بيت مال المواطنين

 

 

 

عدنان عبد الرزاق - سيريا اوول

 

 

 

«الكيّس من أدان نفسه وأعد لما بعد الموت»، ولا أظن من محاولات تمويت لسورية، كتلك التي تمر بها الآن، فحتى محاولات الذبح من القفا، مورست على السوري، بعد أن تكررت الفتوحات القولية من بيع آمال وشراء زمن، رغم أنهما بضاعتان كاسدتان في أسواق "الربيع العربي" السوداء، وخرجت-الأقاويل - حتى عن أعراف وتقاليد نباح من اتخذوا لأنفسهم منابر لاستمالتنا إلى صفوف فتوحاتهم، فلم يتركوا معنىً لقيطاً يغشاها .

دروس الأزمة، ومن قبيل ربَّ ضارة، أكثر من أن تحصى، لعل التعرية وإسقاط وريقات التوت عن عورات أشخاص ومواقف وحتى دول، في الداخل والخارج، كان أهمها. ما يفرض، طمعاً بالكياسة ، إعادة النظر في الأشخاص والمواقف والخطط، فنحن من " أكل العصي وغيرنا من تاه في عدها "،  والسوريون من دفعوا الثمن حتى من دمائهم المسودة من فرط الانتهاك على يد لؤماء القوم وأرذلهم فعلاً في الأرض .

قد، لم تُفرغ الأزمة كامل حمولتها بعد ولم يظهر الخيط الأبيض ربما وإن غدا التفريق بينه وبين الأسود واضحاً لكل ذي رشد ولب، لكن هذا لا يبرر لأولي الأمر منا الاستمرار في مسك العصا من المنتصف، وأخص في الاقتصاد ومصائر الشعب الذي كان خلال الأزمة بكل ارتداداتها، الأكبر والفيصل، حتى أثناء صمته عن قول الحق في وجه " أخٍ جائر " طمعاً بالحياة التي غدت مكسباً في هذا الزمان الأكثر ضراوة وعهراً ورخاوة .

مبررة الحيرة والتردد في زمن اللامعقول هذا، وقد يُشفع للتأجيل أيضاً، إلا إن كان طرف المفارقة هو الإنسان وكان الإنفاق من بيت مال المواطنين ووصلت حدود المقامرة لبطن جائع ودواء مريض وعزة عزيز آثر العزة ولم يرمِ بحجارة قلاع وطنه أو يأكل من  أثداء حرائره .

في هاتيك الحالات، لا مبرر لتراخي من تنصّب على الكراسي وليس من عيب يطالنا إن خرجنا إلى أبعد من حدود المعارضة اللفظية، فأعذارهم فقدت أرصدتها في مصارف " حقنا و بدنا نعيش " وتعاظم- في الآن ذاته – رصيد السوري الذي آثر سوريته على كل مادي وأحياناً معنوي وخيّب مراقبيه لشدة تعايشه وفق تماهي الجزء بالكل .

الكلام عن تخبط معظم صنّاع القرار الاقتصادي شهي وشائق، إن لما يتعلق بالتهاون مع سيادة ليرتنا التي أكل تضخمها نصف مداخيل وأجور العاملين أو حتى لحالة التسيب والاستغلال اللذين يلفان الأسواق ويلزمان المستهلك بضرائب فرق سعر العملة وتقشف إلزامي، ليس له في أسباب استفحالهما لا ناقة ولاجمل .
بيد أن ثمة ما هو أخطر وإن لم يك أكثر إلحاحاً لجهة سرعة الإجرائية، وهو حالة ما أسمته الحكومة المنحلّة بالانفتاح وما كان لزوم ما يلزم لخططها للدخول إلى ملاعب الشمال...من انفلاش وشراكات ولبرلة ومشية عصافير أيضاً .

لماذا الآن ومن المقصود، سؤالان من حق القارئ طرحهما في طرح ربما يجوز، أو يفهم منه الوجهان .
الآن لأن ضبابية الأزمة انقشعت عن المواقف، وأخص لجهة الدول التي دخلت سوريتنا من أبوابها الواسعة، فمُدّ لها السجاد الأحمر وقلعت أعين مدننا وأولها العاصمة، في مشروعات واستثمارات غلبت عليها الشكلانية والسياحية، قُدمت وقتذاك لأسباب عدة، قد لا تكون الرشى و"طعمي العين لتأمن الحقارة أو تضمن السمسرة.." أولها .
والآن أيضاً لأن معظم الأبواب والسبل، بدأت تضيق وتغلق في وجه السوري، فالأزمة التي شيئ لها أن تمزق وتتأخر، تأخرت وإن خاب رجاها في التمزيق .
والآن لأن الغرق والمكوث فوق الأزمة لن يزيدها إلا تأزماً، فالخروج إلى مالايتوقع الآخر، أناقة سياسية واقتصادية في آن، هذا إن لم ندخل" الآن " ضمن حق السوري الذي بدد أو اغتصب أو تم التساهل في تضييعه .

أما من المقصود، فهو كل مستثمر، شخصاً كان أم شركة ودولة، حصل على ميزات، بحكم المنفعة أوالجيرة أو الأخوة، لم يحلم بها ابن البلد، وقدمت له الحوافز والإغراءات وكأن استقطابه سيضفي على سوريتنا مصداقية تهدد الصين وتقض مضجع استثمارات ماليزيا .

خلاصة القول: لا أعتقد من الفانتازيا في شيء عقد مؤتمر للاستثمار الآن تكون خلاله الميزات والإعفاءات لابن البلد، مقيماً كان أم مغترباً، ليبنى المؤتمر على أنقاض المشروعات الاستثمارية المتوقفة أو المنسحب مستثمروها وعلى إعادة بناء الخراب الذي لحق بالبنية التحتية جراء الأحداث المؤلمة، ففي ذلك  أهداف إن بدأت من تأمين فرص عمل للعاطلين المتزايدين الذين يتلقفهم الآخر مستغلاً عوزهم وحاجتهم، لا ينتهي عند إدخال أرقام إلى بيانات هيئة الاستثمار التي يحق لها وفق قوة القانون، إلغاء تشميل وفسخ عقد ترخيص، إن خالف متقدموه الشروط العقدية وزمن التنفيذ أحدها .

أما إن خطر لقارئ سؤال، ومن سيأتي ليستثمر في منطقة تغلي سخونة، فالإجابة على ما أعتقد تتجلى في طرائق جذب وإغراء وإعفاء أولاد البلد وتتأتى من منفعة صاحب رأس المال الذي يقدر ويحسب حجم استفادته الآن ويقارنها بما قبل، وقت تقنّع المومسون بثياب مستثمرين حريصين، فأخذوا من الاستثمارات عيونها وضيقوا حتى البلد على بنيها،  فلم يطيعوا حاجاتهم ولم يرضوا شعائرهم في عبادة الجسد على نحو ما أملي عليهم وطلب منهم .