تظاهرات الشباب قسّمت الفضائيات العراقية

كرست التظاهرات الأخيرة التي انطلقت في مدن العراق للمطالبة بالإصلاح السياسي واقع الانقسام في الخطاب الإعلامي في وسائل الإعلام العراقية عموماً، والقنوات الفضائية خصوصاً، بين مؤيدة ومساندة للحكومة وأحزابها، وأخرى تحرض على الوقوف ضدها فيما غاب الخطاب المعتدل نسبياً بين الطرفين.
وعلى رغم أن الفضاء العراقي يضم اكثر من 40 محطة تلفزيونية، إلا أن واقع الحال كشف عن صعوبة إنتاج خطاب إعلامي متوازن في ضوء تبعية غالبية تلك المحطات لأجندات سياسية وتباطؤ الإعلاميين العراقيين في الدفاع عن استقلاليتهم بحيث لا يمكن النظر إلى تلك الوسائل الإعلامية بمعزل عن التوجهات السياسية والثقافية وحتى المذهبية للمؤسسين لها أو القائمين عليها أو حتى العاملين فيها.
وكان من اليسير خلال أزمة التظاهرات في 25 شباط (فبراير) الماضي تلمس التباين الكبير بين موقفين، احدهما لقنوات مثل «العراقية» (رسمية) و «آفاق» (حزب الدعوة) و «الحرة» (عراق – أميركي)، والتي اهمل بعضها التظاهرات بشكل كامل وحاول آخر الدفاع عن اتهامات الحكومة لمنظميها بأنهم بعثيون يحاولون قلب نظام الحكم, وبين موقف آخر لقنوات مثل «الشرقية» و «البغدادية» اللتين يمتلكهما أفراد وميولهما ليبرالية، و «الرافدين» المقربة من هيئة علماء المسلمين (سنية)، إذ خصصت كل وقت بثها تقريباً للتظاهرات واتهمتها الحكومة والأحزاب بالتحريض عليها باستخدام أناشيد وأغان تحض الأهالي على التظاهر وبرامج وصفت بأنها عدائية.
واللافت أن قناة ذات توجه إسلامي (شيعي) مثل «الفرات» التي يمولها «المجلس الإسلامي الأعلى» كانت صنفت هي الأخرى رسمياً من ضمن القنوات التي شجعت التظاهر بتحفظ بسبب التوتر السياسي الذي يجمع الحزب الممول لها بحزب الحكومة «الدعوة».
ويرى الإعلامي مرتضى الجشعمي أن «مصادر التمويل هي التي تتحكم بتحديد مسار المؤسسة الإعلامية وشكلها». ويقول لـ «الحياة»: «إذا ما اردنا إيجاد وسيلة إعلام مستقلة تماماً تنقل الوقائع كما هي من دون تشويه أو تجميل فلا بد من توفير رأس المال الحر. لكن العمل الإعلامي في البلاد يؤكد أن لا حياد في العمل إلا في ما ندر».
في المقابل، يؤكد الناقد والمحلل السياسي حسن الخفاجي أن «الإعلام سلطة رابعة مستقلة كبقية السلطات الثلاث (التشريعية – التنفيذية – القضائية) ومبدأ الاستقلال بالنسبة إلى السلطة الرابعة جوهري ولا يجوز المساس به، ولا بد من تحقيق الاستقلال المالي للمؤسسات الإعلامية اعتماداً على المساهمين وعلى الإعلانات أو الاستثمارات في مجالات أخرى».
لكن هذه الاستقلالية النظرية تشوبها أحياناً توجهات المساهمين في ملكيتها أو إدارتها، وهو ما يحصل في العراق حيث تعود ملكية غالبية المؤسسات الإعلامية إلى أحزاب سياسية وتيارات دينية تتغير مواقفها تبعاً لقربها أو بعدها من مصادر القرار أو شخصيات وتيارات رافضة للعملية السياسية برمتها، ما ينعكس سلباً على شكل نتاج تلك المؤسسات الإعلامية ومضمونه.
ويقول الخفاجي: «العوز الذي يعانيه الصحافي العراقي وظفته تلك الجهات لمصلحتها من خلال استقطابه مقابل أجور عالية، وهذا ما يجعله يتغاضى عن أهداف المحطة وتوجهاتها». ويتابع: «التظاهرات الأخيرة أظهرت أن لا وجود لمحطة تلفزيونية محلية أو فضائية عراقية تعمل بحياد أو باستقلالية، وهذا مؤشر خطير لا بد من الانتباه إليه والعمل على تأسيس محطة مستقلة في كل شيء لضمان حياديتها في نقل المعلومة أو الأحداث».
ويؤكد عضو لجنة العلاقات الخارجية في نقابة الصحافيين العراقيين حسن العبودي لـ «الحياة» أن «هناك قنوات عراقية تعمل بحياد واستقلالية، وخير مثال على ذلك أنها نقلت الأحداث كما هي خلال التظاهرات الأخيرة في ساحة التحرير وهذا بحد ذاته مؤشر جيد لكنه بحاجة إلى دعم وجهود اكبر». وأضاف: «نطمح إلى إيجاد محطة تلفزيونية مستقلة غير مرتبطة بأجندة حزبية أو سياسية ممولة من المال العام».
وتعبير «المال العام» عادة ما يرتبط في العراق بما يمكن أن يطلق عليه «هبات حكومية» حيث يتهم بعض الصحافيين والإعلاميين نقابتهم بتكريس الهبات الحكومية، خصوصاً بعد إعلانها أخيراً وبعد يوم من التظاهرات صرف مكافآت لنحو ألفي صحافي وإعلامي مقدمة من رئيس الوزراء.
احد الإعلاميين العاملين في إحدى القنوات الفضائية العراقية رفض الكشف عن هويته يعلق بالقول إن «الصراع الذي تعيشه الأحزاب والتيارات الدينية المختلفة التي فرضت نفسها على المشهد العراقي بعد سقوط النظام السابق أوجد حال الانقسام والعداء حتى بين الإعلاميين انفسهم»، موضحاً أن «لكل حزب أجندة معينة يحاول تطبيقها على ارض الواقع من خلال المحطة أو المؤسسة الإعلامية التي يسيطر عليها مادياً». ويضيف: «في المقابل نجد أن القنوات شبه الرسمية مثل القناة العراقية التي يفترض أنها ممولة من المال العام وليست تابعة لحزب باتت اقرب إلى أن تكون بوقاً للسلطة بسبب إغداق الأخيرة عليها بالمنح والامتيازات الخاصة». ويشير إلى أن «حال الانقسام بين المؤسسات الإعلامية العراقية ظهرت مع سقوط النظام، ولن تنتهي إلا في حال تبنت مجموعة من المحترفين في مجال الإعلام من أصحاب رؤوس الأموال تأسيس محطة حيادية مستقلة ذات تمويل مالي ثابت».
شام نيوز – الحياة