حاولا قتل متسول كفيف ... و لكن...!!

 

في صبيحة يوم كان يفترض أن يكون هادئاً في ذلك الحي الفقير الهادئ تناقل الأهالي باستغراب نبأ مقتل الكفيف والأخرس المتسول (ج) حيث وجد مذبوحاً في غرفته ,وحسب الشهود الذين كانوا مع شرطة المخفر لدى تفتيش الغرفة وجدت كميات كبيرة من النقود مخبأة في صفيحتين معدنيتين يعلوهما الصدأ , وقد تحرز ضابط الشرطة على النقود وموجودات الغرفة وتم نقل المقتول الأعمى للمشفى لعرضه على الطبيب الشرعي لعدم وجود مركز مستقل للطب الشرعي آنذاك .‏

و(ج) هذا معروف جيداً في أحياء المدينة فمع أن أحداً لا يذكر متى بدأ التسول إلا أنه صار مألوفاً بثيابه الرثة وعصاه وصوته البكائي وهو يتجول بدون تعب متسولاً ليعود إلى غرفته الترابية المهلهلة في أحد الأحياء البعيدة مساء , فمن له مصلحة بقتل متسول أعمى وأخرس ؟!‏

الحادثة برمتها شكلت لغزاً كان من الممكن اعتباره لغزاً وإنهاء التحقيق واعتبار القاتل مجهولاً ولكن !!‏

بقية أنفاس‏

عندما تم استدعاء الطبيب الشرعي للمشفى ليكشف على جثة المقتول ذهل ضابط الشرطة عندما أعلن الطبيب وهو يعاين الجثة بأن صاحب الجثة لم يمت وأن ثمة أنفاساً باقية فيه رغم كل الدم الذي نزف منه وبدلاً من كتابة تقرير وفاة انهمك الطبيب الشرعي بخياطة رقبة المغدور بعد أن تبين له أن سكين الذبح لم تصل للحنجرة ونجح بربط الشرايين مع بعضها , وبتدخل الأطباء الآخرين تم إنقاذ حياة المغدور ووضع في العناية المشددة بانتظار صحوته من غيبوبته بعد أن تم تزويد جسمه بالدم اللازم .‏

خطة جنائية‏

طلب الضابط من الأطباء إبقاء خبر عدم موت (ج) سراً , وأن يعلنوا لمن يسألهم أنه توفي , وبنفس الوقت وضع غرفة (ج) تحت المراقبة الخفية اعتماداً على قاعدة أن المجرم لابد أن يعود لمكان ارتكاب الجريمة , وقد اشتبه العناصر الذين كانوا يقومون بالمراقبة الخفية بشابين تبين أنهما من سكان حي آخر ميسور ترددا مراراً على المكان وهما يسألان المتجمهرين عما حدث فتم توقيفهما واقتيادهما للضابط الذي واجههما بسؤال عن سبب ترددهما على مكان الجريمة في هذا الحي البعيد رغم أنهما من سكان حي آخر , فأجابا بأن المدينة كلها سمعت بخبر مقتل المتسول (ج) , وقد جاءا مدفوعين بفضولهما , وبقيا متماسكين في كل الإجابات التي قدماها على أسئلة الضابط الذي لم يجد إلا إخلاء سبيلهما بعد أن طلب منهما عدم مغادرة المدينة إلى حين انتهاء التحقيق .‏

المواجهة الصاعقة‏

بعد يومين استعاد (ج) بعض صحته وصار قادراً على الوقوف , وهو ما جعل الضابط يتابع التحقيق ضمن الخطة الجنائية التي رسمها مسبقاً حيث استدعى الشابين مع عدة أشخاص آخرين من أصحاب السوابق وأخذهم للمشفى معلناً لهم أنهم فقط سيدخلون لمشاهدة جثة (ج) , وبوجوده مع (ج) في الغرفة تم إدخال المشتبه بهم تباعاً وحيث بدأ يدقق في ملامح كل شخص يدخل ليفاجأ بأن (ج) لم يمت , وليخرج المشتبه مع دهشته من باب آخر غير الذي دخل منه .‏

عندما دخل الشخصان المشتبه بهما بشكل رئيسي للغرفة فوجئا بوجود (ج) واقفاً وعصاه بيده , فأصابتهما الدهشة , ووسط الذهول الشديد تمتم أحدهما : ( كيف .. كيف لم يمت ؟ ) وكانت هذه العبارة الخيط الذي أمسك به الضابط للتحقيق مجدداً مع الشابين وخاصة بعد أن شعر باضطراب ملامح (ج) عندما سمع صوت الشاب , وبعد دقائق في الغرفة المجاورة بنفس المشفى انهار الشابان واعترفا بأنهما حاولا قتل (ج) .‏

الاعتراف‏

 

قال أحد الشابين معترفاً : نحن شريكان في محل سمانة , وقد تعودنا أن يمر علينا الأعمى المتسول (ج) عدة مرات في اليوم ليستبدل حصيلة ما تسوله من عملة صغيرة بعملة ورقية لأن ( الفراطة ) تلزمنا في عملنا وكنا نتساءل أين يذهب بهذه المبالغ الكبيرة التي يتسولها , وبلحظة ضعف تبعناه ذات مساء إلى بيته ووجدناه يدخل غرفته الترابية , وقد انتظرنا حتى حل الليل ثم دخلنا الغرفة وفي نيتنا سرقة المال الذي نعرف أنه كثير وموجود في الغرفة , لكنه صحا وانتبه إلينا وبدأ يصرخ فحاولنا تهدئته , إلا أنه زاد من صراخه فلم أجد إلا أن استل سكينتي وأذبحه حيث سقط مضرجاً بدمائه .‏

وتابع أحد المجرمين اعترافه :‏

بعد ذبحه بحثنا في الغرفة فلم نجد شيئاً , فنبشنا الأرض على تخمين أنه يطمر المال فيها فلم نجد أيضاً شيئاً , وقد جلسنا على الصفيحتين الصدئتين لنستريح من عناء البحث مراراً دون أن يخطر في بالنا أنهما المكان الذي يكدس فيهما أمواله , وقد غادرنا الغرفة بعد أن يئسنا من العثور على المال .‏

و.. انتهى التحقيق .. وعاد (ج) بعد فترة للتسول في حين كان الشابان يقضيان حكماً بالسجن جزاء ما اقترفاه .‏

 " هذه القصة حدثت في الجزيرة السورية منذ ستينات القرن الماضي "

 

شام نيوز- جريدة الجماهير