ثبـات الاسـتقرار اللبـناني.. مصلحـة سـورية وأمـيركيـة؟

فجأة، تحول الاستقرار في لبنان إلى حاجة إقليمية ودولية. تقاطعت كل المصالح للمرة الأولى عند مصلحة لبنانية دائمة، ولكن نادراً ما تتحقق. الأميركيون والأوروبيون لا يتركون مناسبة إلا ويؤكدون خلالها على أولوية الاستقرار في لبنان وكذلك يفعل السوريون والسعوديون.
بعيداً عن خلفيات كل من هذه الدول، فإن الأكيد أن الجميع سلم بأن بقاء الحكومة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي هو الضامن الأهم للاستقرار.
لقد عرف ميقاتي خلال الأشهر الستة من عمر حكومته من أين تؤكل الكتف الدولية، حتى صار مطمئناً إلى أنه قد يبقى لأمد طويل الرقم الأول في نادي رؤساء الحكومة.
لا خلاف على أن طريقة ميقاتي في التعامل مع القضايا الحساسة المطروحة، بدءاً من المحكمة الدولية وصولاً إلى سياسية النأي بالنفس، إزاء ما يجري من أحداث في المنطقة وخاصة سوريا، مروراً بمحافظته على التوازنات الداخلية، عبر رفضه الانصياع لرغبات الأكثرية بإقصاء كل أدوات المرحلة الماضية، فتحت له كل الأبواب الموصدة غربياً وعربياً. ومع ذلك، فإن ثمة من يدعو إلى النظر عبر الباب السوري الذي دخل منه ميقاتي إلى رئاسة الحكومة تحديداً، «فهذا الباب لم يوصد بعد لكنه لم يعد مشرعاَ على مصراعيه».
الملاحظات السورية على أداء رئيس الحكومة ليست بسيطة، على ما يردد أكثر من مصدر. إلا أن ذلك لم يؤد أقله حتى الساعة، إلى إعلان أي موقف سوري في هذا الاتجاه. إشارة وحيدة تلقاها ميقاتي، كانت عبر السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، الذي كان واضحاً في تحميل الحكومة اللبنانية مسؤولية تهريب الجزء الأكبر من السلاح والمسلحين عبر الحدود، ودعوته الحكومة إلى القيام بواجبها للحد من تفلت هذه الحدود. السفير السوري كان أكثر وضوحاً عندما انتقد وإن بشكل غير مباشر سياسة النأي بالنفس، من خلال إشارته إلى أن «تهريب الأسلحة والمسلحين واستقبال مرتزقة ومنشقين ليس فيه نأي بالنفس».
إذا صح ما نقل عن أحد زوار الرئيس بشار الأسد، بأنه عبر عن انزعاجه من ميقاتي ومن كيفية تعامل الحكومة اللبنانية مع الملف السوري في الجامعة العربية تحديداً، فإن ذلك، إضافة إلى تصريحات السفير السوري، يعني أن سوريا لم تعد تجد بالخصوصية اللبنانية ما يبرر طريقة تعامل ميقاتي مع الملف السوري في أكثر من موضع (عدم المشاركة في بعثة المراقبين العرب الى سوريا، تسيب الحدود، التغاضي عما يشبه المنطقة الآمنة للمنشقين واللاجئين السوريين في الشمال، عدم تبنيه موقف وزير الدفاع حول وجود القاعدة في لبنان، فضلا عن زيارته المرتقبة إلى فرنسا). كل ذلك يفترض أن يكون قد خضع للنقاش خلال جلسة العتب التي عقدها علي مع ميقاتي، والتي انتهت إلى إشارة بروتوكولية من السفير السوري بعد اللقاء إلى أنه «مرحب دائماً بميقاتي في بلده سوريا».
يؤكد أحد المتابعين للعلاقة بين الطرفين أن سياسة «ضربة على الحافر وضربة على المسمار» التي يتبعها النظام السوري مع ميقاتي تعني ان الحكومة الحالية لا تزال مطلباً سورياً.
يعرف ميقاتي هذه المعادلة جيداً، وهو لن يغامر بوسطيته، التي تصلح للداخل والخارج، في هذه الظروف، وتحديداً في ظل عدم اتضاح الرؤية في سوريا. من هنا، يؤكد المتابعون أنه كما يسعى رئيس الحكومة إلى خطب ود الغرب فهو لا يتخلى عن تواصله مع سوريا والتأكيد لها أن كل خطوة يقوم بها هي حكماً ليست موجهة ضدها، لا بل انها يمكنها الاستفادة منها. ويتردد، في هذا السياق، أن طه ميقاتي الذي زار سوريا مؤخراً، نقل رسائل واضحة مفادها إن عدم إقحام لبنان في سياسة المحاور هو ليس مصلحة لبنانية فحسب، بل مصلحة سورية أيضاً، إذ أن لبنان المستقر سياسياً وأمنياً هو المنفذ الفعلي لدمشق على العالم في ظل اشتداد الحصار الدولي عليها، وتحديداً في ما يتعلق بحركة الاموال.
حتى أن مشروع إعادة تشغيل مطار القلعيات نُقل إلى سوريا بوصفه منفذاً محتملاً لها إذا ما اقتضت الحاجة.
أحد المتابعين لتطور العلاقة بين سوريا ولبنان يصف المرحلة الحالية بأنها «مرحلة ترقب». ويسأل هل يبقى الاستقرار في لبنان مصلحة سورية إذا ما ازدادت الضغوط عليها؟ قبل أن يضيف: الأكيد أن الحرص الاميركي الشديد على استقرار لبنان، ربطاً بحسابات إسرائيلية، يوحي للسوريين بأن ثمة الكثير من الأوراق اللبنانية التي لم تلعبها بعد. قبل أن يختم: يعرف السوريون أن الشمال بات بوابة الهجوم عليهم، ولكن بعض اللبنانيين يتغاضى عن فكرة بديهية أن الشمال نفسه هو أسهل ورقة يمكن أن تستعملها سوريا للحد من الضغوط عليها، قبل أن يستدرك: هذا يعني، بالتحليل، أن ما تشيعه سوريا عن ارتياحها لمآل المعركة واطمئنانها لمسارها، فيه الكثير من الصحة.