تقرير صيني: دمشق رقم صعب لا يمكـن تجاهلــه

لا يخفى على مراقب النجاحات التي حققتها الدبلوماسية السورية خلال السنوات السابقة، والتي رسخت سورية لاعباً إقليمياً مؤثراً في ملفات منطقة الشرق الأوسط وذلك نتيجة للحراك الفاعل المنطلق من ضرورة تعزيز المصلحة الوطنية السورية بما يتلاءم مع تحقيق الاستقرار في المنطقة.
تقارير صحفية ودبلوماسية عديدة أشادت بواقعية السياسة الخارجية السورية وقدرتها على مواكبة التغيرات الحاصلة على الساحة الدولية يضاف إلى ذلك المرونة الكبيرة في طريقة التعاطي خارجياً في منطقة تعتبر بمنزلة بؤرة الأزمات في العالم.
ومع اقتراب إسدال الستارة على أحداث 2010 والذي شهد في مفكرته أحداثاً ساخنة كثيرة، بدأت العديد من الجهات الإعلامية والدبلوماسية بإجراء تقييم عملي للأداء الدبلوماسي للدول وقياس مدى تأثير حراكها في الساحة الدولية. ونتيجة للحضور السوري إقليمياً ودولياً، نشرت صحيفة الشعب الصينية الناطقة باسم الحكومة الصينية على موقعها الإلكتروني باللغة العربية تقريراً سنوياً بعنوان «2010 عام الدبلوماسية السورية الهادئة.. بحثاً عن حلول لقضايا المنطقة عبر فتح قنوات جديدة».
واعتبرت الصحيفة في تقريرها السنوي أن الأداء الدبلوماسي والسياسي السوري خلال عام 2010 اتسم بالكثير من الهدوء والتأني، قياساً إلى السنوات القليلة السابقة التي عانت خلالها دمشق من عزلة دولية خانقة على خلفية موقفها الرافض للحرب الأميركية في العراق عام 2003. وفي أعقاب اتهامها في عام 2005 باغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري وكذلك نتيجة الانتقادات التي وجهت إليها نتيجة موقفها من الملف النووي الإيراني، ووقوفها إلى جانب طهران في مواجهة الضغوطات الدولية.
وخلال عام 2010 استطاعت دمشق طي هذه الملفات وسعت إلى استثمار التعاطي الإيجابي الدولي معها وطوعته لمصلحتها، فعملت بصورة هادئة عبر فتح قنوات جديدة للحوار، وتعزيز دورها ومكانتها على الصعد العربية والإقليمية والدولية، منطلقة من رؤية إستراتيجية تتمثل، وفقاً للسياسة السورية، في ربط البحار الخمسة (البحر المتوسط والخليج والبحر الأحمروالبحر الأسود وبحر قزوين) وإقامة تكتلات إقليمية تعمل لأجل مصلحة شعوب المنطقة، وتدافع عن قضاياها العادلة، دون أن تتنازل خلال هذه الجهود الدبلوماسية المكثفة عن ثوابتها الوطنية والقومية، وعلى رأسها حق المقاومة في الأراضي المحتلة.
وركزت الصحيفة في تقريرها على الانشغال السوري بأولويات إستراتيجية مترابطة للإسهام في صياغة مستقبل المنطقة في مختلف الملفات وأبرزها:
دورها الإيجابي على الساحة العراقية
والتركيز على ضرورة إدامة الاستقرار
في خضام التطورات التي عصفت بالعراق، حافظت سورية على موقفها الثابت في دعم العملية السياسية ولعل الإنجاز البارز على صعيد العلاقات السورية العراقية تمثل في عودة السفيرين العراقي والسوري في أيلول الماضي إلى مقري عمليهما بعد استدعائهما في أعقاب اتهامات عراقية لدمشق بإيواء مسؤولين عراقيين ضاعلين في التفجيرات التي شهدتها بغداد صيف عام 2009.
وقبل ذلك، لعبت سورية دوراً إيجابياً في الانتخابات العراقية العامة التي جرت في آذار الماضي، إذ نظمت عمليات الاقتراع على أرضها للعراقيين المقيمين لديها والذين يصل عددهم إلى نحو 1.5 مليون. كما استقبلت دمشق ورغم الخلافات السياسية، العديد من الزعماء والسياسيين العراقيين، خلال عام 2010، ولعل أبرزهم رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي الذي طوى بزيارته لسورية في تشرين الأول الماضي صفحة من الخلاف دامت نحو سنة كاملة.
ولم يغب الجانب الاقتصادي عن هذه النشاطات السياسية، ولعل أهم ما تحقق خلال عام 2010 هو إقرار حكومة المالكي في آب الماضي مشروع مد أنابيب نفط وغاز من أراضي العراق وإيران إلى الساحل السوري والبحث في ترميم أنبوب النفط بين كركوك ومدينة بانياس الساحلية السورية ثم قيام الخارجية السورية بالترحيب بذلك واعتباره «خطوة مهمة تطور العلاقات بين البلدين وتنشط التعاون الاقتصادي المشترك بينهما».
لبنان: س س العنوان الأبرز في مفردات «الأمن والاستقرار» على الساحة اللبنانية
كان التنسيق السوري السعودي في هذا السياق عنواناً بارزاً، إذ عملت دمشق والرياض على الجمع بين الفرقاء اللبنانيين، ولعل الزيارة الشهيرة المشتركة التي قام بها العاهل السعودي عبد اللـه بن عبد العزيز والرئيس بشار الأسد من دمشق إلى بيروت في تموز الماضي حملت دلالة رمزية كبرى، وخلقت تفاؤلاً بأن هذا التفاهم السوري السعودي سينقذ لبنان من الوقوع في أي اضطرابات أمنية أو فوضى سياسية.
وما عزز مثل هذا الانطباع حسب ما ذكر التقرير هو أن دمشق لم تنقطع خلال عام 2010 عن استقبال الساسة اللبنانيين، ففضلاً عن زيارات للرئيس اللبناني ميشال سليمان، فإن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري حضر إلى دمشق مرات عدة بعد طي صفحة الخلافات، كما استقبلت دمشق وليد جنبلاط رئيس اللقاء الديمقراطي، وهو أحد أبرز وجوه قوى 14 آذار.
السياسة الإسرائيلية أجهضت جهود السلام
لم يشهد عام 2010 تطورات جديدة وخاصة على المسار السوري رغم الاهتمام الدولي الذي تبلور من خلال زيارات المبعوث الأميركي جورج ميتشل إضافة إلى جهود المبعوث الفرنسي لعملية السلام جان كلود كوسران.
وأكدت سورية تمسكها بخيار السلام لكونه السبيل الوحيد لضمان أمن واستقرار الشرق الأوسط.
كما حمل التقرير إسرائيل مسؤولية إجهاض عملية السلام باعتبار أن أنقرة رعت محادثات غير مباشرة بين دمشق وتل أبيب في النصف الثاني من عام 2008. علقت بعد أن شنت حكومة إيهود أولمرت عدواناً على قطاع غزة في نهاية عام 2008، الأمر الذي دفع دمشق إلى الإعلان عن إنهاء هذه المفاوضات، ومنذ ذلك التاريخ والمفاوضات متوقفة على المسار السوري، وسط شكوى سورية دائمة من «عدم وجود شريك إسرائيلي حقيقي راغب في السلام».
تطور العلاقات مع تركيا إنجاز
يسجل للدبلوماسية السورية
اعتبر التقرير أن ما يسجل للدبلوماسية السورية هو نجاحها خلال عام 2010 والسنوات التي سبقته في توطيد علاقاتها مع جارتها الشمالية تركيا. وفي كل عام تسفر هذه العلاقة الوطيدة عن إنجازات مهمة في ظل قاعدة ذهبية جمعت بين قيادتي البلدين تتمثل في تحويل الحدود من نقطة خلاف وتوتر إلى نقطة تفاهم وتعاون. والذي يتعزز بحزمة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم على المستويات كافة، فتركيا التي حققت نجاحات اقتصادية مهمة، تريد أن تكون سورية بوابتها العربية، مثلما تنظر دمشق إلى تركيا بوصفها جسراً للعبور نحو أوروبا.
سورية وإيران استمرار علاقات
إستراتيجية وتنسيق مستمر
استطاعت دمشق في ظل جميع التطورات السابقة الحفاظ على علاقاتها التقليدية والإستراتيجية مع طهران وتبادل الرئيسان الأسد وأحمدي نجاد الزيارات، وسط استمرار دمشق على موقفها الداعم لـ«حق إيران في امتلاك طاقة نووية للأغراض السلمية»، مثلما استمرت إيران في دعم المقاومة المشروعة وحق دمشق في استعادة أراضي الجولان المحتلة، ورافق ذلك مضي البلدين نحو تعزيز اتفاقيات التعاون الاقتصادية والتجارية، والتنسيق السياسي على أعلى مستوى في المحافل الدولية بشأن القضايا التي تهم الطرفين.
نجاح في فتح قنوات حوار مع دول بعيدة جغرافيا
النشاط الإقليمي الناجح للسياسة الخارجية السورية في محيطيها العربي والإقليمي، لم يشغلها عن الاهتمام بفتح قنوات حوار مع دول بعيدة جغرافيا لكن سياساتها تتناغم في خطوطها العريضة مع المواقف السورية. وانطلاقاً من ذلك قام الرئيس الأسد في حزيران الماضي بزيارة إلى عدد من دول أميركا اللاتينية شملت فنزويلا وكوبا والبرازيل والأرجنتين، ولم يكد ينقضي العام حتى قام الرئيس الأسد بجولة مماثلة على عدد من الدول الأوروبية بينها رومانيا وبلغاريا وقبرص إضافة إلى أوكرانيا.
ولم تغب شرق آسيا عن دائرة الاهتمام السوري حيث استقبلت دمشق وفوداً سياسية وعسكرية من الصين التي تشكل قوة اقتصادية كبرى في عالم اليوم، بعدها استقبلت دمشق الرئيسة الهندية براتيبها ديفيسينغ باتيل في سعي إلى توطيد العلاقات مع دول شرق آسيا، وتعزيز نقاط الالتقاء مع دول تتفهم قضايا المنطقة وتدافع عن مصالح شعوبها في مواجهة الهيمنة الأميركية.
النشاط الدؤوب للدبلوماسية السورية عزز من مكانة سورية، وجعل من دمشق رقماً صعباً لا يمكن تجاهله لدى أي حديث يتناول ترتيب أوراق المنطقة وملفاتها المعقدة.