تفجيرات دمشق: أي دور أميركي منسق خليجياً؟

 

توفيق جراد - الوطن

مع دخول الأزمة في سورية شهرها العاشر، والمثل عند العامة يقول «إذا عشّرت بشرّت» ما يعنى أن الأزمة أخذت سبيلها إلى الانحدار، وإن كان هناك من يرفض هذه القراءة ويرى أن الأزمة قد أخذت وجهاً آخر، في ضوء إعلان الإخوان المسلمين مسؤوليتهم عن التفجيرات قبل أن يتراجعوا عما نسب إليهم، ما يشير إلى أن هناك المزيد من الصراعات المؤجلة.

وما دخول تنظيم «القاعدة» على خط الأزمة، بالتفجيرات التي استهدفت مقار أمنية يوم الجمعة الـ23 من كانون الأول 2011، إلا دلالة على أن الأزمة قد دخلت منعطفاً من الشدة يصح معه القول: «أزمة اشتدي تنفرجي».

وهذا يشير أيضاً، بعد الزيارات التي قام بها عدد من قيادات هذه الجماعة إلى واشنطن يتقدمهم الشيخ راشد الغنوشي 30/11/2011 حيث جرت في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» مطارحات وصفها المدير التنفيذي للمعهد «روبرت ساتلوف» بأنها اتسمت بـ«روح المصارحة والمحاسبة» In the spirit of openness and accountability وما رافق هذه الزيارة من قول للسيد الغنوشي: إن «الدستور التونسي لا يمنع إقامة علاقات مع إسرائيل»، إلى أن الباب مفتوح أمام رهط من المتدخلين الذين يرون في احتضان سورية لحركة المقاومة، من جهة، وما تمثله إيران من عمق إستراتيجي أضيف إليه العراق بعد أن غادره الأميركي بعد تسع سنوات من الاحتلال، من جهة أخرى.

ولعل أول المتدخلين إضافة إلى الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل باعتبارها أبرز المستفيدين من إنهاك سورية، دول «الناتو الصغير» مجلس التعاون الخليجي التي كانت «توجه إنذاراً» لسورية، في «إعلان الرياض» الصادر عن قمتها الثانية والثلاثين يوم الثلاثاء20/12/2011 وهو إنذار لا يعدو كونه «صوتاً قطرياً» الذي سمعناه غير مرة من خلال موقفها المعادي لسورية. وهو عداء، وإن انضم إلى موكبه كثير ممن تضرروا في لبنان من موقف سوري من حركة المقاومة وخاصة «حزب الله»، فإن منطلقه رفض سورية التفريط بالقضية الفلسطينية وإن فرط بها النظام العربي، واعتبار هذا النظام أن إيران هي «العدو البديل»، وليست إسرائيل.
في ضوء هذا التقدير كتب «ألستر كروك» Crooke Alastair في صحيفة الغارديان البريطانية يوم الـ4 من تشرين الثاني الماضي: إن مسؤولاً سعودياً كبيراً أبلغ رئيس طاقم نائب الرئيس الأميركيً السابق ديك تشيني، منذ بداية الاضطراب في سورية بأن الملك يعتقد بأن تغيير النظام في سورية مفيد جداً highly beneficial للمصالح السعودية، وأن «الملك يعلم أن لا شيء، غير انهيار الجمهورية الإسلامية، يمكن أن يضعف إيران أكثر من خسارتها سورية».

ومن ثم فإن أحداً لا يعتقد أن سورية مرت بمرحلة لم تكن فيها هدفاً لمؤامرات مختلفة قبل أو بعد الاستقلال لأسباب بعضها مرتبط بالجغرافيا السياسية (الجيو بوليتيك) لسورية والبعض الآخر مرتبط بمواقفها السياسية المتمسكة بمبادئها ومصالحها، حيث بات موقفها قدراً تصيبها الملمات ولكن مقدارها أن تكون عزيزة الجانب قوية مقاومة ومنتصرة، تخرج من المحن أكثر قوة مما مضى.
وفي كل الأحوال لم تعد الأزمة مجرد حراك احتجاجي ذي مطالب سياسية، بعد أن بلغت الأزمة إثر التفجيرات التي استهدفت موقعين أمنيين في ضاحية كفر سوسة يوم الثالث والعشرين من كانون الأول 2011، ذروتها، مسفِـرة عن استشهاد 44 شخصاً من مدنيين وعسكريين، و166جريحاً.
وفي هذا السياق ترى مجلة The Atlantic الأميركية الوجه الآخر للمحافظين الجدد أن المراوحة التي تتبعها دمشق بقصد إنهاك الطرف الآخر الذي يسمي نفسه معارضة، دفعت واشنطن إلى التأكيد أن يصل المراقبون العرب، الذين استقبلوا بعد ساعات قليلة من وصول طلائعهم إلى دمشق تفجيرات «جمعة رفض البروتوكول»، إلى المناطق الحساسة حيث الحضور العسكري، على أن يقتفي المعارضون السوريون في الخارج الخطوات التي اتبعت في التجربة الليبية، والانتقال بالحركة الاحتجاجية إلى العمل العسكري مستهدفاً المقار العسكرية ووسائل الاتصال.