بيقولوا الوقت بيقتل الحب...


 
 هيام حموي. البعث

 


في حساب الزمن : الفمتوثانية =1 على الرقم "واحد" وأمامه 15 صفر /من الثانية... هذا هو الحاضر، وربما أقل... وهذا ما نال عنه العالم العربي أحمد زويل جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999، لكونه استطاع تصوير ذرّات المواد التي تتحرّك بالسرعة الزمنية المذكورة أعلاه.
ومن رواية "تكوين العالم" la création du monde ، للكاتب الفرنسي جان دورميسون عضو الأكاديمية الفرنسية.



جاء على لسان إحدى الشخصيات في الرواية:

“... المستقبل مخيف لأنك لا تعرفه ولأنه آت لا محالة. ولأن ما لا نعرفه يثير القلق فينا دوما.
والماضي قاسٍ لأنك عرفته ولأنه غادرك إلى الأبد... على جانبي حاضرك الهش، يقف وحشان ظامئان، الماضي والمستقبل، ينتظران ابتلاع عصارة الزمن. الأول ـ المستقبل ـ يتحرق شوقا للارتماء في أحضان الحاضر. والآخر ـ الماضي ـ فاغر فاه لالتهام الحاضر ذاته. بمجرد أن يتحول المستقبل إلى حاضر، يكون الماضي قد أتى عليه: ما تسمونه "الحاضر"، أنتم البشر، ليس سوى الهامش الضيق، حبة الرمل، الشعرة الهزيلة التي تفصل ما بين الماضي والمستقبل. بعبارة أخرى، يمكن اعتماد نظرية أن الحاضر غير موجود...
...أنتم تمضون حياتكم داخل شيء غير موجود تسمونه الحاضر...الزمن هو نسيج الكون.
الحياة لغز على البشر أن يجدوا حله...

 

 

 
في البدء...حين كان الزمن يستعد للبزوغ من رحم الانفجار الكوني الأولي، لم يكن للماضي أي وجود، المستقبل وحده كان موجودا. التاريخ لم يبدأ بالذكرى، بل بدأ بالوعد. لم يكن هنالك ما يجب تذكّره، كان كل شيء مفتوحا على الأمل، وأول تصنيف للوعي التاريخي لم يكن الذكرى، وإنما الإشعار بالحدوث، الانتظار، الوعد. لكن مع جريان الزمن ومع تطور الكون انطلاقا من بروز "رأس الدبوس"(إشارة إلى بدء الخليقة)، بدأ المستقبل الرحب بالانكماش، وانقلب الوعد إلى ذكرى، فيما انتفخ وعاء الماضي.
ما الكون سوى آلة لإنتاج الماضي.

 


في الأصل، كان المستقبل هو الكل والماضي لا شيء. في النهاية، لن يكون هنالك مستقبل والماضي سيصبح هو كل شيء. التاريخ في المحصلة ليس إلا صراع بين الماضي والمستقبل حول اقتناص لحظة راهنة موجودة دائما وأبدا ومع ذلك غائبة على الدوام..."

 


وماذا بعد كل هذه الفلسفة الزمنية؟ تقول أرقام الإحصائيات المتداولة أن الطلاب المسجّلين في كليات الفلسفة وغيرها من العلوم الإنسانية في الجامعات العربية أكثر بكثير من أولئك المسجّلين في الكليات العلمية، ومع ذلك فإن فلسفة الحاضر غير مدروسة علميا في حياتنا اليومية، فأجيال الحاضر الراهن عربيا تبدو متخصصة في قتل الوقت بقدر ما هي بارعة في قتل الحب، وتدمير مكوّنات الجمال الداخلي والخارجي، بالإساءة للجسد والروح، وبمشاركة الهيئات التربوية المحيطة، بدءا من الأسرة التي تبدو في معظم الأحيان مستقيلة من مهامها، وكأنها سلمّت بالأمر الواقع واستسلمت لمن عرف كيف يملأ الفراغ على طريقته، وسنترك فراغا بعد هذه الكلمات ليملأه كلّ قارئ على طريقته...


وبعد الانتهاء من تمرين ملء الفراغ، نقترح أغنية فيروزية أخرى: "حبني اليوم وانساني بكرا"...
هكذا نضمن أن الوقت لن يقوى على قتل الحب، ربما...