تساؤلات حول تفوق الدراما السورية؟

كندة علوش في أهل كايرو

في الوقت الذي ظهرت فيه المشاكل التي تعانيها الدراما التلفزيونية السورية خلال الموسم الرمضاني الحالي للعلن، عادت الروح للدراما التلفزيونية المصرية التي تميزت هذا العام بكم كبير في الأعمال وبجرأة في طرح المواضيع، وبسوية تقنية رفيعة.

وتجمع الأوساط المهتمة على أن الموسم الدرامي السوري الحالي، شهد أكبر تراجع له على صعيد النوع، على الرغم من أن عدد الأعمال المنتجة هذا العام قارب الثلاثين عملاً. فالمواضيع في معظمها استندت إلى نجاحات سابقة لنوعيات معينة من المسلسلات، والتقنيات راوحت في مكانها باستثناءات قليلة، ولم تقدم الدراما السورية منذ سنوات أي وجوه جديدة تبشر برفد هذا الفن بعد أن تعبت المسلسلات من تكرار وجوه الأبطال المحصورين بعدد أصابع اليد الواحدة.

 

ولكن أين تكمن المشكلة؟

 

ترى وجهة نظر يتبناها عدد لا باس به من صناع الدراما السورية أن المشكلة تكمن في قوانين سوق الإعلان التي تتحكم بها بعض الفضائيات العربية المعروفة والتي تسعى لتكريس نمط معين من المسلسلات لا يقترب من القضايا الجوهرية ويكتفي بتسطيح الأمور وقولبتها في لونين أبيض وأسود، وهذا النمط من المسلسلات بدأ يسيطر على الدراما السورية بفعل فاعل.

ويرى هؤلاء أن الحل هو في التحرر من قوانين الفضائيات العربية الخليجية الصارمة، والاتجاه إلى السوق المحلية عبر انطلاق الفضائيات السورية، وخلق سوق إعلانية محلية قادرة على تمويل هذه الأعمال، عندها فقط نستطيع أن نتحدث عن دراما سورية متحررة من قوانين أي سوق خارجية.

ويستشهد أصحاب وجهة النظر هذه بنهضة الدراما التلفزيونية المصرية التي تجلت بأبهى مظاهرها هذا العام، إذ بلغ عدد المسلسلات التي أنتجت في مصر حوالي من 50 مسلسلاً تعرض جميعها على القنوات المصرية، والتي انتشرت إعلاناتها في الشوارع المصرية بشكل كبير جعل الخبراء يقولون إن سوق الإعلانات المصرية هي الأسرع نمواً في المنطقة.

وهذا بدوه انعكس إيجاباً على المسلسلات المصرية التي وجدت نفسها متحررة من لوائح الممنوعات الصارمة لإحدى الدول العربية، والتي كانت المسلسلات تكتب وتمثل وتخرج على مقاسها. هكذا رأينا مسلسلات تدخل في عمق المواضيع مثل "الجماعة" و"أهل كايرو" و"ملكة في المنفى" و"زهرة وأزواجها الخمسة" و"عايزة أتجوز" وغيرها، ولا تأخذ بعين الاعتبار إلا حاجات الجمهور المصري، باعتباره هو المتحكم بسوق الإعلانات التي تستهدفها المحاطات العارضة.

وليس أدل على ذلك من تناول موضوع جماعة سياسية محظورة برؤية جديدة لا تدين ولا تمتدح، وتناقش الموضوع بشكل يحترم عقل المشاهد.

أو تناول موضوع الفساد المالي والسياسي  في أوساط الطبقة المخملية في المجتمع المصري بذهنية جديدة واعية وشديدة الشجاعة والذكاء، ترى عمق المشكلة وليس قشورها على طريقة الكوميديا التخديرية التي تحول المشكلة على مادة للضحك.

أو تناول سيرة حياة شخصية عامة مثل الملكة نازلي دون الوقوع في مطب الانتقائية المقيتة. أو تناول موضوعات تشغل بال الشارع كالحب والنقاب وغير ذلك، بعيداً عن المواقف المسبقة، والآراء الجاهزة.

 

وقد لاحظ المراقبون أن العقلية الجديدة التي بدأت تنتشر لدى صناع الدراما المصرية، هي التي فتحت لها الآفاق على مواضيع جديدة وأبطال ومخرجون جدد، حتى لو تم في الاستفادة من الخبرات السورية والوجوه السورية التي أحبها الجمهور العربي.. ويرى المراقبون أن هذه العقلية المنفتحة التي كانت تفتقر إليها الدراما المصرية قبل خمس سنوات على الأقل، هي التي ساهمت في نهضة الدراما المصرية، وأنعشتها بعد أن شارفت على الموت قبل سنوات قليلة.

 

ويعزو المراقبون هذا الانفتاح المصري إلى التجربة السورية التي سبق وانفتحت على التجارب العربية الأخرى، فحظيت بآفاق جديدة، ولذلك لم يعد حسب أصحاب وجهة النظر هذه، لدى الدراما السورية ما تنافس به سوى أن تفتح آفاقاً جديدة، وتتخلص من عبء القوانين والرقابات غير السورية التي تتحكم بها.

 

ويشير بعض المهتمين بشؤون الدراما السورية إلى سبب آخر من أسباب التراجع، وهو هجرة نجوم الدراما السورية إلى الدراما المصرية التي أحسنت استخدامهم ودللتهم بحيث بات من الصعب عليهم العودة إلى أجور الدراما السورية المنخفضة، هذا ناهيك عن التعامل معهم كمشاهير في مجتمع يحترم الشهرة.. بالإضافة إلى انشغال بعض الأسماء السورية التي تعتبر من ركائز النهضة الدرامية الوطنية بأعمال بدوية وغير بدوية ترضي شريحة معينة هي الممول ذاته.

وقد أدى خروج هذه الأسماء الإخراجية من ساحة التنافس الرمضاني منذ أكثر من عامين على تراجع سوية الأعمال وغياب المنافسة التي تخلق حالة من التفاعل الايجابي الذي يخدم الدراما السورية.

 

وثمة مشكلة أخيرة يتحدث عنها المهتمون بأسى، وهي عدم ظهور نجوم جدد بسبب خشية المخرجين من دفع أسماء جديدة من شأنها أن تغني الدراما السورية، وتنوع في خياراتها الفنية بدل تكرار الأبطال في أكثر من مسلسل. ويعيد المراقبون هذه المشكلة إلى عدم قدرة المعهد العالي للفنون المسرحية على استقطاب الوجوه الجديدة الواعدة منذ سنوات.

 

والحلول:

 

ثمة وجهة نظر يتبناها بعض العاملين في الدراما السورية، وعلى رأسهم المخرج حاتم علي، تقول إن مشكلة الدراما العربية أنها قطرية الطابع، ولذلك يدعو أصحاب وجهة النظر هذه إلى الوصول إلى دراما عربية خالصة متحررة من القطرية على صعيد الإنتاج، مع التأكيد على عدم التخلي عن المواضيع المحلية المتعلقة بخصوصيات هذا القطر العربي أو ذاك. ولكن منتقدي وجهة النظر هذه يقولون إن المشكلة ليست في الإنتاج العربي المشترك بل في تحكم سوق إعلانية معينة بكل توجهات الدراما العربية، إذ أنها هي التي تحدد أولويات الدراما التي تريدها وحدودها ومقاييسها التي تريدها على نمط معين.

ولذلك فالحلول التي يطرحها بعض العاملين في الدراما السورية تقول بضرورة وجود فضائيات سورية متنافسة تغطي السوق الإعلانية المحلية، وتنطلق من عمق المواضيع السورية، وتلبي حاجة الجمهور السوري أولاً ثم الجمهور العربي ثانياً.

 

تيسير أحمد- شام نيوز