تعدد الأوطان والزوجات

أطلق الاعلان عن فيدرالية برقة في الشرق الليبي مختلف انواع الكوابيس المزعجة، التي تراود العقل العربي كلما ورد ذكر تلك الكلمة المخيفة، المرادفة للتقسيم والمعادلة لأسوأ ما تحفظه الذاكرة السياسية العربية منذ اواخر القرن التاسع عشر.
ولم يكن الانزعاج يقتصر على السلفيين القوميين الذين كانوا وما زالوا يرون في المنطقة الممتدة من المحيط الى الخليج وطنا واحدا لا يفرّقه عرق او دين، ولا تعطل وحدته المصيرية سوى بعض التفاصيل الهامشية، مثل حرب أهلية هنا وتفكك مجتمع هناك وانهيار دولة هنالك، وإسناد الحلم التاريخي القديم الى اللغة وأدواتها ووسائل نقلها اكثر مما تعتمد على مضمونها وجوهرها.
ولم يكن الرعب ينحصر بفلول الأنظمة العربية المتهالكة الذين كانوا وما زالوا يعتقدون، ان الثورات العربية ليست سوى ترجمة لذلك المخطط الغربي الذي يهدف الى تفتيت العالم العربي الى اكثر من ٢٢ دولة، بهدف تسهيل السيطرة على ثرواته ومقدراته، وترسيخ وجود دولة اسرائيل على ارض فلسطين... بالتعاون مع شريحة من المندسين في المجتمعات العربية وعلى رأسهم إلاسلاميون الذين تواطأوا مع الغرب على وراثة الطغاة وعقدت لهذا الغرض اجتماعات سرية بين الجانبين في المانيا وفرنسا وبريطانيا وأميركا، من اجل ان ينفذوا ذلك المخطط الرهيب!
كان العالم العربي، حسب هذا المنطق، يسير بخطة ثابتة نحو الوحدة، التي تعطلت بفعل الثورات العربية المشبوهة، والتي اطلقت العنان فجأة لجميع الحالمين العرب بالفدرالية التي كانت شرارتها الاولى عراقية، حيث اعتمدت الفكرة وصارت دستورا برعاية اميركية مباشرة، لكنها أشعلت حريقا يمتد من ليبيا الى اليمن مرورا بالسودان وصولا ربما الى سوريا... وقد لا يستثني مصر او غيرها من الدول المطمئنة الان الى وحدتها الوطنية!
البذرة زرعها الأميركيون، وهي تنبت اليوم على يد الثوار العرب الذين يعرقلون الوحدة القومية، ويهددون المشروع الوطني في بلدانهم ومؤسساتهم الحاكمة التي لم تعترف حتى ألان بالحروب الاهلية اللبنانية او السودانية او اليمنية او العراقية او حتى الفلسطينية، والمخاطر التي مثلتها بالنسبة الى الشعوب التي خاضتها والى الامة كلها.
لعله اقرب الى الكفر الزعم بأن ما جرى في ليبيا ليس تقسيما، وما يجري في اليمن ليس انفصالا، وما تم في العراق ليس انقلابا... ثمة شعوب عربية تريد ان تختبر الفيدرالية باعتبارها وسيلة لبناء دول ومجتمعات مستقرة اكثر من تلك التي انتجت الحروب الاهلية والفضائح القومية، من دون ان تتخلى عن الهوية الوطنية، ولا حتى عن الطموح العربي، الذي كان خياليا، لكنه لم يكن ولن يكون وهميا...
الفيدرالية مقلقة، لكنها ليست مخيفة، الا اذا جاء الرد عليها على طريقة رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل، الذي يهدد اقليم برقة باستخدام القوة، مثلما سبق له ان وعد في خطاب النصر على القذافي بتعدد الزوجات.