جنبلاط: ما ينطبق على سوريا ينطبق على حزب الله

رأى رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط أن التصريحات والتصريحات المضادة بين الفرقاء اللبنانيين "ستؤدي إلى المزيد من التوتر الذي سينعكس في النهاية على الشارع، وقد يتسبب ببعض الصدامات كما جرى في منطقة برج أبي حيدر قبل ثلاثة اسابيع، لذلك الشحن غير مفيد، فهو لا يفيد المقاومة، ولا يفيد طلاب العدالة". وقال: "لا بد من وقفة مشتركة هادئة في كيفية معالجة القرار الظني والمحكمة".
جنبلاط، وفي حديث إلى قناة "الجزيرة"، لفت إلى أن الأسباب "الظاهرية" للأزمة السياسية التي تعصف بلبنان اليوم هي أن "حزب الله يعتقد، عن حق، أن القرار الظني كما أشيع من الأخبار التي وصلت إلينا، ومن تقرير مجلة "دير شبيغل" الألمانية يتهمه بإغتيال (الرئيس رفيق) الحريري ورفاقه، في حين أن البعض في تيار "المستقبل" يقول: فلننتظر حتى صدور القرار الظني ثم نتبرأ منه. هذان المنطقان لا يلتقيان، ولكن في الوقت عينه المطلوب أن يلتقيا في مكان ما، كي نعالج سويًا، وبشكل مشترك، وقبل القرار الظني، تداعيات الإتهام".
وشدّد في هذا السياق على أن "المصلحة العامة ومصلحة الوفاق الوطني والسلم الأهلي والعدالة تجاه رفيق الحريري وكل الشهداء، لا تكون في مزيد من التوتر، وفي إراقة الدم في الشارع اللبناني، فهكذا لا نكون قد حققنا العدل في حق الحريري، ولا الحق والإنصاف لسلاح المقاومة الذي يجب ألا يقع في أزقة بيروت، فهكذا تضيع هيبة المقاومة".
ورأى جنبلاط أن "المخرج الأساسي والمعقول اليوم للأزمة الحالية أن ندخل إلى ما يسمى "شهود الزور"، ونسأل هل هناك ما يسمى شهود زور أم لا؟ أم بالأحرى هل هناك من إفترى على الحقيقة، طالما أن تسمية شهود الزور هي تسمية مرهونة بالمحكمة وبحكم قضائي؟ وهي أعطى هؤلاء شهادات مزورة؟"، مضيفاً "هذا مدخل للحل، ثم يجب أن يتم لاحقاً وعبر الهدوء بين الفريقين إصدار بيان مشترك مدروس من قبل "المستقبل" ممثلاً بـ(رئيس مجلس الوزراء) سعد الحريري و"حزب الله" ممثلاً بـ(الأمين العام للحزب) حسن نصرالله".
هذا ولفت جنبلاط إلى أنه "ليس بإمكان اللبنانيين إلغاء المحكمة الدولية، لانها باقية بقرار مجلس الأمن، بل نحن نسعى لإلغاء مفاعيلها المدمرة التقسيمية على الساحة الوطنية وفي بيروت". وأضاف: "لاحقاً إذا إجتمعنا نستطيع أن نتوجه إلى مجلس الأمن"، مشدداً على "أن وحدتنا والسلم الأهلي أهم من بعض القرارات الدولية التي يمكن ان تؤدي إلى خراب البلاد".
وعن حديث الحريري لصحيفة "الشرق الأوسط" وإسقاطه الإتهام السياسي عن دمشق في قضية إغتيال والده، أجاب جنبلاط: "لم يتراجع الحريري عن مواقفه السابقة، بل أيقن في النهاية أن الإتهام السياسي المبني على ما يسمى الشهود الزور الذي تبنيته أنا قبل الحريري، ليس مبنياً على معطيات موثوقة، لذلك إتخذ الحريري الموقف الذي إتخذته قبله".
وأردف: "مسألة الإتهام السياسي تنطبق على "حزب الله" كما إنطبقت على سوريا من قبل خصوصاً عندما نرى مجموعة الدلائل غير الصحيحة في تقرير (رئيس لجنة التحقيق الدولية الأول ديتليف ميليس) والمبنية على الشهود الزور مثل شهادة زهير الصديق، وبالتالي يمكن أن يبنى الإتهام لـ"حزب الله" أيضاً على وقائع غير صحيحة"، لافتاً إلى أن "القرائن التي قدّمها نصرالله لا بد أن تفتح نافذة، ولكن في الوقت الحاضر التقرير أو التحقيق لا يريد أن يأخذ هذه القرائن بالإعتبار".
وسأل جنبلاط: "هل كانت القرائن لإتهام سوريا كافية عندما إستمعنا إلى نظرية تقول أن كبار الضباط اللبنانيين، ومنهم الضباط الأربعة، والضباط السوريين أي لم يبقى لا ضابط سوري ولا لبناني إلا وإجتمع في شقة متواضعة في الضاحية الجنوبية، وقرروا إغتيال الحريري. هذه مزحة لأن إغتيال بهذا الحجم لا يتم التخطيط له بشقة متواضعة وبهذا الشكل"، معتبراً أن "المحكمة أو قسم من إستخدام المحكمة، إذا صح التعبير، يُراد منه جعل لبنان منطقة فوضى، كما جعلوا من العراق منطقة فوضى، وكما يطل علينا اليوم التوتر المذهبي في الكويت، وفي البحرين، واليمن، وذلك ربما لتمرير صفقة معينة في فلسطين على حساب الحق والعودة والتوطين وإستعادة الحقوق".
وردّاً على سؤال عما يمكن أن يحصل إذا تم إتهام "حزب الله" في القرار الظني، قال جنبلاط: "يزداد التوتر وحزب الله لن يقبل بهذا الإتهام، فلننظر إلى الصورة بشكل أكبر. أن تتهم حزباً ذو لون معين، فهذا يعني أن القرار الظني يتهم الشيعة باغتيال رفيق الحريري، وحينها نعود إلى فتنة كبرى، وهذا ما لا نريده، ولذلك يجب أن نتعلم من تجارب التاريخ ومن الحرب الأهلية التي مررنا بها وأن نتعظ بدلاً من أن نعيد الكرة بحماقة مجدداً"، مضيفاً "أن الصراع السني - الشيعي مفتوح ولا نريده أن ينتقل إلى لبنان عن طريق قضية رفيق الحريري المسلم الوطني المنفتح، ولا نريد أن ندع الصراع أو الفوضى تنتقل إلى لبنان من العراق ومن باكستان".
وعن قيام القياديين اللبنانيين بالموافقة في السابق على قيام المحكمة الدولية، أوضح جنبلاط: "كنا في تلك الفترة تحت وقع ضربات الإغتيال والشحن العاطفي الهائل ضد سوريا الذي خلقناه نحن وأوقعنا أنفسنا في الفخ: فخ المحكمة، وقلنا أنه لا بد من عدالة ما في مكان ما، ولكن لا يمكن أن تخلق عدالة في مجتمعات معينة، إلا من خلال نموها وإتجاهها نحو الإستقرار والإنفتاح والتطور، ولكن للأسف نحن نعيش في الشرق". وتابع: "في تلك المرحلة لم نكن ندرك أبعاد أن تأتي دول أخرى وتوافق على المحكمة تحت الفصل السابع ولم ندرك أنه دائماً يكون هناك ذرائع تنكب عليها الدول عند اللزوم والمحكمة قد تكون ذريعة لخلق فتنة، إذا ظل المسار كما نعلم، وإذا ما صحّح المسار نمنع هذا الإستخدام".
وعن مجريات اللقاء الأخير الذي جمعه مع الحريري، قال جنبلاط: "تربطنا مع الحريري ومع العائلة صداقة كبيرة، وقلت للحريري خلال هذا اللقاء أنه في النهاية إتخذتَ خياراً سياسياً أخذته أنا قبلك بعام وهو العودة إلى سوريا وتبرئتها ولكل خيار سياسي ثمن، فلا نستطيع أن نخطو خطوة ناقصة وعند إتخاذ خطوة معينة يجب أن نذهب فيها إلى النهاية، وبالتالي يبقى موضوع عالق هو الشهود الزور، فلنكشف إذاً تلك البؤرة ونخرجها إلى الملأ".
وعما إذا كان من الممكن تورط قادة سياسيين لبنانيين في مسألة شهود الزور، قال جنبلاط: "يبقى ثمن إتهام قادة سياسيين أيا كانوا، أخف بكثير من الدخول في الفتنة. والنقطة الأساس التي يجب نركز عليها هي الشهود الزور، وهي المدخل لبناء الثقة وزيادتها مع النظام السوري والرئيس السوري بشار الأسد، ثم تعالج الأمور الباقية لاحقاً".
ورداً على سؤال عن قيامه بوساطة بين الحريري ونصرالله، أجاب جنبلاط: "حاولت القيام بوساطة خجولة عندما أوفدت (وزير الأشغال العامة والنقل) غازي العريضي إلى نصرالله الذي أبلغه أنه سيبعث بدوره برسول إلى الحريري، ولست أدري ما إذا كان نصرالله قد فعل هذا أم لا"، معرباً عن تمنيه بـ"أن يأتي هذا الرسول، إذ لا يمكن أن نبقى في خنادق وسائل الإعلام". وأضاف في هذا السياق: "قد لا ننجح في التسوية، ففي النهاية القوى المتصارعة أكبر بكثير من جنبلاط ومن طلاب العدالة والحقيقة قد تنتهي حينها في الزواريب والأزقة والدم وهذا ليس بعدل للمقاومة التي فيها فائض من القوة التي ستنتهي في شوارع بيروت".
وعن رأيه في سلوكيات مسؤولي "حزب الله" ومواقفهم في الأزمة الأخيرة، حذّر جنبلاط الحزب "مسبقاً من أن لا يقعوا في المطب الذي وقعت فيه الأحزاب اللبنانية سابقاً، ففي هذا البلد أياً كانت قوة فئة أو طائفة عليها في النهاية أن تأخذ بالإعتبار الآخرين، فلا أحد يستطيع أن يتحكم بقرار هذا "الموزاييك"، وهذه المجموعة من العشائر والقبائل التي تشكل الشعب اللبناني". وتابع: "اليوم لا مبرر لسبعة أيار آخر، وعلينا معالجة موضوع المحكمة بالحوار وبموقف مشترك لسعد الحريري وحسن نصرالله".
وعن إحتمالات إنسحاب وزراء المعارضة من الحكومة واسقاطها، سأل جنبلاط: "بعد الانسحاب من الحكومة والفراغ الحكومي، ماذا بعد؟ ستنهار المؤسسات والجيش والدولة، ولا مصلحة لحزب الله وغيره في هذا الأمر". وأضاف: "لن ينجح قرار وقف التمويل عن المحكمة، فعندها، يمكن أن يعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أنه سيطلب التمويل من بلدان أخرى، وإذا أرادت أميركا أن تستمر المحكمة، سيستمر التمويل، ولهذا علينا أن نجد بيننا كلبنانيين على الأقل القاسم الأوحد المشترك مثل منع الفتنة، ولا بد من معالجة مشتركة لبنانية يمكن ان تتبعها إتصالات دولية نستفيد فيها من بعض الأصدقاء مثل روسيا وربما فرنسا لتقول لأميركا أن هذه المحكمة ستدمر البلاد”.
وعما إذا كان وزراؤه سيصوتون داخل االحكومة مع وقف التمويل، أجاب جنبلاط: "حتى هذه اللحظة قراري مرتبط بتطورات تمويل المحكمة وسأبلغ الحريري إذا تغيرت الحيثيات وذلك بشكل مباشر وليس عبر التصويت، وسأكرّر له أنه عندما تختار طريق في السياسة عليك أن تمشي فيه حتى نهايته"، معتبراً أن "التجربة السابقة في شلّ الحكومة كانت غير ناجحة والأفضل أن يكون هناك تغيير حكومي إذ ليس من صالح أحد إسقاط هذه الحكومة فحينها سندخل في الفراغ ونعود إلى مرارة الأيام الماضية"، داعياً "إلى معالجة الأمور من داخل الحكومة وعبر فرصة تاريخية هي شهود الزور"، موجّهاً النصيحة للمعارضة بأنه " لا يمكن للحريري أن يستجيب بهذه الطريقة المتبعة الآن لمطالبهم ولو بالحد الأدنى وليس باستطاعته أن ينبش قبر والده في سوليدير. ليست هذه طريقة للتعاطي ويجب أن نعطيه فرصة". وسأل: "من يمكن أن يشكّل غيره الحكومة؟"
وعن إحتمالات ما قد يصدر عن لقاء الحريري- نصرالله في ما لو إنعقد، قال جنبلاط: "إذا صفيت النوايا نعم يمكن أن يتوصلا إلى شيء ولكن عليهما أن يجلسا سوية من دون ثالث ويتكلما من رجل لرجل ويجيبا عن أسئلة: إلى أين العدالة؟ إلى أين البلاد؟ وأين فلسطين في مرحلة التهويد المطلق؟ وإلى أين العالم العربي بأكمله؟ وهل نحن مسلمون أم نحن مذاهب وقبائل؟" وأكّد جنبلاط في هذا السياق أن الحريري ونصرالله "سيقرران سوياً مصلحة لبنان والمسلمين فالمستقبل ونزع الفتيل مرهونان بلقائهما الذي بالطبع لن يلغي كل الخلافات ولكنه في النهاية سيزيل بعض الشكوك وبعض الحذر فالعلاقة الشخصية مهما جداً في السياسة وفي كل شيء".
وعن الخطوات التي يتخذها رئيس مجلس النواب نبيه بري ومواقفه من الأزمة الأخيرة، قال جنبلاط: "بري يتألم وهو حريص على وحدة اللبنانيين والمسلمين وله دور قد يلعبه على طريقته بشكل صامت، ولكن لا أستطيع أن اجيبك بشكل دقيق عن مواقفه".
إلى ذلك، شدّد جنبلاط على أن "التقارب السعودي - السوري مهم جداً وهو الذي شكل حكومة الوفاق الوطني وهو جدا مهم للبنان وفي العلاقات الداخلية"، داعياً إلى أن "يتم سد الثغرة في الحوار السعودي الإيراني الذي يجب أن يقوم على الأقل فيما يتعلق بلبنان إذ أنني أعتقد أن جزءاً من التوتر في لبنان سببه غياب هذا الحوار"، لافتاً إلى أن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد "سيقول من خلال زيارته إلى لبنان أنه موجود على الساحة اللبنانية وبالتالي يجب أن تم الحوار معه على الأقل من أجل المصلحة اللبنانية"، متمنياً على نجاد أن "يأخذ في الإعتبار مصلحة المقاومة ولبنان لأنه إذا كان هناك جيش ذو عقيدة تدافع عن المقاومة وشعب يحتضنها فهذا أفضل من توجيه الرسائل الكلامية وأفضل من فائض السل".".
وعن العلاقة مع مصر، قال جنبلاط: "خروج مصر من كبوتها التي بدأت منذ كامب دايفيد قد يخفف الأزمة في لبنان وعدم التقارب السوري - المصري قد يترجم على الأراضي اللبنانية بشكل سلبي"، محذراً في مجال آخر من أنه "إذا ما دبّت الفوضى في لبنان سيأتي الجهاديون ونحن لا نريد أن يأتي أحد إلى لبنان".
شام نيوز- وكالات