جرائم برسم الشرف

تزدحم أجندة شهر آذار بمناسبات عديدة تتغنى بانجازات المرأة و بحريتها التي تحققت نوعا ما.... ولكن وبعيدا" عن المنتديات و الاحتفالات مازالت الصحف اليومية و المواقع الالكترونية تطلعنا على جرائم وقعت وكان ضحيتها فتيات قتلن بدافع غسل شرف العائلة .. بحثت شام نيوز عن عائلات تعرضت لما يسمى بجرائم الشرف .
ام مهند : فقدت ابنها الذي لم يكمل العشرين عاما" والسبب هو الدفاع عن الشرف . تقول الفتاة كانت صديقتي ابنتي وتترد على بيتنا من وقت إلى أخر ، أعجب ابني بالفتاة وكان الإعجاب متبادلا ، واتفقا على الخطبة بعد إن ينهي ابني خدمة العلم.
وفي أحد الأيام تواعد ابني معها في الحديقة العامة ، و هناك شاهدهما ابن عمها وفي اليوم الثاني واعد ابن عم الفتاة ابني, وفعلا" ذهب ابني لأنه يعرف الشاب وكان بانتظاره الشاب ومعه عدد من الشبان وقاموا بطعن ابني احد ى عشرة طعنة و توفي مباشرة .
رفض زوجي و أولادي تقبل العزاء بوفاة ابني ...... أن الأمر الذي أخشاه هو الثأر وخسارة بقية أولادي.
أم رامي سيدة لديها ثلاث بنات وولدان... تقول : عندما تقع المصيبة وتضعك ابنتك محل انتقاد الناس كلهم, القريب قبل البعيد , يصبح القتل هو الحل الوحيد ... أحبت إحدى بناتي زميلا لها في العمل وفعلا تقدم الشاب لخطبتها.. . رفضه والدها علما أن أوضاعه كانت مناسبة من حيث العمر و الوضع المادي غير انه كان من ملة أخرى...
تقدم الشاب أكثر من مرة و في كل مرة كان الرفض هو الجواب وفي أحدى المرات قام أبنائي بضربه عله يعدل عن طلبه , وفي هذه الأثناء اتفق زوجي مع أخيه لخطبة ابنتنا و ابنهم وفي اليوم المقرر للخطبة شربت ابنتي الكلور وحاولت الانتحار وبعد عدة أيام استيقظت لأجد ابنتي هربت وتركت وراءها ورقة تطلب فيه السماح وتفهم وضعها ..
أصدقك القول إن الدماء تجمدت في عروقي وغبت عن الدنيا . و انتشر الخبر بين الناس وصرنا حديث الحارة، والشاطر الذي ينصحك، وصرت محل اتهام الجميع من زوجي إلى زبال الحارة. فاالأم هي المقصرة وهي التي لم تحسن تربية ابنتها وهي وهي ..
وصار من يسمون أنفسهم الاقارب يطالبون زوجي و أولادي برد الاعتبار للعائلة وغسل العار الذي لحق بهم جراء ما فعلت ابنتي . فقررت أن اقتل ابنتي بيدي بدل أن يسجن أحد أولادي فذهبت إلى منزل أهل الولد وظللت انتظر كل يوم على أمل أن تخرج ابنتي أو يخرج الشاب الذي هربت معه ولكنهما اختبآا في مكان آخر..
وهكذا وبعد أسبوع يئست و قرر زوجي العودة إلى الضيعة . حاول أهل الشاب أن نتصالح مع ابنتي وزوجها أكثر من مرة لكن دون فائدة .... مرت خمس سنوات على هذه الحادثة ولم التق ابنتي فالجميع يعتبرها ميتة .
تقول أم رامي اجلس ليالي طويلة وأنا أبكي وحيدة و أتمنى أن التقي بابنتي لكن لا اجرؤ على قول هذا الكلام أمام أي شخص ، فوالدها أقسم على قتلها لو كان آخر يوم في حياته .
أم مصطفى : خرجي ابني من السجن منذ سنتين تقريبا" . تقول إن هم البنات يبقى حتى الممات.... لدي أربع بنات وثلاثة أولاد , نحن نسكن في حي شعبي قديم والمنازل متقاربة حتى تكادين أن تسمعي صوت النفس الذي يتنفسه جيرانك .
كانت ابنتي تدرس على السطح كي تقدم امتحان الكفاءة وهناك تعرفت على ابن الجيران وصارا يتواعدان على السطح و لم تنجح ذاك العام بالشهادة الإعدادية وظلت تخرج إلى السطح ، وبعد فترة تغيرت تصرفاتها وصارت تنام لساعات طويلة ولا تشاركنا في جلساتنا وانقطعت شهيتها عن الطعام , وصرت أراقبها حتى ضبطتها في إحدى المرات وهي تكلم ابن الجيران وتتوسله كي يخطبها قبل أن يكبر بطنها وتنكشف .
لم أتمالك نفسي وضربتها وحاولنا بعد ذلك إجهاض الجنين قبل أن يعلم والدها و أخوتها بعد أن أنكر الشاب فعلته ولكن دون فائدة .
عاد احد أبنائي الذي كان يعمل في الخارج وعلم بالأمر بعد أن لاحظ تغير جسد ابنتي فطلب من ابنتي أن تواعد الشاب و فعلا" استجاب الشاب لطلب ابنتي ، وعندما التقيا خرج ابني وأطلق النار عليهما وقتل أخته و الشاب .
لم أملك ما اخفف به عن ابنتي فجريمتها كبيرة وان لم يقتلها ابني لظل العار يلاحقنا حتى الأبد...
قلبي يحترق على ابنتي الطفلة التي غرر بها . اليوم لا استطيع أنا أو أخواتها أن نذكر اسمها في المنزل أو حتى زيارة قبرها ..
قصص كثيرة مازالت مخبأة وراء جدران المنازل ومنها من ذاع خبره . فعادة قتل الفتيات بهدف غسل العار عن العائلة عادة قديمة لا تمت للدين بأي صلة وذلك باعتراف الأديان جميعها ،ومع ذلك يسجل سنويا" في سورية و الأردن ومصر ما يقارب الثلاثمائة جريمة قتل في كل دولة على حدة، وتظل هذه الأرقام ناقصة في ظل غياب إحصائيات حكومية حقيقية تكشف حجم الواقع .
و يقول بعض الحقوقيين : إن حجم الجرائم المرتكبة بدافع الشرف خفت عما قبل بسبب القوانين و الأحكام الناظمة لهذه المسألة .
وقد صدر في مطلع هذا العام المرسوم التشريعي رقم 1 لعام 2011، الذي رسم تعديلاً على العديد من مواد قانون العقوبات السوري، ومن أبرز هذه التعديلات إلغاء المادة 548 من قانون العقوبات المتعلقة بالعقوبات بحق القاتل في جرائم لشرف واستبدال هذه المادة بأخرى حيث أصبحت العقوبة في حدها الأدنى الحبس خمس سنوات. شريطة المفاجأة في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء ، كذلك تم إلغاء المادة 508 من قانون العقوبات والتي كانت تنص على إيقاف ملاحقة المعتدي في حال زواجه من المعتدى عليها، وأصبح المعتدي يقضي عقوبة لا تقل عن الحبس سنتين حتى لو تزوج زواجاً صحيحاً .
كما أصبحت عقوبة الوالدة التي تقدم، اتقاء للعار، على قتل وليدها الذي حبلت به سفاحاً بالاعتقال المؤقت لمدة لا تقل عن خمس سنوات في حين أن المادة السابقة من هذا القانون لم تحدد الحد الأدنى لمدة الاعتقال المؤقت، كما تم إضافة عقوبة لمن يطلب الفدية إلى قانون العقوبات بعد أن كانت عبارة (طلب الفدية)غير واردة في القانون.
تنص المادة 548 من قانون العقوبات والتي تم إلغاءها على مايلي:
الفقرة 1- يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد.
الفقرة 2- ـ يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر.
وقد تم استبدال هذه المادة لتصبح كما يلي:
يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد وتكون العقوبة الحبس من خمس سنوات إلى سبع سنوات في القتل.
كذلك تم إلغاء المادة 508 من قانون العقوبات والتي كانت تنص على إيقاف ملاحقة المعتدي في حال زواجه من المعتدى عليها، وتم استبداله بحيث أصبح المعتدي يقضي عقوبة لا تقل عن الحبس سنتين حتى لو تزوج زواجاً صحيح.
_بينما يرى الكثيرون من المدافعين عن حقوق المرأة في سوريا ان القوانين والأحكام الحالية غير منصفة للنساء وفيها هدر كبير لحقوق المرأة السورية ومازالت هذه القوانين مناقضة لكافة الشائع السماوية وحقوق النسان في الحياة و الحياة الكريمة .
وقد التقت شام نيوز مع السيد بسام القاضي من مرصد نساء سورية وقال :
ان التعديل الأخير لقانون العقوبات، جاء مفاجأة بكل معنى الكلمة! بعد سنوات طويلة من فضح ما يتضمن هذا القانون من عنف وتمييز ضد المرأة السورية، في جوانب مختلفة، أهمها تشريعه لتنازل الدولة عن حقها الحصري بالقصاص، ومنحه للذكر بتقديم مكافأة تخفيض العقوبة له فيما إذا قتل أيا من النساء في "قبيلته" مدعيا أنه فعل ذلك بدافع "شرفه الجنسي"!
. فقد ناقض هذا التعديل مطالب الحملة الوطنية المناهضة لجرائم الشرف التي أطلقها مرصد نساء سورية منذ أيلول 2005، والتي أثبتت خلال السنوات الست الماضية أن مئات النساء السوريات يذبحن سنويا على امتداد الوطن، لا فرق بين مثقف وجاهل، بين مدينة وريف، بين متبع دين ومتبع دين آخر!
كما ناقض التوصية الثانية الواضحة تماما والصادرة عن الملتقى الوطني الأول حول جرائم الشرف (10/2008)، والتي نصت بصراحة على "إلغاء المدة 548 من قانون العقوبات"!
فالتعديل هذا لم يفعل سوى أن قلل من المكافأة الممنوحة للقتلة بأن رفع الحد الأدنى للعقوبة إلى 5 سنوات! إلا أنه، من جهة أخرى، ارتكب خرقا قانونيا صريحا، وانتهاكا دستوريا لا يقر صراحة وفداحة حين قال "تكون العقوبة الحبس من خمس سنوات إلى سبع سنوات في القتل"! هذا يشكل إقرارا لا لبس فيه أن العقوبة لن تتجاوز سبع سنين في حال من الأحوال
ولذلك فتعديل المادة 548 مرفوض جملة وتفصيلا. ولا يوجد أصلا تعديل مقبول. لأن أي تعديل سيتضمن حكما حق الذكور بقتل نسائهم. فيما يشكل إلغاء هذه المادة- العار الخيار الوحيد لنمسح وصمة العار هذه عن جبين التشريع السوري، بل عن جبين كل سوري وسورية.. فالأمر بسيط وواضح: إما أن النساء السوريات هن مواطنات، وبالتالي فإن قتلهن يستوجب العقوبة القصوى على أن لا تقل عن خمسة عشرة عاما، أو أن النساء السوريات هن ملكيات خاصة لما بين ساقي الذكور الذين تخلوا عن كل قيمة إنسانية وعادوا إلى البهيمية، وهو ما تؤكده المادة 548 بشكلها القديم، أو بتعديلاتها.
من جهة أخرى، قلنا مرارا أن رفضنا المطلق للمادة 548 نصا وفكرة، لا يعني أنها هي الأكثر استخدما في نحر النساء السوريات والرقص على دمائهن. بل هي المادة 192 من القانون نفسه التي تبيح جعل القاتل بطلا بكل معنى الكلمة.
وكنا قد قلنا مرارا أن إيقاف شلال الدم هذا الذي يحصد المئات سنويا، لا يمكن تحقيقه دون أن تعدل المادة 192 فتتضمن حظرا صريحا على استخدامها في أي قتل للنساء بذريعة الشرف! وأكد الملتقى الوطني حول جرائم الشرف ضرورة أن يعدل البند الثالث منها لينص على عقوبة لا تقل بحال عن 15 سنة! إلا أن الحكومة، في محاولة للتضليل، عمدت إلى تعديل بعض المواد المتعلقة بالمادة 192، تعديلات لا تصمد أمام نظرة واحدة متأنية لتنكشف على حقيقتها.
ففيما تم تشديد العقوبة قليلا فيما يخص المواد المرتبطة بشكل أو بآخر بالعذر المخفف، (243، 244) تجاهل المرسوم كلية المواد (240، 241) الماد ة 242، التي تشكل الأب الروحي للمادة 192. إذ تنص على: "يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بثورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجنى عليه."! وهذا يعني أن "ثورة الغضب"، تلك الغريزة الهمجية، هي فوق القانون السوري! وفي الواقع إن التزام القضاة بتطبيق روح هذه المادة يعني أن كل من يقتل موظفا لأنه تسبب له بمشكلة حياتية كبيرة يحق له الاستفادة من العذر المخفف! كذلك كل من يقتل طبيبا يرتكب خطأ طبيا بقصد أو بإهمال .
شام نيوز – نسرين علاء الدين