جرائم الشرف... رخصة مفتوحة للقتل

 

لا توجد جريمة تستحق أن يطلق عليها جريمة شرف في أي عرف إنساني سليم ، فالقتل لا يمكن تبريره ، والنزوع إلى إنهاء حياة الإنسان ليس من صلاحية احد سوى الله ، والقانون الذي توافق عليه البشر في الأرض اللهم إلا إذا وقع ذلك خطأ ، فالحياة فرصة الإنسان الفردية التي لن تتكرر على الأرض ، ومن حقه ان لا تكون مرهونة بيد غيره ، سوى الدولة التي تنظم حياة الأفراد ، وتطبق القانون ، ولذلك يعد كل من ينازع الدولة صلاحياتها معاديا للتنظيم ، والمجتمع المدني ، ومبدأ تقاسم الحريات ، والدولة أول من يقع على عاتقها مهمة التصدي لمن ينتحل صلاحياتها ويمارس القتل على هواه ، ويتغطى بالقانون.

فلا يعقل أن تتوزع بعض مهام السلطة على الأفراد ، وكل من يقوم باستخدام العنف في طلب ما يعتقدها من حقوقه إنما يشكك في قدرة القانون على توفير هذه الحقوق وصيانتها ، وقد جاءت فلسفة السلطة العامة من خلال عملية حضارية قامت نظريا على أساس تجميع عنف الأفراد وحصره في المؤسسات ، فالدولة تمارس القتل بضابط القانون ، وتمارس صلاحية إيقاع العقوبات بمختلف أشكالها نيابة عن الأفراد عندما تتضرر حقوقهم من طرف الغير ، وهنالك مراقبة للكيفية التي تمارسها السلطة التنفيذية في هذا الشأن من قبل غيرها من السلطات كي لا يقع المحظور في الاستخدام الجائر للسلطة.

اما ان تصبح فئة اجتماعية عرضة لتنفيذ عقوبة الموت فيها ، وتعطى مبررات لمستخدمي هذه الصلاحية ، فهذا لا يعدو كونه رخصة مفتوحة للقتل الذي لا يجوز استخدامه من قبل الافراد لا على سبيل الشبهة ، ولا على وجه اليقين ما دامت هنالك قوانين تنظم العلاقات والمصالح العامة في الدولة الحديثة.

ونحن لم نشهد حتى في عصور الانحطاط العربي مثل هذه الممارسات الماسة بحق الحياة ، والتي أعادت الشرف وحصرته في دائرة ضيقة متمثلة بالمرأة كطرف مستضعف في الحياة ، وقد كان العرب الجاهليون تقدميين ، ينزلون تحت حكم الملكات ، وظلت المرأة مكرمة في الدين الإسلامي ، وفي سور القرآن الكريم ، وفي الممارسة التطبيقية في المجتمع الإسلامي ، ولم تكن معادلة حياتها ومماتها رخيصة إلى هذه الدرجة.

والشرف لا يمكن حصره في حدود الشبهة القائمة على سلوك المرأة ، وإقحامه على الفهم الاجتماعي بهذه الصورة البشعة ، وإنما يمكن أن يظهر في كيفية اتقان العمل ، وفي الشرف الوطني ، وفي التزام الأخلاق في المعاملات البينية ، وفي احترام الذات من خلال تأهيلها.

ومما يؤسف له أن فهماً مغلوطاً للشرف ساد مجتمعاتنا لا يبرح كونه استهدف المرأة بوابل من العنف من قبل أولئك الذين يعجزون عن حل إشكالياتهم الاجتماعية من خلال إعمال العقل ، فواقعنا الاجتماعي بات متغيراً على وقع ما يجري في العالم ، ونحتاج إلى إعادة النظر في كثير من عاداتنا ومورثاتنا الاجتماعية بما يساعد على إنتاج حياة ممكنة ، بدلا من أخرى تقطر دما ، ومن المهم توليد ثقافة قادرة على صياغة المجتمع الحضاري الذي يمارس فيه الأفراد حرياتهم بالشكل الايجابي ، ويبني موانع في مواجهة الانحدار الأخلاقي ، والسلوكيات غير المستساغة ، التي تتناقض مع المرجعية الدينية التي نستمد منها منظومتنا القيمية ، ومكمن الحل في إصلاح المنظومة القيمية ، وجعلها أكثر واقعية ، وعدم الظن بإمكانية الحصول على ملائكة على الأرض في إطار أية ثقافة كانت ، فالبشر عرضة للنقص ، ولا توجد تجربة اجتماعية متكاملة ، وإنما تعتري عوامل النقص كل إفرازات الحياة على الأرض عدا المعصومين ممن سلفوا من الأنبياء والرسل عليهم السلام.

وفي نهاية المطاف ولوقف مسلسل القتل بدعوى الشرف لا بد ان تكون المؤسسة الرسمية أكثر حزما في التعاطي مع هذا الخلل في مبدأ العدالة ، وان تزيل هذا الشكل من التميز بين الجرائم ، وان تجعل حياة كل قاتل عوضا عن حياة المقتول ، كي نحفظ ليس فقط روح المرأة التي هي عرضة للقتل ، وإنما الروح الجماعية التي تزهق مع كل متهور يحتكم إلى سورة الغضب ، وربما الأوهام والظن ، والشكوك والشبهات الباطلة قبل إقدامه على ارتكاب الجريمة النكراء.

 

علي السنيد - الدستور