جدى الحبيب: هل قتلت أحفادك؟
جدى العزيز حسني.. أنا محمد علاء حفيدك الذي فقدته قبل عدة أشهر.. لا تتعجب، أنا هو.. فأنا ملازمك منذ فاضت روحي بعد مرضي القصير الذي اهتزت له مصر كلها، والأرواح تتجسد أو تتوحد مع من تحب.. وأنا أعرف مدى حبك لي وتعلقك بي.. كنت معك في كل الحفلات.. كنت تقضي أوقات فراغك معي تعاملني كصديق في سني تحكي لي عن مغامراتك وجولاتك السياسية وعن حروبك التي انتصرت فيها كطيار أو كرئيس.
جدي العزيز: الكل هنا في عالم الملائكة والأرواح يعرفون مكانتي لديك.. هم جميعاً يعرفون كيف أنك بكيتني أسبوعين متواصلين امتنعت فيهما عن الظهور إلى الملأ.. وكيف كانت صدمة موتي قاسية على أعصابك وقلبك وجسدك فلم تقدر أن تشارك في مراسم تشييعي أو في مأتمي.. لقد زاروني هنا في مسكني بالجنة مرات عديدة.. الأخيار منهم طلبوا مني أن أكتب إليك هذا الخطاب وأقنعوني بأن لديهم الوسيلة التي تمكنني وتمكنهم من إيصاله إليك.. لقد أفزعهم جميعاً وأفزعني ما حدث لمصر يا جدى العزيز يوم ٢٨ يناير الماضي.. وما تلاه من أيام.
لقد احتفينا يا جدي الحبيب هنا بوصول ما يزيد على ٣٠٠ شهيد إلى مقاعدهم في الجنة.. لقد بكيتهم يا جدي.. فالأرواح تألم وتفرح.. رأيت أطفالاً في سني. فاضت أرواحهم البريئة الطاهرة برصاصات حية من جنودك.. جاءوا من كل حدب ومدينة.. تجمعوا إلى جواري.. لا فارق بيني وبينهم.. بل هم أرفع درجة مني يا جدى.. لا يتألمون.. ولا يشكون من أحد.. هم لا يتظاهرون ضدك الآن.. فقد فوضوا أمرك أنت ورجالك الذين أطلقوا النار عليهم إلى الله.
جدي الحبيب: لقد سمعت تصريحاتك التي قلت فيها إنك تضع نفسك مكان كل أب وأخ وجد وزوجة فقد شهيداً في الأحداث الأخيرة.. وأنا أسألك يا جدى بلساني وبلسان الشهداء هنا: ماذا فعلت لهم.. أنا أتذكر يا جدي كيف بكاني الشعب كله.. كيف تعطلت كل البرامج في الفضائيات وتوقفت الأغاني والمسلسلات ليحل مكانها القرآن الكريم.. أتذكر دموع مقدمي البرامج من الرجال والنساء.. أعرف أن أبي علاء وأمى هايدي وأنت يا جدي قد وصلكم ١٥ مليون برقية عزاء.
فماذا فعلت أنت للشهداء الثلاثمائة في إعلامك وصحفك.. لا شىء لا دقيقة حداد واحدة على أرواحهم، لقد علمت أن جثامين الشهداء محفوظة في المشارح تحت لافتة: «قتلوا في أحداث الشغب» يسألونك هنا يا جدي عن تأخرك في تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول الأحداث الأخيرة، وعن سبب إطلاق الشرطة الرصاص الحي على المتظاهرين، وعفواً يا جدى فقد تذكرت شيئاً ربما تكون لا تعرفه، فنصف الشهداد هنا على الأقل لم يكونوا مشاركين في المظاهرات السياسية، بل هم لقوا حتفهم من رجال الشرطة حين كانوا يهربون من أقسام الشرطة والسجون، لقد خانك حبيب العادلى يا جدى.. أتذكر كلامك معى حول ثقتك اللانهائية فيه، ولكن من عالم العدل هنا أقول لك: لقد خانك العادلى وآخرون معه، يسألونك هنا يا جدى: هل أعطيت أنت أوامر إطلاق الرصاص على المتظاهرين ولو بشكل ضمنى.. أم أن أحد أجهزتك أو رجالك قام بهذه الخطوة بالتنسيق مع العادلى، وأن هذا هو السبب الوحيد الذى عطل حتى الآن توجيه اتهامات محددة لوزير الداخلية السابق!
جدى الحبيب: أتذكر حكاياتك الجميلة عن بداياتك الصعبة، عن الأسرة المتوسطة التى نشأت فيها وعن الشقة الإيجار التى تزوجت فيها من جدتى سوزان فى منطقة مصر الجديدة، والتى ولد فيها أبى وعمى جمال.. وأسمع الآن، وأنا فى دار الحق والعدل، أن لديك مليارات عديدة، لم تحدثنى يا جدى الحبيب عن هذا الموضوع وكيف حصلت أنت وأبى وعمى على كل هذه الأموال، وهل هى من أقوات الشعب أم من تجارة غير مشروعة، كما يقال لديكم على الأرض، وبالتحديد فى مظاهرات ميدان التحرير، وكذلك فى الصحف الغربية.
وأنت تعلم يا جدى الحبيب كيف كنت شغوفاً بخطاباتك السياسية، خاصة فى سنوات حكمك الأولى، حيث الحيوية والنشاط والمواقف الواضحة، أتذكر جيداً الآن عبارتك الشهيرة التى يحفظها كل المصريين «الكفن مالوش جيوب»، بالفعل يا جدى كلامك صادق.. وأنا هنا مثل الجميع الكل سواسية، الكل فقير إلا إلى عمله، وأنت رئيس مصر، ولست مواطناً عادياً، والشعب ثائر عليك.. فأنصحك يا جدى بالتوقف عن قتل الأبرياء أو تعذيبهم، اخرج يا جدى بشكل كريم، وصدقنى فغالبية الشعب تحبك.. ويتمنون خروجاً مشرفاً لك.. وأنا هنا فى عالم مطلع على القلوب أكثر من عالمكم، لقد رأيت الآلاف وهم يبكون عقب كلماتك المؤثرة الأسبوع الماضى، أنت كنت عسكرياً نزيهاً وشريفاً، هم يتذكرون لك ذلك، لم تخاطر بشعبك فى حروب تزهق أرواح الآلاف منهم، والآن عليك المغادرة بكرامة وشرف يا جدى بعد أن عاث الفاسدون حولك، وتعلقوا بعرشك، وبعد أن ضاعت سطوتك على مرؤوسيك، فمنهم من قتل أبرياء، ومنهم من عذب الآلاف، ومنهم من تاجر فى أقواته، ارحل بشرف.
جدى الحبيب: روحى تتجسد يومياً فى ميدان التحرير فى وجه كل طفل فقد أباه برصاص رجالك، لا تخف يا جدى.. شاهد المظاهرات ولو على قناة مصرية، انظر فى وجوه الأطفال، فسوف ترانى، لا تخف وأنت تنظر إلى صور الشهداء، وإلى دموع آبائهم زوجاتهم الثكالى، اسمع جيداً لشعاراتهم حتى لو تضمنت كلاماً غليظاً فى حقك أنت ورجالك، فهذه بداية التكفير عن الذنوب، بداية التعاطف مع الشهداء وذويهم يا جدى.. سأكون بينهم يا جدى فتأكد من ذلك!
حفيدك محمد علاء حسنى مبارك
محمد السيد صالح - المصري اليوم