسل يحمل أخطاء ويشوه التاريخ، فمع الإعلان عن العمل بدأت سلسلة من الاتهامات، ثم ارتفعت وتيرة الهجوم عبر قراءات للعمل من البعض، وكانت القراءات تتهم المسلسل بأنه يحاول إثارة الفتنة الطائفية، وأنه يشوه صورة الصحابة، مع أن المسلسل حمل موافقة لجنة شرعية موثوقة «الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور سلمان العودة»، بالإضافة إلى بعض العلماء.
كاتب العمل محمود الجعفوري نفى نفيا قاطعا بأن يكون هناك تشويه وتحريف أو إساءة، وأنه عاد للمراجع التاريخية الموثوق بها قبل كتابة العمل، وأن كتابة العمل استغرقت 10 شهور بشكل كامل وموثق ومنقح شرعيا وتاريخيا، وأنه أخذ بأكثر الروايات التاريخية المجمع عليها «مع أني لا أعرف ما المقصود بمجمع عليها، فالإجماع كلمة تقال لقمع الرأي الآخر فقط».
الحق يقال: إن مثل هذه الإعمال الدرامية هي لا تثير الفتنة، بقدر ما هي تكشف هشاشة العلاقات الإنسانية في المجتمع، ومستوى حجم التسامح بين أبنائه، وعدم رغبة المجتمع إغلاق ملفات الماضي بكل تناقضاته، وتقبل روايات التاريخ المتعددة.
فالتاريخ يروى من ثلاثة أطراف «مؤيد ومعارض ومحايد»، وكل منهم يروي جزءا من الحقيقة أو رأيه أو تخمينه، وإن كانت رواية المحايد الأقرب، إلا أنها ليست حقائق نهائية.
وإن لم يتقبل المجتمع روايات التاريخ الثلاث، ورفض التعامل معها على أنها وجهات نظر تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ، ستأتي كل مرة جهة ما تستغل هذا الاختلاف لتحوله لفتنة بين أفراد المجتمع؛ لأن كل فئة تعتقد أنها وحدها على الصواب ومن يخالفها كاذب أو مخادع أو محرف للتاريخ.
هذا على مستوى رواية التاريخ، على مستوى الفن، الفن لا يهتم كثيرا برواية التاريخ بالدقة التي يقوم فيها المؤرخ، بقدر ما يعمل على عذابات الإنسان وتناقضاته، بالإضافة إلى خيال المخرج الذي يلعب دورا كبيرا في العمل الفني.
بقي أن أقول: إن الطبيب ينصح الإنسان الهش بفيتامين «D»، فيما المجتمع علاجه من هذه الهشاشة بالتعددية، وبدون التعددية سيستمر المجتمع هشا، وقابلا للفتنة، والأهم أنه قابل لأن تستغله جهة ما دائما.
صالح إبراهيم الطريقي
المصدر: صحيفة عكاظ السعودية