ثورة الاساقفة الكاثوليك

 

البيان او الرسالة الختامية لمجلس أساقفة الكنائس الكاثوليكية في الشرق الاوسط، التي صدرت اول أمس الاول بعد اسبوعين من الاجتماعات المتواصلة في الفاتيكان، تشير الى ثورة في الخطاب السياسي - الديني للمجمع الكنسي ( سينودس ) تجاه موضوع الصراع العربي - الاسرائيلي، وخاصة ما يتعلق بحل المسألة الفلسطينية. ومع ان الموقف السياسي لم يأتِ بجديد نوعي فيما يتعلق بجوهر الحل، لاسيما وأن مواقف الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية، كانت منذ البداية مع الحل السياسي السلمي لقضية الصراع، ومنح الفلسطينيين حقوقهم السياسية، بما في ذلك اقامة الدولة المستقلة.
اذاً أين الثورة في خطاب المجمع الكنسي؟ وما هو الجديد والنوعي في الخطاب المسيحي؟ وما أهميته الدينية والسياسية؟

 


اولا: لم يصدر بيان أو وثيقة من الفاتيكان أو أي مجمع كنسي بهذه القوة والوضوح بشأن حل المسألة الفلسطينية. حيث أكدت الرسالة على ضرورة اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على كافة الاراضي المحتلة عام 1967، وطالبت بضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين الى أراضيهم، التي طردوا منها، كما أكدت على رفض سياسة التهويد والمصادرة وكل الانتهاكات والاجراءات أحادية الجانب من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلية في القدس والاراضي الفلسطينية، وعمقت الرسالة فكرة المجمع حول القدس، بأن لها وضعية خاصة تهم كل الاديان، فضلا عن المطالبة بحماية مقدساتها والاثار، التي تحتضنها.

 


ثانيا: التصدي الشجاع وغير المعهود لرجال الدين اليهود المتصهينيين، الذي تاجروا على مدار عقود الصراع، وما زالوا بالمقولة التوراتية « أرض الميعاد « على اعتبار ان الله جل جلاله « وعدهم « بالارض الفلسطينية (ارض الميعاد ). لكن مجلس أساقفة الكاثوليك، طالب رجال الدين والسياسة اليهود بالكف عن استخدام هذه المقولة، لان لا أساس لها من الصحة بعد مجيء المسيح. اضافة الى أن الناس جميعا من أتباع الديانات السماوية الثلاث، هم عباد الله، ولا فرق بينهم الآ بطرق توجههم الى الخالق، وطقوسهم الدينية. وأكد في هذا المجال المطران كيريلس سليم بسترس، أسقف نيوتن ( الولايات المتحدة ) لطائفة الروم الكاثوليك، ورئيس لجنة صياغة الرسالة الختامية في الفاتيكان في المؤتمر الصحفي « لا يمكن الاستناد الى مسألة أرض الميعاد لتبرير عودة اليهود الى اسرائيل وتهجير الفلسطينيين «. ليس هذا فحسب، بل أن الرسالة رفضت سياسة التضليل الدينية التي تنتهجها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة بالتعاون مع الحاخامات الذين يسيروا في فلكها، في استخدام التوراة ( العهد القديم ) لتبرير الاستيطان والتهويد ومصادرة الاراضي الفلسطينية. وطالبت دولة اسرائيل بالكف عن انتهاج هذه السياسة الاستعمارية.

 


ثالثا: والنقطة المهمة، التي أولتها الرسالة الاهمية، هي الرد على ادعاءات نتنياهو وأركان حكومتة، المنادية والمطالبة الفلسطينيين والعالم بالاعتراف بـ «يهودية» اسرائيل بالتأكيد على أن اسرائيل دولة ذات غالبية يهودية، ولكنها ليست دولة يهودية لان فيها مليونا ونصف مليون فلسطيني عربي من المسيحيين والمسلمين وغيرهم من أصحاب المعتقدات الاخرى.

 


رابعا: ربط المجمع بين انخفاض أعداد المسيحيين الفلسطينيين والعرب بسبب الاحتلال والانتهاكات الخطيرة الناجمة عنه. والرسالة تؤكد أن الهجرة القسرية للمسيحيين العرب في الدول المختلفة، انما هي نتاج الحروب، التي شهدتها المنطقة في العقود الاخيرة، التي أفرزت جماعات التطرف الدينية، ودفعتها للواجهة لاستثمار خطابها الغبي والمأجور ( لانها في معظمها من انتاج وتمويل المؤسسات الامنية الغربية والاسرائيلية ). وفي السياق أكدت رسالة السينودس على الاخوة المسيحية الاسلامية واليهودية. ورفضها كل الظواهر الخطيرة مثل اللاسامية واللامسيحية والاسلاموفوبيا.

 


خامسا: دعوة المنظمة الدولية الى التدخل المباشر الى تطبيق قرارات مجلس الامن، واتخاذ ما يلزم من اجراءات قانونية لانهاء وزوال الاحتلال الاسرائيلي لحل المسألة الفلسطينية. وكأن لسان حال الاساقفة الكاثوليك دعم خيار القيادة الفلسطينية بالتوجه لمجلس الامن والامم المتحدة، لاسيما وان الرئيس محمود عباس، هو الزعيم الوحيد من رؤساء الدول والشعوب، الذي أرسل رسالة للاساقفة المشاركين في المجمع، وتم توزيعها عليهم جميعا بكل اللغات، التي يتحدثون بها.

 


رسالة الاساقفة الكاثوليك، رسالة شجاعة، وتعتبر مرحلة جديدة في الخطاب السياسي - الديني للمسيحية عموما والفاتيكان خصوصا لدعم الحقوق الوطنية الفلسطينية والقومية العربية. ورفض لاكاذيب اسرائيل وتجار التوراة والدين اليهودي. كما أنها دعوة صريحة للتسامح بين أبناء الديانات الثلاث: المسيحية والاسلامية واليهودية، ودعوة للتعاون بين أتباع الثقافات المختلفة، ورفض لمنطق « صراع الحضارات»، الذي نادى به صموئيل هانتغتون وأنصار اليمين في الحزب الجمهوري الاميركي، وصهاينة اسرائيل المتطرفين. ورد نوعي على جماعات التطرف والمتاجرة بالدين بغض النظر عن الدين، الذين يتبعونه.

 

عادل عبد الرحمن

الحياة الجديدة