تقرير أمريكي يقيم مستوى التدخل الخارجي في سورية

نشر مركز الدراسات الاستراتيجية الأمريكي "ستراتفور" مؤخرا تقريرا قدم فيه تقييمه لاحتمال إقدام الدول الغربية أو بعض الدول في الشرق الأوسط على التدخل العسكري المباشر في سورية بالإضافة الى تقييمه لمستوى التدخل الخارجي الخفي الذي تشهده سورية حاليا.
وأشار سكوت ستيوارت كاتب التقرير، الى ان شن عملية عسكرية مباشرة في بلد مثل سورية يتطلب العديد من التحضيرات التي لا يمكن إخفاؤها، مؤكدا انه لا توجد مؤشرات في الوقت الراهن على مثل هذه التحضيرات. مع ذلك ذكر الخبير الاستراتيجي ان الولايات المتحدة واسرائيل وحلفاء أمريكا الآخرين يشنون ما وصفه "ستراتفور" بـ"الحرب الاستخباراتية الخفية" ضد إيران، مشيرا الى استخدام مثل هذا الأسلوب في محاولة للمساهمة في إسقاط النظام السوري.
وتجدر الإشارة الى ان معظم خبراء مركز "ستراتفور" التي تطلق عليها الصحافة الامريكية اسم "وكالة المخابرات المركزية في الظل"، ضباط وموظفون سابقون في الاستخبارات الأمريكية.
وذكر ستيوارت في التقرير الذي جاء تحت عنوان "الأزمة السورية: تقييم التدخل الخارجي"، ان الاضطرابات المتواصلة وأعمال العنف والعمليات الأمنية التي تشهدها سورية تجذب اهتمام المجتمع الدولي منذ أشهر. وتابع قائلا انه وفقا للتقييم الحالي للمركز، فان الحكومة والمعارضة في سورية وصلتا الى طريق مسدود، عندما لا تقدر الحكومة على تهدئة الاضطرابات ولا تقدر المعارضة على إسقاط النظام دون تدخل خارجي.
وأعاد ستيوارت الى الأذهان تقريرا سابقا للمركز جاء فيه ان الولايات المتحدة وبعض حلفائها واسرائيل يشنون ما يعرف بـ"الحرب الاستخباراتية الخفية" على إيران ليس بهدف وقف برنامجها النووي فحسب بل لمنعها أيضا من تكوين دائرة نفوذ في المنطقة تشمل العراق وسورية ولبنان. ولتحقيق هذا الهدف تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها على الحد من النفوذ الإيراني في العراق وتقييد حزب الله في لبنان. ويضيف كاتب التقرير انه يبدو ان القوى المذكورة تبحث أيضا عن سبل لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد الذي يواجه اضطرابات داخلية في بلاده منذ شهر مارس/آذار الماضي. وأعاد كاتب التقرير الى الاذهان ان متحدثا باسم وزارة الخارجية الأمريكية وصف مؤخرا النظام السوري بانه "رجل ميت يمشي".
وقدم ستيوارت تحليله للوسائل المحتملة التي من الممكن أن تستخدمها تلك القوى لتنفيذ التدخل الخارجي الخفي من أجل إسقاط النظام السوري.
وشدد التقرير على انه لا يجوز مقارنة الوضع في سورية بما حدث في ليبيا. ورغم وجود بعض التشابه بين النظامين السوري والليبي والظروف التي رافقت توصلهما الى السلطة وأسلوبهما في إدارة البلاد، يشير كاتب التقرير الى ان الخطوط الفاصلة في المجتمع السوري لا تتطابق مع التقسيم الجغرافي للبلاد، حيث لا توجد في سورية منطقة مثل بنغازي الليبية، ليتمكن المعارضون من فرض سيطرتهم عليها واستخدامها كمعقل في حربهم مع النظام. ويضيف ستيوارت ان الانشقاقات التي حصلت في الجيش السوري تقتصر في معظم الأحيان على عسكريين منخفضي المستوى من الطائفة السنية. وتابع قائلا انه لا يمكن مقارنة الجيش السوري الحر بالانشقاقات الهائلة التي حصلت في الجيش الليبي ما أعطى للمعارضة الليبية قوة ملموسة في مواجهتها مع النظام.
أما السبب الثاني الذي يشير اليه ستيوارت لإظهار الفرق بين الأزمتين الليبية والسورية، فهو عدم وجود منابع نفط في سورية كتلك المتوافرة في ليبيا. ولذلك لا نرى ان يتجه الأوروبيون للتدخل في الشؤون السورية بحماس يشبه ما أظهروه خلال الحرب في ليبيا.
وأضاف كاتب التقرير ان القدرات العسكرية لسورية وبالدرجة الأولى قوة دفاعها الجوي، ستجر القوات الخارجية الى حرب مكلفة جدا ماليا وانسانيا، ويبدو ان الدول الأوروبية والولايات المتحدة غير مستعدة لتكبدها. اما الدول الأخرى المهتمة بسورية كالسعودية والأردن وتركيا فلا تستطيع اتخاذ خطوات عسكرية ضد سورية دون دعم أمريكي أو من حلف الناتو.
ورغم ذلك هناك العديد من الخيارات يمكن لحكومات أجنبية استخدامها ضد نظام الأسد تجنبا لتدخل عسكري مباشر أو عملية جوية بدعم من قوات خاصة.
وأشار ستيوارت الى ان سلسلة هذه الخيارات تبدأ من تصعيد الأنشطة الاستخباراتية في البلد المستهدف. وأضاف ان هذه الأنشطة تضم تعزيز العلاقات مع المعارضة أو تحريض الجنرالات على الانشقاق. وقد تتحول هذه الأنشطة في المرحلة الأولى من "الحرب الخفية" الى تنفيذ عمليات اغتيال وعمليات تخريبية. واضاف ستيوارت ان معظم الاجراءات التي استخدمتها الدول الغربية واسرائيل ضد إيران يمكن استخدامها في هذه المرحلة.
وأشار التقرير الى ان هذه المرحلة ترافقها أو تسبقها عادة ضغوط سياسية معلنة. وتضم هذه الضغوط إطلاق تصريحات بأن النظام المستهدف فقد شرعيته ودفع منظومات دولية مثل الجامعة العربية والامم المتحدة لإصدار قرارات تدين النظام بالإضافة الى فرض عقوبات اقتصادية على النظام وعقد لقاءات رسمية مع المعارضة من البلد المستهدف في بلد ثالث، وهو الأمر الذي نشهده حاليا في السياسة الأمريكية والأوروبية تجاه سورية.
أما المرحلة الثانية من الحرب الخفية، فهي تعزيز العلاقات مع المعارضة من البلد المستهدف وبدء تزويدها بالمعلومات الاستخباراتية والتدريب والتوصيات العسكرية. واشار كاتب التقرير الى ان هذه المرحلة حدثت في الأشهر الأولى من الأزمة في ليبيا، لكنه ذكر انه في سورية لا توجد معارضة موحدة حتى الآن.
ويتم تدريب عماصر المعارضة المسلحة في هذه المرحلة في أراضي بلد ثالث، ونحن نرصد مؤشرات هذه المرحلة، عندما نرى ان تركيا تقدم تدريبا لعناصر الجيش السوري الحر في أراضيها. اما الخطوة التالية في المرحلة الثانية فهي بدء تزويد المعارضة المسلحة بالأموال والمواد الغذائية وأجهزة الاتصالات وحتى الأسلحة.
ويقول ستيوارت ان المرحلة الثالثة تضمن تدخلا أجنبيا مباشرا، وهذا يعني ان قوات أجنبية خاصة تبدأ العمل مع المعارضة المسلحة في أراضي البلد المستهدف بالإضافة الى استخدام القوات الجوية الأجنبية (والأمر الذي توصلت اليها الأحداث في ليبيا).
أما المرحلة الرابعة والأخيرة، فهي التوغل العسكري الأجنبي مثل التوغل الأمريكي في العراق عام 2003.
وقال ستيوارت ان مركز "ستراتفور" يراقب باهتمام تطورات الأوضاع في سورية ويرصد شرائط فيديو تتعلق بنشاط الجيش السوري الحر. وشدد على انه إذا بدأت القوات الأجنبية تدريب الجيش السوري الحر بجدية وتقدم دعما مباشرا له، فان هذا الأمر سيؤدي الى ارتفاع فعالية عمليات الجيش واستخدامه لتكتيكات جديدة بالإصافة الى حصوله على أسلحة أكثر تطورا. لكن يبدو ان عناصر الجيش يستخدون في الوقت الراهن نفس الأسلحة التي انشقوا معها. أما العمليات الأخيرة للجيش مثل استهداف مقر الاستخبارات الجوية في ضواحي دمشق، فلها، حسب التقرير، أهمية دعائية أكبر من أهميتها العسكرية.
كما شدد التقرير على انه إذا كانت الدول الغربية تخطط لعملية جوية في سورية، فان هذه الخطوة ستتطلب استعدادت لا يمكن إخفاؤها مثل نقل الطائرات التي ستنفذ العملية الى المنطقة وعلى سبيل المثال الى قبرص وتركيا واليونان بالإضافة الى تصعيد النشاط الاستخباراتي بالقرب من حدود سورية لتحديد أماكن وجود عناصر نظام الدفاع الجوي السوري.
واعتبر كاتب التقرير ان احتمال التوغل العسكري المباشر في سورية ضئيل جدا. لكنه أشار الى ان التصريحات الأخيرة للمسؤولين الأمريكيين بشأن سورية تشير الى ان الولايات المتحدة وحلفاءها تعتزم اتخاذ خطوات لاحقة لاستحثاث إسقاط نظام الأسد.
شام نيوز