تونس وخطر التشدد الاسلامي

تستعد تونس لخوض انتخابات برلمانية اولية هي الاولى في تاريخها الحديث من حيث اتسامها بالشفافية والنزاهة والتعددية السياسية، حسب جميع التوقعات في داخل تونس وخارجها. فقد تعود التونسيون على انتخابات منقوصة تتمحور حول حزب السلطة وبعض الاحزاب الهامشية التي تدور حوله. فالحزب الدستوري الحاكم هو الذي يقرر عدد مقاعد المعارضة، وكيفية توزيعها على هذه الاحزاب.
من الطبيعي، وفي ظل هذه الفرحة التونسية العارمة، بزوال حكم الرئيس التونسي زين العابدين بن علي اولا، ودخول بوابة الديمقراطية الحقة ثانيا، ان تكون هناك بعض الاعراض الجانبية، او السلبيات على وجه الخصوص، لانه يظل هناك من يفسر الحرية بطريقة مغايرة عن تفسيرات وقناعات الاغلبية، ويحاول فرض رأيه، وايديولوجيته السياسية بطرق غير ديمقراطية.
اقدام مجموعة اسلامية متشددة على مهاجمة قناة 'نسمة' ومحاولة حرقها لانها بثت شريطا كارتونيا ينتقد الثورة الاسلامية الخمينية في ايران، وتظاهر مجموعة اخرى امام كلية الآداب في سوسة لمنعها تسجيل طالبة منقبة، ومحاولة اقتحامها، هي من ابرز الحوادث التي باتت تشكل قلقا للمجتمع التونسي، الذي يتسم بالاعتدال والعقلانية ويتطلع الى الحرية والتسامح والتعددية الثقافية، في عهد ما بعد سقوط الديكتاتورية ونظام الحزب الواحد.
ادانة حزب النهضة الاسلامي التونسي الاكثر شعبية في تونس لمثل هذه الممارسات غير الديمقراطية خطوة مباركة تعكس وعيا من قبل التيار الاسلامي الاوسع بخطورة الجماعات المتشددة على مستقبل البلاد الديمقراطي واستقرارها الاجتماعي، التي لا يمكن ان ينمو اقتصادها ويتطور بدونه.
اقتحام كلية، او مهاجمة قناة تلفزيونية، من الامور التي لا تستقيم في زمن الديمقراطية والحريات التعبيرية، وربما تكون هذه الممارسات مفهومة، ولكن غير مبررة في زمن الديكتاتورية وقمع الحريات ودولة البوليس، اما في مثل هذا الوقت الذي يرتفع فيه سقف الحريات التعبيرية، ويصل فيه تعداد الاحزاب السياسية المسجلة لخوض الانتخابات المقبلة الى اكثر من مئة حزب، فانها ممارسات مستهجنة لا يمكن القبول بها.
من حق الجماعات الاسلامية المتشددة ان تعارض عرض فيلم ترى انه يسيء للمجتمع وعقيدته، ويتطاول على بعض المعتقدات، ولكن بطرق حضارية وليس بالحرق والتهديد بالقتل، مثلما شاهدنا وقرأنا وسمعنا من شعارات طرحها المهاجمون الغاضبون.
في المقابل، نتمنى على القنوات التلفزيونية ووسائل الاعلام الاخرى المرئية او المسموعة، ان تتحلى بالعقل والحكمة وضبط النفس، والابتعاد عن اي خطوات يمكن ان يراها البعض استفزازية او خادشة للمشاعر والمعتقدات الدينية والاجتماعية في مثل هذه المرحلة الانتقالية الحرجة من عمر البلاد.
نحن مع حرية التعبير، ونقف الى جانب كل وسيلة اعلام تريد ان تمارس هذه الحرية في اطار القانون، ولكن نحن ايضا مع استقرار تونس وأمنها ووحدتها الوطنية، ونرى ان التطرف بشقيه الاسلامي والليبرالي يهدد التجربة الديمقراطية التونسية الوليدة، ويعمل على اخراجها عن النهج الصحيح الذي تأمل ان يكون عنوان المرحلة المقبلة، وتكليلاً للثورة، وانتصاراً لدماء الشهداء التي لعبت الدور الاكبر في حركة التغيير التي نرى ثمارها حاليا، في العرس الديمقراطي التونسي.
عبد الباري عطوان - القدس العربي