ثم ماذا عمن ؟؟

خالد الأشهب. الثورة
«ممن لم تتلوث أيديهم بدماء السوريين»!!
بهذه العبارة, الشرط, تخصص مراسيم العفو أو قرارات الإفراج من يطلق سراحهم من المعتقلين, الذين شاركوا في الأحداث التي تعصف ببلدنا منذ أشهر, وكما لو أن القتلة مسيلي الدماء وحدهم ..
من يستحق العقاب, وكما لو أن الجريمة هي فقط .. القتل وإسالة الدم .
جنائياً, قد يكون ذلك التخصيص صحيحاً ومفيداً بالنسبة إلى منطق قانون الدولة الوضعي, تفتح صدرها وتوسعه في معالجة ما اشتعل من أحداث وما أدت إليه من نتائج, وقد يكون ذلك قابلاً للتعويض أو الإصلاح في حالة التخريب المتعمد للأشياء المادية غير المنقولة سواء كانت مؤسسات للدولة أو منازل أو سيارات أو ما شابهها من أملاك عامة وخاصة, ولكن :
ماذا عن أولئك الذين ما صبغوا أيديهم بالدم السوري ... لكنهم لوثوا أشياء أخرى في الجسد السوري ربما تكون أكثر إيذاء من القتل أو إسالة الدم, وأكثر أثراً في التخريب وصعوبة الإصلاح, وأشد وقعاً في النفس السورية من وقع الرصاص والمفخخات وقعقعة السلاح وخاصة عندما يتصل الأمر بالثقافة العامة وبالمنظومة المعرفية للسوريين عامة, بمفاهيمهم ومعارفهم ومفردات لغتهم ودلالاتها, وبتقاليدهم وأساليب عيشهم وطرائقها؟
ماذا عمن لوث هدوء سورية الوطن وسكينته الاجتماعية وعيشه المشترك, المزمن والمقيم دهوراً, بين فئاته وشرائحه وأطيافه الكثيرة المتعددة والغنية, حين ارتد التخريب المادي قلقاً نفسياً أقض مضاجع السوريين حتى وهم في بيوتهم وغرف نومه؟
ماذا عمن لوث المنظومة الثقافية والمعرفية عند السوريين ونسف دلالاتها وصورها العينية المشهودة, وخاصة عند جيل الشباب, حين فرض عليهم مفهوما مختلفا للثورة وروج له .. وما هو إلا مرادف للفوضى والتخريب المنظم, معتبراً, بجهله أو بموجب الدور الموكل إليه, أن مشهد الاحتشاد والاعتداء على الآخر هو لب الثورة وتعبيرها وغايتها وأدواتها؟
ماذا عمن لوث العقل السوري وشوه الوجدان الجمعي للسوريين, حين أوحى لهما أن القسمة الوطنية العادلة لا تكون على أساس المواطنة والحوار, بل على أساس الانتماءات الدينية والمذهبية والقبلية والعائلية .. فثمة طائفة مغلوبة لأنها طائفة، وثمة عائلة غالبة لأنها عائلة, وقس على هذه المعايير الضيقة ما يفجر العقل وينسف الوجدان؟
ثم ماذا عمن اشترط قدسية معبده.. ببنائه على أنقاض معبد آخر, واختصر السماء بما تبصره عينه منها وحده, واختزل الفضاء بما تعبق به أزاهيره دون ورود الآخرين؟
ليست دماؤنا فقط سفكت ... وليسوا وحدهم السفاكين !!