جماعتنا... جماعتكم.. جماعتهم...

في سوريا.. لا بد أن تحسب على جماعة ما... الانتماءات المختلفة تصبح علامات مميزة وفارقة للتعريف على الأشخاص.. فنحن لا يختلف أحدنا عن الآخر سوى أنه ينتمي لجماعة فلان أو ربما لجماعة مرتادي مقهى معين ليتوسع التعريف حسب الحدث فتخرج "جماعة الشعلان" (نسبة إلى منطقة الشعلان بدمشق)، والذين يمتلكون علامات مميزة بحسب المعرفين، تختلف عن "جماعة المشروع" (نسبة لمشروع دمر) دون ان تكون هذه "الفوارق" واضحة للجميع... وتلتصق هذه الصفات بأشخاص معينين لتستخدم للتعبير عنهم وإصدار أحكام قطعية بحقهم.. متناسين الفوارق الفردية حتى لذوي الاهتمامات المشتركة لنسمع عن جماعة "الراب، والميتال، والطرب، والجاز..".. الاهتمامات التي أصبحت أداة للتعريف...

أما اليوم ومع دخول الأحداث في سوريا شهرها الخامس لم تعد هذه الجماعات تعبر عن الأشخاص لتنفرز جماعات جديدة.. وتعريفات أخرى.. وليطفو على السطح جماعة الـ"منحبكجية" أي "المؤيدين" الذين يهتفون بحبهم للرئيس بشار الأسد... وجماعة المندسين "أي المعارضين بالرأي" وليظهر أيضا "المتظاهرون والعراعير" نسبة إلى الشيخ العرعور.. وغيرها من التصنيفات التي باتت تلاحق كل مواطن سوري إذ لا بد من ان تكون أحدهم.. حتى الصامتون سموا بـ"الخط الثالث"...

الشللية أو التجمعات ليست شيئاً جديداً.. فهذه المسائل لطالما طرحت وتظهر جليةً في ميداني الفن والإعلام.. وهذا ما نلمس آثاره يومياً إلا ان الجديد هو التجمعات والشلل ضمن الانقسامات فلم تعد تكفي كلمة معارض لتحسب على الرأي الآخر اليوم بات من الضروري تقديم ورقة انتساب إلى أحد التيارات المختلفة في البلد... أنت من جماعة "اللقاء التشاوري للمعارضة أو بتعبير آخر جماعة سميراميس" أو أنت من جماعة "حسن عبد العظيم" أي "هيئة التنسيق والتغيير الوطني الديمقراطي".. وإذا لم تكن من كلاهما فأنت من جماعة تظاهرة الميدان ومي سكاف أو فارس الحلو ومحمد آل رشي... أو من "منظري الثورة" أو من جماعة "الفيس بوك" الذين يجيشون دون وجود فعلي لهم سياسي أو ميداني... وربما يلتصق بك لقب جماعة "نداء الحليب" إلى الأبد.. وإذا كان حظك سيئاً فإنك ستحسب على جماعة "أنطاليا" أو معارضة الخارج أو سيرتبط اسمك باسم المعارض "هيثم المالح"...  

فالمعارضة اليوم لم تعد "معارضة" واحدة... والصوت الذي يرتفع لا يقول شيئاً موحدا في اغلب الأحيان... دعوات لمؤتمرات يقاطعها هذا ويثني عليها ذاك... آراء واقتراحات تلقى ترحيبا من بعض "الجماعات" وترفض من البعض الآخر...

الحالة التي نعيشها تأتي كترجمة حرفية عن تجربة ضئيلة لنا في الحياة السياسية السورية أنتجت لنا ثلاثة أجنحة للحزب الشيوعي وجناحين للحزب السوري القومي الاجتماعي.. وأحزاب ولدت من أحزاب... وأكثر من 12 حزبا كرديا بعضها لا يتعدى مشتركيه سوى عضو واحد بالإضافة لمكتب وشعار وبيانات تصدر في المناسبات...

البحث الدائم عن الانتماء مشكلة السوريين منذ أربعين سنة عندما بدأت الحياة تتلون بلون الحزب الواحد والأحلام تتطلع لتحقيق أهداف الحزب القائد... حتى أطفال المدارس صبغوا بلون واحد على مدى أكثر من ثلاثين سنة.. جعلت منا نبحث عن انتماءات أخرى نعرف بها عن أنفسنا تخلق لنا التميز عن لون الأسمنت وشكل البناء السوفيتي الذي ساد حياتنا لعقود... تثبت لأنفسنا انا قادرون على الاختلاف كجماعات.. لا كأفراد.. لأنه بعد ثلاثين عاما على الاشتراكية قتلت فينا فكرة الاختلاف والتميز.. فكلنا متساوون تحت راية الحزب الواحد...

الجماعات والانقسامات لم تعد هي المشكلة فهي وسيلة تعبير عن التميز... تبقى تحت السيطرة... لكن غياب الانتماءات الحقيقية قد يجعل البدائل أخطر من "مجموعة دوري التريكس" أو مجموعة "مثقفي السبعينيات" أو مجموعة "بنات القصاع".. فاليوم تغييب الانتماءات خلق انتماءاتٍ بديلة غير معلن عنها لنسمع عن "جماعة القبيسيات".. وجماعة "الشيخ النابلسي"... وجماعة "الإخوان المسلمين"... وجماعة "تنظيم القاعدة"!!