"تواطؤ" سليمان وجنبلاط يؤجّل "شهود الزور" ... والحكومة والحوار إلى الشلل

فصل جديد من فصول قصة «إبريق الزيت» شهده ملف شهود الزور أمس، بعدما «نجا» مرة أخرى من اختبار التصويت في مجلس الوزراء. وإذا كانت الجلسة قد انتهت بلا غالب ولا مغلوب بالمعنى السياسي إلا أن الخاسر الكبير بقي البلد الذي سيظل الى ما بعد عيد الاضحى «أسير» شهود الزور، وإن تكن عطلة العيد ستتيح للبنانيين التقاط أنفاسهم بعض الشيء.
وبدا واضحا قبل الجلسة ان الرئيس ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط اللذين تجمعهما مصيبة إحراج التصويت قد هندسا مخرجا يتيح لهما تفادي الامتحان الصعب ويحفظ ماء وجه كل من المعارضة والرئيس سعد الحريري، على قاعدة منع التصويت كما يرغب رئيس الحكومة، وحصر البحث في بند وحيد هو ملف شهود الزور كما تريد المعارضة. وهكذا، تولى الوزير غازي العريضي في ختام الجلسة تمرير كرة الاقتراح بتأجيل الجلسة الى الرئيس سليمان الذي تولى تسديدها في المرمى.
ويمكن القول ان ما حصل يسمح لسليمان وجنبلاط بكسب وقت إضافي يلامس حد الاسبوعين اللذين قد يكونان كافيين من وجهة نظرهما لظهور نتائج المسعى السوري - السعودي. أما المعارضة فقد دفعت بكل قواها في اتجاه التصويت ولكنها كانت تعلم جيدا انها لا تستطيع دستوريا ان تفرض هذا الخيار على رئيس الجمهورية، فسلّمت بالواقع، متجنبة الوقوع في فخ الانسحاب من مجلس الوزراء اعتراضا على عدم الاستجابة لمطلبها، فيما أكدت أوساطها لـ«السفير» ان اقتراح رئيس الجمهورية تشكيل لجنة برلمانية مرفوض كليا ولا يمكن القبول به بأي شكل من الأشكال، لأنه يؤدي الى تضييع المزيد من الوقت، لأن اللجنة البرلمانية ستكون عبارة عن مجلس وزراء مصغر، وبالتالي فإنها ستواجه المشكلة ذاتها التي تواجه الحكومة حاليا.
وإذا كان تأجيل ملف شهود الزور قد منع تفجير الحكومة من داخلها، إلا أن هذا التأجيل ستكون له تداعيات سياسية مباشرة من نوع إصابة مجلس الوزراء وهيئة الحوار بالشلل وعوارض التصعيد، وهو ما أوحى به العماد ميشال عون في مقابلته مع محطة «أو تي في» ليل أمس حيث أكد أن «الحكومة التي لا تتجرأ ان ترسل شاهد زور الى المحكمة عليها وعلى رئيسها الاستقالة فوراً». وقال: بعد تأجيل الحكومة ملف شهود الزور انفجرت الأزمة سياسيا.
وأضاف: «لا يمكن ان نقبل ان نكون محكومين من أناس قاصرين، والمعارضة ستجتمع وستقرر ما ستفعل، واليوم (أمس) كان نهاية قسم من المسار وهناك قسم آخر بدأ، ولا أعتقد ان الحكومة ستجتمع». رافضاً «إحالة ملف شهود الزور الى لجان نيابية لأن اللجان مقبرة القوانين».
وفيما واصلت الاطراف الداخلية تخبطها في مستنقع شهود الزور، اعادت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون امس تأكيد دعم واشنطن للمحكمة الدولية. وقالت بعد لقائها وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط «اننا نندد بأي جهد لضرب مصداقية او اضعاف او تأخير عمل المحكمة. هذا الامر لا يمكن التسامح حياله». وأشارت كلينتون الى انها تتكلم باسمها وباسم ابو الغيط. وأضافت «إن شعب لبنان، بل والعالم، يتوقع ويستحق أعلى المعايير في استقلالية القضاء ونزاهته، ويسرني أن الولايات المتحدة تعهدت مؤخرا بتقديم تمويل إضافي لدعم عمل المحكمة».
وقال أبو الغيط، من جهته: «تحدثنا عن لبنان، والحاجة إلى استقراره، والحاجة إلى مواصلة المحكمة لعملها. لقد تم انشاء المحكمة بقرار من مجلس الامن الدولي، ولهذا فإنها كيان لا يمكن لأحد حله او تجاهله».
مجلس الوزراء
استهل الرئيس سليمان جلسة مجلس الوزراء بمداخلة، تناولت ملف شهود الزور. وخلص إلى طرح فكرة لجنة تحقيق برلمانية، مستشهداً بتجارب مماثلة في دول أوروبية.
ثم كانت مداخلة للحريري الذي قال: ملف شهود الزور واحد من الملفات الكثيرة التي يمكن نقاشها وإذا لم نصل إلى تفاهم اليوم نصل غداً، وليس ملف شهود الزور ما أفسد العلاقة مع سوريا فهناك ملفات أخرى، رافضاً إحالة الملف إلى المجلس العدلي. ورأى انه يمكن للقضاء العادي النظر في الموضوع. وأضاف: ان طرح موضوع شهود الزور على التصويت سيفرض طرح مواضيع اخرى لا تقل اهمية على التصويت، متوقفا عند الاتهام الذي وجه الى الاصوليين والسلفيين بجريمة الاغتيال ما يعني ضمنا اتهام السعودية. وتوجه الحريري الى وزراء المعارضة بالقول: إذا كنتم تصرون على التصويت فهذا معناه أنكم تنوون تخريب البلد والحكومة...
وبدا الحريري متوترا في الرد على مداخلة الوزير شربل نحاس الذي انتقد بشدة المجتمع الدولي والتحقيق الدولي بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث قال إن المنطق يفترض حصول إجماع في مجلس الوزراء على احالة شهود الزور الى المجلس العدلي بعد الذي ظهر من سير التحقيق الدولي. وأشار الى ضغوط المجتمع الدولي على لبنان في موضوع المحكمة والخضوع لهذه الضغوط.
وهنا سأل الحريري عن القصد من كلام نحاس عن الضغوط، فرد نحاس مشيرا الى التسريبات والمواقف الدولية، ومنها مواقف اسرائيل مثلا، فاحتد الحريري وقال انه لا يسمح بمثل هذا الكلام، وإنه ليس مضطرا للبقاء في هذا الجو، ولا يرضخ لأي ضغوط.
وعرض الوزير الحاج حسن ملف شهود الزور من أوله حتى آخره. وسأل عمن يحميهم ويمولهم لان من حق اللبنانيين ان يعرفوا. وإذ لفت الانتباه الى انه لم يبق موفد دولي او وزير خارجية إلا وأصبح يعرف القرار الظني، حذر من فبركة شهود زور جدد في سياق التحضير لاصدار قرار ظني يتهم المقاومة، الامر الذي سيأخذ البلد الى المجهول، وقال: لن نقبل باتهام أي أحد في حزب الله. وأضاف: إذا لم يُحقق مع شهود الزور ولم تتم محاسبتهم ما الذي يمنع التحقيق الدولي من ان يكرر التجربة ويعتمد على شهود زور جدد.
وتساءل: لماذا لا يجري التحقيق مع أكرم شكيب مراد الموقوف في السجن وهو شاهد خارق لقواعد الفيزياء والطبيعة، شاهد «الميتسوبيشي» واجتماعات الضباط الاربعة من خلف القبضان، ولماذا لا يُجلب محمد زهير الصديق وهو خارق لكل قواعد الامن في المطارات برغم انه مطلوب قضائيا، ومن هي الدول الصديقة التي ترعى شهود الزور.
وكانت مداخلة للوزير ابراهيم نجار لفت الانتباه فيها الى ان رئيس المجلس العدلي سيحال بعد شهر ونصف شهر الى التقاعد. واعتبر انه «لا يوجد ملف أصلا عند القضاء اللبناني في ما يتعلق بشهود الزور». وأيد الوزير جان أوغاسابيان قول نجار بأنه لا يوجد ملف.
وطلب الوزير بطرس حرب تأجيل النقاش وعدم التصويت تجنباً للانقسام.
وقال الوزير علي العبدالله ان مجلس الوزراء ليس لديه الصلاحية ولا مطلوب منه إحالة ملف شهود الزور الى القضاء العادي الذي كان يجب ان يتحرك طوعا وتلقائيا للتحقيق مع هؤلاء الشهود من دون ادعاء من أحد، علما ان هناك تحقيقات حصلت مع ابراهيم جرجورة على سبيل المثال ولم تحول الى النيابات العامة. وأضاف: بما انه لم تحصل أي خطوة من القضاء العادي، فإننا نطلب تحويل هذه القضية الى المجلس العدلي ولنترك له ان يحدد ما إذا كان النظر فيها هو من صلاحياته ام لا.
واستغرب الوزير يوسف سعادة في مداخلته نفي بعض الوزراء وجود شهود الزور، لافتا الانتباه الى ان تقرير دتليف ميليس الذي كان أقرب الى قرار ظني منه الى تقرير تقني تضمن وقائع مغلوطة حول اغتيال الرئيس رفيق الحريري استنادا الى إفادات شهود الزور، ويومها اعتبر فريق سياسي ان هذا التقرير يحمل الحقيقة، ليتضح لاحقا انه لم يكن صحيحا. كما ان الرئيس سعد الحريري أقرّ بوجود شهود الزور، فكيف بعد كل ذلك تقولون ما يسمى شهود الزور؟
وقال الوزير جبران باسيل: إذا لم يكن هناك ملف حول شهود الزور لدى القضاء اللبناني فهذه كارثة. ان من واجبات القضاء تكوين ملف في شأن هذه القضية لا سيما ان رئيس الحكومة والمحكمة الدولية ووزير العدل اعترفوا بوجود شهود الزور.
وقدم الوزير عدنان السيد حسين مداخلة أيد فيها اقتراح رئيس الجمهورية تشكيل لجنة تحقيق برلمانية تضع يدها على ملف شهود الزور، شارحا أهميتها خصوصا أنه سُجل في تاريخ لبنان تشكيل لجان برلمانية لا تحل مكان القضاء ويمكن ان تشكل عاملا مساعدا لا سيما إذا تكونت من كل القوى السياسية الممثلة في البرلمان. وشدد على ضرورة إحقاق الحق من خلال عدالة تؤمن معرفة ملابسات جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ولا تفتئت على المقاومة التي دافعت وما تزال عن لبنان. وأشار الى انه سبق له ان أيد إحالة ملف شهود الزور الى المجلس العدلي استنادا الى المرسوم الصادر في 18ـ2 ـ 2005، وأعتقد انه ما زال صالحا لمناقشة هذا الملف.
وختاما كانت مداخلة للوزير غازي العريضي الذي شدد على ضرورة المحافظة على الحكومة التي تطلب تأليفها خمسة أشهر من الجهد المضني، ويجب تجنب التصويت لإيجاد حل يرضي الجميع وحماية حكومة المشاركة والوحدة الوطنية. ودعا الى الاهتمام بهموم المواطنين، مشيرا الى أن قرار تركيب رادرات على الطرق أثلج صدور الناس وكان له وقع إيجابي عليهم. واقترح تأجيل البحث في ملف شهود الزور الى حين بلورة موقف مشترك حياله وحتى يأخذ طرح رئيس الجمهورية المتعلق بتأليف لجنة برلمانية الوقت الكافي من النقاش.
المحكمة.. والسيد
الى ذلك، سجل أمس تطور قضائي بارز، اذ رفضت غرفة الاستئناف في المحكمة الخاصة بلبنان أمس، بالإجماع، الاستئناف الذي قدمه المدعي العام الدولي القاضي دانيال بيلمار ضد القرار الصادر مؤخرا عن قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين، بخصوص صلاحية المحكمة الخاصة بلبنان للنظر في طلب اللواء جميل السيد الحصول على الأدلة والاثباتات بشأن شهود الزور، وخلصت إلى أن لدى السيد أسبابا قانونية تجيز له تقديم طلبه إلى المحكمة.
وسألت « السفير» المتحدّث باسم المحكمة الخاصة بلبنان عن الخطوات المتوقّعة بحسب قواعد الإجراءات بعد قرار غرفة الاستئناف أمس، فأجاب بأن القضية التي صدر قرار بشأنها اليوم (أمس) تخصّ الاستئناف الذي تقدّم به المدعي العام ضد قرار قاضي الإجراءات التمهيدية. والمدعي العام يؤمن بأن المواد التي تخصّ جميل السيد ليست من اختصاص المحكمة، ولكنّ الغرفة رفضت حجج المدعي العام، وأكّدت أنّ القاضي فرانسين صاحب صلاحية في النظر في طلب السيّد، وما إذا كان باستطاعة المحكمة أن تعطيه الوثائق التي يطلبها. ان الخطوات المتوقعة بعد قرار الغرفة سيقرّرها القاضي فرانسين الذي سيعاود النظر بأحقية طلب السيّد، وقد يطلب آراء إضافية من الأطراف المعنية اذا كان ذلك ضرورياً.
وقال اللواء السيد لـ«السفير» ردا على سؤال عما إذا كان قرار غرفة الاستئناف في المحكمة يؤكد عدالتها ونزاهتها: أنا لم أطلب العدالة من المحكمة الدولية وليس لدي دعوى جزائية ضد أحد أمامها. حقيقة الامر ان المحكمة رفضت ملاحقة شهود الزور وشركائهم في خطوة سياسية لحماية فريق 14 آذار المتورط في قضية شهود الزور، وبناء على ذلك تقدمت بطلب تسليمي الأدلة حول شهود الزور لملاحقتهم لدى المحاكم الوطنـية حــسب جنســياتهم، كون المحكمة لا تستطيع ان تمتنع عن محاسبتهم من جهــة، وأن تحتفظ بالأدلة الجرمية التي تدينهم من جهة اخرى.
ولفت الانتباه الى أن المحكمة الدولية، ولأسباب سياسية، لم تقم العدالة بالمعنى الصحيح، فاكتفت برفع الظلم عندما أفرجت عن الضباط الاربعة لكنها لم تحاسب الظالمين، أي شهود الزور وشركاؤهم في السلطة اللبنانية، ولم تعوض على المتضررين منهم، وبالتالي فإن أضعف الايمان هو ان تفرج عن الأدلة والإثباتات المتعلقة بشهود الزور.
واعتبر ان قرار المحكمة لا يزيد ولا ينقص من رصيدها، كون الشكوى هي في الاساس من العدالة الدولية، سواء تمثلت في لجنة التحقيق ام في المحكمة، وما حصل في لجنة التحقيق من تسييس يمكن ان يمتد الى المحكمة، «ما لم نر أمثال ديتليف ميليس وغيرهارد ليمان وسعيد ميرزا وصقر صقر ووسام الحسن وغيرهم في سجون لاهاي». وأكد أنه إذا استعاد الأدلة التي له الحق فيها، فإن ذلك سيجعل فريق السلطة ولا سيما القضاة والضباط المتورطين في وضع لا يحسدون عليه.