جائزة الكتاب الألماني... لـ أويغن روغه «توماس مان الشيوعي»

لأيام خلت كان اسم أويغن روغه مجهولاً لدى القراء والنقاد. لكن الوضع تغير بين عشية وضحاها إثر فوزه بجائزة «الكتاب الألماني» عن أولى رواياته «عندما يخبو الضوء» التي تتناول أربعين عاماً من تاريخ ألمانيا الشرقية.
طوال سنوات كان الكاتب أويغن روغه منكباً على كتابة قصة حياة عائلته في ألمانيا الشرقية. وقبل شهور خرجت الثمرة إلى النور بعنوان: «عندما يخبو الضوء». كانت هذه هي أولى روايات روغه البالغ من العمر سبعة وخمسين عاماً، وعنها حصل مساء الاثنين الماضي على جائزة «الكتاب الألماني» لهذا العام. بروايته الأولى نجح روغه – مثلما تقول لجنة التحكيم – في أن يضفر «خبرات ومعايشات أربعة أجيال على امتداد أكثر من خمسين سنة في شكل درامي بارع». إن رواية روغه «تحكي قصة يوتوبيا الاشتراكية، وتخبرنا بالثمن الذي يُجبر الفرد على دفعه في ظلالها، كما تحدثنا عن أفول هذه اليوتوبيا تدريجياً». من ناحية أخرى احتفت لجنة تحكيم الجائزة بالأسلوب المشوق الذي كُتبت به الرواية وبالحس الفكاهي الغالب عليها. ثلاثة أجيال.. العذاب ثلاث مرات ولد روغه في عائلة مقتنعة بالشيوعية وأفكارها. غير أن الوالدين سرعان ما أصبحا من ضحايا الستالينية، أما الابن فيغدو مواطناً مُحبطاً من مواطني «جمهورية ألمانيا الديمقراطية»، ما يدفعه للهرب إلى الغرب. تبدأ أحداث الرواية في عام 1952 في المكسيك حيث يعيش الشيوعيان فيلهلم وشارلوته في المنفى، وهما شخصان من أصل متواضع ارتقيا السلم الوظيفي إثر انضمامهما إلى الحزب الشيوعي الذي فتح لهما المجال لكي تتفتح مواهبهما. يغلق فيلهلم وشارلوته عيونهما عن الجانب الآخر من الميدالية، عن القيود الصارمة التي يفرضها الحزب على أنصاره، وعلى اختفاء معارضيه وراء الشمس، ويظلان على إيمانهما بالشيوعية حتى عندما يروح أبناؤهما ضحية القمع الستاليني في الاتحاد السوفييتي. أحد الأبناء، كورت، يستطيع النجاة من معسكرات الاعتقال، ويهاجر مع زوجته الروسية إيرينا إلى ألمانيا الشرقية. يحاول كورت تناسي معاناته في معسكرات الاعتقال الشيوعية، ويتأقلم شيئاً فشيئاً مع الحياة في ألمانيا الشرقية، محاولاً أن يبتعد بقدر الإمكان عن الاقتراب من الحزب الاشتراكي الحاكم. في وسط هذه التناقضات والصمت من جهة الأب، وإدمان الكحول من جهة الأم، ينشأ الابن ألكسندر. ثلاثة مستويات زمنية.. وسبع رؤى مختلفة تدور بعض أحداث «عندما يخبو الضوء» في عام 2001 أيضاً، وذلك عندما يسافر ألكسندر إلى المكسيك مقتفياً آثار أجداده الذين نجوا من حقبة النازية عبر الفرار إلى هناك. وتكوّن الرحلة المكسيكية الإطار الذي يجمع أحداث الرواية التي تتضمن أيضاً حكاية العائلة ابتداء من عام 1952. وفي مستوى زمني ثالث يحكي روغه عن الجد فيلهلم في عيد ميلاده التسعين الذي وافق الأول من تشرين الأول عام 1989، أي قبل أيام معدودة من سقوط سور برلين وانهيار الكتلة الشرقية. وكما يتنقل روغه بين المستويات الزمنية المختلفة، يتنقل أيضاً بين الرؤى والحكايات، إذ يمنح كل شخصية من شخصيات الرواية الفرصة لتقف مرة في دائرة الضوء، مخصصاً لها فصلاً من فصول الرواية لكي تحكي رؤيتها للأحداث. ويبقى ألكسندر – الذي يمثل الكاتب نفسه – هو الشخصية الرئيسية في «عندما يخبو الضوء». نجح روغه في كتابة رواية مهمة ومؤثرة عن عالم ألمانيا الشرقية، رواية ملحمية دفعت كثيرين إلى تشبيهها بعمل توماس مان الأشهر «آل بودنبروك». ورغم أنها روايته الأولى، فهي تعتبر عمل حياته. وعندما نشر الكاتب فصولاً منها في عام 2009، حصل على جائزة «ألفريد دوبلين» التي يمنحها الروائي الكبير غونتر غراس. لا يمجد روغه في روايته ألمانيا الشرقية ولا يجملها. إنه يجسد تلك الفترة بكل أبعادها، مبيّناً أن الظلم قد يتجاور جانب الحق في كثير من الأحيان. شام نيوز - الثورة