تقرير التنمية البشرية 2010

أطلق العدد الخاص بالذكرى العشرين من تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في حفل حضره الأمين العام للأمم المتحدة، السيد بان كي مون، ومديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، هيلين كلارك. وهذا التقرير سلّط الضوء على البلدان التي أحرزت أسرع تقدّم على مدى العقود الأخيرة الماضية بمقياس دليل التنمية البشرية. وقد حلّت خمسة بلدان عربية بين البلدان العشرة الأولى في العالم.
وتقرير هذا العام، الذي يحمل عنوان "الثروة الحقيقية للأمم: مسارات إلى التنمية البشرية "، يتضمّن تحليلاً للمكاسب المحققة على مدى أربعين عاماً في الصحة والتعليم والدخل بمقياس دليل التنمية البشرية. ويشمل هذا التحليل 135 بلداً توفرت عنها بيانات وافية ودقيقة وقابلة للمقارنة. وهذه البلدان تضمّ أكثر من 90 في المائة من سكان العالم.
اتجاهات على مدى أربعين عاماً
يبيّن التحليل البلدان التي حققت أسرع تقدّم نسبة إلى المستوى الذي كانت عليه في عام 1970، ويظهر أن عُمان تحلّ في المرتبة الأولى ضمن المجموعة المؤلّفة من 135 بلداً، تليها المملكة العربية السعودية في المرتبة الخامسة، وتونس في المرتبة السابعة، والجزائر في المرتبة التاسعة، والمغرب في المرتبة العاشرة.
"ومصدر هذا التقدّم ليس إيرادات النفط والغاز كما قد يُفترض" وفقاً لما تقوله جني كلوغمن، بل هو نتيجة للإنجازات الكبيرة التي حققتها هذه البلدان في الصحة والتعليم، أي في البعدين غير المرتبطين بالدخل من دليل التنمية البشرية. "
وقد ارتفع متوسط العمر المتوقع عند الولادة في البلدان العربية من 51 سنة في عام 1970 إلى 70 سنة اليوم. وهذا التحسّن في المنطقة العربية هو أفضل ما شهدته مناطق العالم. وقد انخفض معدّل وفيات الرضعّ من 98 حالة وفاة لكل 000 1 من المواليد أحياء في عام 1970 إلى 38 حالة وفاة في عام 2008، أي إلى ما دون المعدّل العالمي البالغ 44 حالة وفاة لكل 000 1 من المواليد أحياء.
وتضاعف معدّل الالتحاق بالمدارس في البلدان العربية خلال العقود الأربعة الماضية، إذ ارتفع من 34 في المائة في عام 1970 إلى 64 في المائة اليوم. ويقدّر متوسط سنوات الدارسة للسكان الذين هم اليوم في فئة الكبار بحوالى 5,7 سنوات، أي أقل من المتوسط العالمي البالغ 7,4 سنوات، ولكنّه أعلى من متوسط منطقة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى، حيث يبلغ 4,5 سنوات، ومنطقة جنوب آسيا حيث يبلغ 4,6 سنوات.
ولبنان وجيبوتي هما البلدان العربيان الوحيدان اللذان سجّلا أداء أقل من المستوى المتوقع لهما. ففي حالة لبنان، كان هذا التعثّر في الأداء نتيجة لحرب طويلة ولحالة من عدم الاستقرار السياسي، وهذا الوضع هو من العوامل الرئيسية التي أعاقت التنمية البشرية في أنحاء مختلفة من المنطقة، من العراق إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى السودان والصومال واليمن.
" يجب قراءة تحليل اتجاهات التنمية البشرية على مدى أربعين عاماً الذي يتضمنه هذا التقرير في سياق الظروف التي تشهدها المنطقة العربية، حيث لا يمكن التقليل من أهمية الآثار السلبية للصراعات المسلّحة على التنمية البشرية." كما أكدت السيدة أمة العليم السوسوة الأمين العام المساعد للأمم المتحدة، ومديرة المكتب الإقليمي للدول العربية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. "فالتقرير يظهر أنّ حصة المنطقة العربية من سنوات الصراع تجاوزت في المتوسط ثلاث أضعاف ما شهدته سائر مناطق العالم، خلال فترة 18 عاماً، من 1990 إلى 2008."
الجديد في دليل التنمية البشرية 2010
ويعتمد تقرير 2010 ثلاثة أدلّة جديدة، الأول لقياس عدم المساواة، والثاني لقياس الفوارق بين الجنسين، والثالث لقياس الفقر المتعدّد الأبعاد، كما أدخل تحسينات تقنية على دليل التنمية البشرية.
ويبيّن التقرير الفوارق الكبيرة التي يشهدها الوضع الإنمائي في المنطقة. وقد حلّت الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الأولى بين البلدان العربية حسب ترتيب دليل التنمية البشرية، وفي المرتبة 32 على الصعيد العالمي، أي في فئة البلدان ذات التنمية البشرية المرتفعة جداً، وحلّ السودان في فئة التنمية البشرية المنخفضة، أي في المرتبة 154، من أصل 169 بلداً شملها دليل التنمية البشرية. ولا تصحّ مقارنة دليل التنمية البشرية لهذا العام بدليل التنمية البشرية في أعداد سابقة، نظراً إلى اختلاف المؤشرات والطرق المعتمدة في حساب هذا الدليل. ولا يشمل ترتيب دليل التنمية البشرية لهذا العام العراق ولبنان وعُمان والصومال والأرض الفلسطينية المحتلّة نظراً إلى النقص في البيانات الدقيقة والوافية والقابلة للمقارنة في بعد واحد أو أكثر من الأبعاد الثلاثة الي يتكوّن منها دليل التنمية البشرية.
ويقيس التقرير أثر عدم المساواة على التنمية البشرية، ولا سيما الفوارق في الصحة والتعليم والدخل. ويخسر دليل التنمية البشرية في البلدان العربية 28 في المائة من قيمته بسبب عدم المساواة في الأبعاد الثلاثة، أي الصحة والتعليم والدخل. وهذه الخسائر تكاد تكون الأكبر بين مناطق العالم، بعد جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى وجنوب آسيا. وتسجل المنطقة العربية أكبر الخسائر في بعد التعليم، حيث تبلغ 43 في المائة، مقابل متوسط يبلغ 28 في المائة لمجموعة من 139 بلداً طبّق عليها دليل التنمية البشرية معدّلاً بعامل عدم المساواة.
وتقول جني كلوغمن "تعزى معظم الخسائر في ترتيب البلدان العربية حسب الدليل إلى عدم المساواة في توزيع التعليم."
ويرصد دليل الفوارق بين الجنسين التفاوت بين المرأة والرجل في الصحة الإنجابية والتمكين والمشاركة في القوى العاملة في 138 بلداً. ويشير الدليل إلى أن متوسط حجم الخسائر في البلدان العربية بسبب الفوارق بين الجنسين بلغ 70 في المائة، مقابل متوسط عالمي للخسائر الناتجة من الفوارق بين الجنسين قدره 56 في المائة. ففي المنطقة العربية، لم تتجاوز نسبة النساء اللواتي أنهين مرحلة التعليم الثانوي 32 في المائة من مجموع النساء في الفئة العمرية 25 سنة وما فوق مقابل 45 في المائة من الرجال في الفئة العمرية ذاتها. غير أن الوضع مختلف في التعليم الجامعي، حيث يبلغ معدّل الالتحاق 132 إمرأة مقابل كل 100 رجل.
ويسجّل اليمن أكبر خسارة في قيمة دليل التنمية البشرية بسبب الفوارق بين الجنسين، حيث تراجعت قيمة هذا الدليل بنسبة 85 في المائة. وقطر هي البلد الذي يشهد أعلى مستوى من الفوارق بين الجنسين في فئة البلدان ذات التنمية البشرية المرتفعة.
وتحسّن مستوى تمثيل المرأة في البرلمانات العربية، إذ ارتفع من 18 في المائة في عام 1980 إلى 27 في المائة في عام 2008. ولا تزال البلدان العربية تشهد قيوداً على حق المرأة في التصويت. ويشير التقرير إلى الإصلاحات التي شهدتها المنطقة في مجالات سياسية أخرى، كتحسّن التمثيل في المجالس الوطنية في الإمارات العربية المتحدة وعُمان وقطر، وتعدّد المرشحين للانتخابات في مصر. ولكنّ يبقى الكثير من العمل على صعيد حماية الحريات المدنية وتعزيز الحكم الديمقراطي.
ويُظهر دليل الفقر المتعدد الأبعاد الذي يقيس أوجه الحرمان الشديد في الصحة والتعليم ومستوى المعيشة أن 39 مليون شخص في المنطقة العربية يعيشون في حالة فقر متعدّد الأبعاد. وهذا العدد هو أعلى بكثير من عدد الفقراء بقمياس العيش على 1,25 دولار في اليوم، ولكنّ النسبة التي يشكلها الفقراء من مجموع السكان تبقى أقل مما هي عليه في جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى وفي جنوب آسيا. وتتراوح نسبة حالات الفقر المتعدّد الأبعاد بين حد أدنى قدره 7 في المائة في الإمارات العربية المتحدة وتونس وحد أعلى قدره 81 في المائة في الصومال