"بيرزيت" تخسر رياديتها!

 

وحدة حال تجمعني والرئيس الثالث لجامعة بيرزيت, د. خليل الهندي؛ هو أول رئيس لاجئ من الطنطورة - حيفا, وهي جارة مسقط رأسي الطيرة - حيفا.. لكن المهم أننا ولدنا في العام نفسه 1944.
وحدة الحال لا تكفي دون "وحدة الهدف" الأكاديمية التي لخصها الرئيس بعبارة بسيطة - جامعة, وهي: آن أن تصبح الجامعات الفلسطينية جامعات حقة!


أهذا هدف ممكن أم طموح صعب؟ الجامعة هي, أولاً, عراقة وتقاليد, وأعرق جامعاتنا بالكاد تخطو نحو عقدها الرابع (بعد قليل من السنوات ستناهز جامعة دمشق القرن من عمرها).


لكن, لدينا في جامعاتنا الفلسطينية والعربية نمو كمي أولاً, أو تضخم في عديد الطلاب لا يساعد على إرساء تقاليد جامعية. شعب فتي يتشكل وبلاد تتشكل, ومن ثم فالعلاقة بين الجامعة والمجتمع (والجامع أيضاً) تبدو في علاقة نمو غير متوازنة, أو عكرة, أو قيد التأسيس في الأقل.


جمعنا رئيس الجامعة, كتاباً صحافيين في الأساس, للمشاورة في ظاهرة مقلقة, وهي العنف الذاتي الداخلي في علاقة الطلبة بأنفسهم, وفي علاقتهم بإدارة الجامعة. من قبل استشار في الموضوع قادة فصائل للغرض نفسه.


مداخلات الزملاء لم تسمح لي في الوقت للاستماع إلى مداخلة رئيس الجامعة.. للأسف. وأربعة من كتاب صفحة الرأي في "الأيام" قد يفضلون تناول مداخلاتهم.. ومن ثم, فإن مداخلتي تطرقت إلى أساسيات أزمة جامعة بيرزيت بشكل عام.


في الحقيقة, اعترضت قبل أكثر من ربع قرن على تعدي الطلاب جسدياً في جامعة بيرزيت على أستاذهم سري نسيبة, وقبل سنوات على تعرضهم العنيف (رشق بالحجارة) للسيد ليونيل جوسبان, وأيضاً على ركاكة أكاديمية لا تليق بأعرق الجامعات الوطنية..

جامعة بيرزيت في مسار انحدار نوعي في خصائص ريادية أربع كانت تمتاز بها, وهي: ريادة أكاديمية, فقد سبقتها في التصنيف الجامعي العربي والدولي جامعة النجاح والجامعة الإسلامية في غزة.
الريادة الوطنية, خاصة في الانتفاضة الشعبية الأولى والتعليم الأكاديمي الموازي بعد إغلاق الجامعات. هذه الريادة صارت موضع شك لطغيان الهم الفصائلي على الهم الوطني. الريادة الديمقراطية’ حيث أرست جامعة بيرزيت نظام التمثيل النسبي في مجالس الطلبة, وهو ما أخذته عنها بقية الجامعات.. ولا تزال تعمل به ولكن ليس بالكفاءة المطلوبة في علاقة مجلس الطلبة برئاسة الجامعة. للطلاب نظرة إلى الأزمة المالية والتمويل, ولرئاسة الجامعة نظرة أخرى.. ومن ثم, وصل الأمر إلى قيام الطلبة بإغلاق الجامعة أحياناً, رئيس الجامعة يطرح سؤالاً: كيف لشعب يعاني القيود أن يلجأ للقيود لإغلاق جامعته؟
.. وأخيراً’ تبقى لجامعة بيرزيت (وأيضاً لجامعة بيت لحم) ريادة ليبرالية معينة, لأن منتسبيهما يشكلون عينة وطنية في جامعة ليبرالية - مسيحية في الأصل, لكن الهامش الليبرالي يتآكل مع موجة محافظة تضرب المجتمع.


هناك جذر سياسي (مسألة وطنية) وآخر اجتماعي وثالث تربوي لفهم علاقة تتسم بالحدة والعنف تسود الجامعة, فإن غالبية الطلبة تأتي الى جامعة ليبرالية نسبياً من مجتمع قروي محافظ ينظر للاختلاط نظرة ارتياب وشك.. لكن الجذر الأساسي للعنف الكلامي والجسدي في الجامعة (والجامعات الفلسطينية) يتأتى من صرامة الانضباط المفروض في المدرسة, التي تمارس نوعاً من القمع باسم التربية, فيرد الطلبة بأشكالٍ من التفلت باسم الحرية.. ومن ثم يأتي هذا الانفلاش في ممارسة حرية أكاديمية.


سألت عن النشاطات اللامنهجية التي تستوعب شيئاً من طاقة موفورة لطلاب شباب, يعانون ضغطاً وطنياً واجتماعياً, فقيل لي إنها تجري يومي الأحد والجمعة بعد الرابعة مساءً (مسرح, سينما, موسيقى فولكلورية.. وأيضاً نشاطات رياضية) هذه فرصة لكن معظم الطلبة ينتهزونها عطلة للراحة والعودة إلى بلداتهم وقراهم.


معظم المشاركين في هذا النقاش الحيوي هم صحافيون حالياً, لكنهم من قبل كانوا طلبة جامعات مروا في مرحلة جيشان وعنف وطني - سياسي في الغالب أي جيل ستينيات القرن المنصرم زمن الثورة الطلابية العالمية.


لديهم بالطبع ما يقولون, وبخاصة أن قسماً منهم، إضافة إلى الكتابة, على مقربة شديدة من الهموم الأكاديمية كمدرسين في الجامعة نفسها أو جامعات أخرى.
ليس في كل اللغات لدينا هذا التقارب اللغوي بين الجامعة والمجتمع.. والجامع. علاقة حيوية ومعقدة أيضاً. أعتقد أنه في زمن الرئيس العاشر قد تتشكل لدينا تقاليد تجعل الجامعة جامعة أولاً.

 

صحيفة الأيام - حسن البطل