جدل في لبنان بسبب "كلام الناس"

بعدما أطلّ برنامج 'كلام الناس' مع الإعلامي مارسيل غانم في حلّة جديدة شكلاً ومضموناً ضمن شبكة برامج موسم الخريف الجديدة التي تطلقها شاشة الـ'ال بي سي إنترناشيونال'، استحوذت حلقة ليل الخميس اهتماماً كبيراً وعكست الاجواء المتوترة التي يعيشها الشارع اللبناني، وقد واكبت هذه الحلقة حقيقة ما يعيشه اللبنانيون وما يقولونه في مجالسهم الضيّقة، وبدأت الحلقة باستعراض أنواع الاسلحة الفردية المطلوبة في السوق السوداء ومن بينها 'ام 4' المطوّرة والتي يصل سعرها الى 3500 دولار وبندقية 'كلاشنيكوف' التي يبلغ سعرها الآن 1500 و2000 دولار بسبب الطلب الكبير عليها بعدما كانت تُباع بـ 200 دولار.
وشرح أحد المحاربين القدامى الذي اصبح حالياً رئيس بلدية مزايا هذه الاسلحة وكيف يمكن تجهيزها بقاذفة قنابل. لكنه أوضح إن الحرب لو وقعت مجدداً فهو لن يشترك فيها بعدما شاهد ما حلّ برفاقه وكيف نسيتهم القيادات. ولعلّ مارسيل غانم أراد من مداخلة هذا الشخص توجيه رسالة الى كل المتحمسين للحرب أن يكفوا عن حماسهم وأن يتوقفوا عند شهادة حية وأمثولة لمن شارك في الحرب الاهلية المدمرة.
وقد تضمنت الحلقة أكثر من تقرير عن التحضيرات التي يلجأ اليها شبان من السنّة لمواجهة أي خطر قد يأتي من حزب الله الشيعي أو من حلفائه. وأعدّت الحلقة تقارير من الطريق الجديدة وباب التبانة وجبل محسن عن الوضع وعن الاستعدادات ووجود أسلحة فردية في المنازل، قبل أن تستضيف مجموعة من الشبان من مختلف التيارات السياسية نقلوا هواجسهم وافكارهم عبر الهواء بما تضمنته من احتقان طائفي ومذهبي وحوّلت الطاولة التي جلسوا حولها الى ما يشبه متراساً لاطلاق الاتهامات بين التيارات المتنازعة.
وفيما تحدث مواطنون في طرابلس عن تسليح حزب الله معارضين في جبل محسن وباب التبانة، هدّد شاب من جبل محسن بأنه إذا تعرضت منطقته لأي تحرّش من باب التبانة فإن الرد سيكون قوياً. واستضافت الحلقة سيدة من بيروت هي والدة احد الضحايا الذي سقط في أحداث 7 ايار، وقالت هذه السيدة إنها لن تسامح من قتل ابنها وتقصد حزب الله، ورأت 'ان العيش في اسرائيل أكثر اماناً من العيش في بيروت حالياً'، وذكرت أنها 'لا تملك سلاحاً في منزلها ولكن لو كان لديها سلاح لدافعت فيه عن ابنها'.
وفي وقت أفيد أن هذه الحلقة حققت نسبة مشاهدة كبيرة في صفوف اللبنانيين بفضل ادارة الاعلامي غانم والتقارير المشوّقة التي تضمنتها، فقد اعتبرها البعض 'غير موفقة'، ورأوا 'ان ضيوف مارسيل غانم لا يمثلون حقيقة قوية، بل هم صدى لأصوات مركبّة، لأن الأصل فيها هو أن اولئك الذين يُكثرون من الكلام هم أول من يحرّض وأول من يهرب في لحظة الحقيقة'. واللافت أن حلقة 'كلام الناس' جرى اختصارها وانتهت قرابة الحادية عشرة من الليل بعدما كانت الحلقات السابقة تطول الى ما بعد منتصف الليل ما يعني أن ثمة اتصالات وضغوطات حصلت لوقف البرنامج الذي ما كاد يُعاد بثه صباح الجمعة كالمعتاد حتى توقفت الحلقة بعد حوالي ربع ساعة فقط.
وقد استنكر النائب في 'كتلة المستقبل' خضر حبيب ما سمّاها 'برامج التشنج والتوتير وتحريض الناس بعضها على بعض والتي أطلت علينا بالأمس معيدة نكء الجراح وفتح الهواء لمن لا يمثلون الناس على الأرض، ليشتموا ويحرّضوا ويهددوا علناً بالجهوزية لزعزعة الأمن والاستقرار والتبشير بمعارك مقبلة ما أثار ذعراً وخوفاً في صفوف المواطنين'.
وقال حبيب 'اعتقدنا أن الحلة الجديدة التي أطلقتها بعض المحطات مبشرة بأسلوب جديد من البرامج الحوارية جعلتنا نأمل أن تكون تلك البرامج هادفة تجمع اللبنانيين حولها بجو من الاطمئنان، إلا أننا تفاجأنا بحملة تحريض واسعة استمرت 3 ساعات بدءاً من استعراض شتى أنواع الأسلحة وصولاً إلى طاولة المتاريس حيث أثبت من لا يمثلون سوى أنفسهم استعدادهم للفتنة'.
وطالب حبيب وزير الإعلام طارق متري والمجلس الوطني للإعلام بـ'التنبه إلى هذا الموضوع الذي يؤثر على السلم الأهلي ومعالجته فوراً'، ودعا وسائل الإعلام 'لاحترام ميثاق الشرف الإعلامي والمساهمة بتهدئة النفوس بدل التحريض واستقاء المعلومات من مصادرها الرسمية والأمنية وليس من بعض الافراد الموتورين'.
في المقابل، اتصل وزير الاعلام طارق متري برئيس مجلس ادارة 'المؤسسة اللبنانية للارسال' بيار الضاهر، بعد تلقيه مكالمات عديدة تستغرب أو تنتقد ما كان يبثه برنامج 'كلام الناس' من مقابلات.
وأبدى الضاهر تفهمّه لردات الفعل وحرصه على تجنب المزيد منها واستعداده لاختصار بث البرنامج. وكان متري استقبل نائب رئيس المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع ابراهيم عوض، وجرى البحث في الموضوع بعدما وجه المجلس كتاباً بشأنه الى 'المؤسسة اللبنانية للارسال'، كما جرى التشديد على الحق في حرية التعبير وحرية الاعلام، وعلى تطبيق القوانين والمسؤولية الوطنية في محاذرة الاثارة والتعميم والتخويف، اياً يكن من امر الدوافع المهنية المشروعة للعمل الاعلامي ولا سيما الاستقصائي.
القدس العربي