حاولوا ان تستمتعوا !!!

محمد عبد الرحيم - شام نيوز
لايعرف الكثيرون في سوريا الاعلامي المصري عمرو أديب, ولااعرف ما اذا كان هذا شيئا سيئا ام جيدا..
الرجل كان يعمل في قناة أوربت التي يملكها رجال أعمال سعوديون, وهي مشروع خاسر بالمعنى الاعلامي والمهني والتجاري, وربما هي ككثير من المشاريع الاعلامية التلفزيونية الخاصة افتتحت لأسباب تتعلق بالوجاهة , والحسد , أو طفولة قاسية لصاحبها , أو بسبب عدم اكتمال نضجه الجنسي.
فجأة، ودونما مقدمات، زار الإعلامي المصري عمرو أديب مقر حزب الوفد المصري المعارض, ووقع استمارة انضمامه الى الحزب في حضور السيد البدوي، رئيس الحزب ,,
عمرو اديب على مايبدو سينضم ايضا الى تلفزيون الحياة المصري "وذلك في اعقاب اغلاق السلطات المصرية استوديوهات اوربت في المدينة الاعلامية بستة اكتوبر", طبعا قناة الحياة يمتلكها السيد البدوي زعيم حزب الوفد, وهو رجل اعمال مشهور في مصر ب"ملك الفياغرا" , واشترى مؤخرا صحيفة الدستور وكانت اول قراراته طرد رئيس التحرير ابراهيم عيسى أشد معارضي توريث الحكم الى جمال مبارك .
أديب ظل طوال سنوات عمله العشر السابقة مستقلا ويتفاخر بأنه ليس منتميا إلى أي من الأحزاب، حيث قال في أكثر من حلقة في برنامجه إنه ينتمي إلى حزب "جمهور المشاهدين" .. رغم أنه يعمل في قناة مشفرة.
عمرو اديب لمن لايعرفه ملأ الدنيا صراخا حول قضايا شعبوية .. مثلا معركة أم درمان بين الجزائريين والمصريين, وخاف من قلبه على نجلي الرئيس علاء وجمال عندما حوصرا في مبنى السفارة المصرية في الخرطوم ولم ينم حتى وصلا الى قاهرة المعز فجرا , وصرخ بأعلى صوته اثناء معارك النظام المصري مع الاسلاميين : لتولع الديمقراطية , اي ترجمة للعبارة الامريكية لتذهب الديمقراطية الى الجحيم .. واعلن تاييده للتوريث .
رجل اضواء تعلم الكار كما يجري في العالم العربي بطريقة عائلية من شقيقه الاكبر عماد اديب , "نادرا ماتجد الان مؤسسة اعلامية في العالم العربي الا وتحولت الى مؤسسة عائلية" .
الرجل لم يستطع البقاء بعيدا عن الاضواء اكثر من اسبوعين بعد إغلاق مكاتب اوربت بسبب خلاف قيل انه ناتج عن تخلف القناة عن دفع مستحقاتها المالية, ولكن "الخبثاء" قالوا إنها في إطار تكميم الأفواه الجاري حاليا في مصر قبل الانتخابات.
عمرو أديب ليس ظاهرة في هذا المجال بل هو فقط أحدث قصة لانكشاف عالم الاعلام وفقدانه المناعة أمام دوائر السلطة والمال والعائلات السياسية في كل مكان .
فقبل عمرو أديب وطوال عصر مايعرف بالفضائيات العربية كانت تجري أحداث غريبة , وجدنا من تترك قناة الجزيرة والصراخ من أن الاسلام في خطر واليهود وصلوا الى فراش العامرية, الى التفنن بمديح الليبرالية وحب الحياة على قناة العربية ... ومن المذيعيين والصحفيين من ترك الجزيرة الى الحرة وبالعكس ,, ومن اعلام سعودي الى قطري وبالعكس , وهناك من ارتدت الحجاب في قناة العالم و"البروتيل" في قناة اخرى... وهناك من اخرجت الشرر من عينيها وهي تصف جرائم الكيان الصهيوني في تلفزيونات الممانعة , ثم سـبلت عينيها لتقول : سيد شلومو ماذا تقول حكومة تل ابيب في كذا وكذا.
لاضرورة للتفجع حول هذه القضايا ... أصلا من كان لديه أي ثقة في استقلالية الاعلام او سلطته الرابعة في العالم العربي بغياب السلطتين القضائية والتشريعية ؟ ومن كان لديه أوهام بأن هؤلاء المعربدين ذوي الرواتب الضخمة يقبضون فعلا مايقولونه ؟.
وفي دمشق خرج بعض الفنانين ليقولوا إن بعض الصحفيين مرتزقة يعملون وفق أوامر شركات الانتاج الفني أو من يدفع بدون تحديد.
الصحفيون انتفضوا لكرامتهم المهدورة وتشفوا بالفنانين, وقالوا عنهم إنهم بدورهم مرتزقة ويسعون وراء أدوار كومبارسية في الدراما المصرية, ولديهم استعداد لفعل أي شيئ لإرضاء المال الخليجي , وفي سوريا عبارة أي شيئ تعني تحديدا .. أي شيئ.
أنا شخصيا في ندوة نظمت في النادي الاجتماعي في الطلياني سألني واحد من الجمهور كيف كنت تعمل في قناة شام التي يقول صاحبها ان توجهاتها اسلامية محافظة, ثم قمت بنفس الدور في قناة المشرق شديدة الانفتاح؟.. وحتى الان وأنا أبحث عن الجواب...
اقول لكم : الصحفيون ليسوا مرتزقة وأعرف أنهم يتمنون وجود جو صحفي يحترم استقلالية الصحافة وكونها سلطة رابعة, لكن هذا الجو غير موجود في عالمنا العربي الآن لا من الحكومات ولا من القطاع الخاص, وذلك ليس كل شيئ, فحتى المجتمع لايريد حرية الصحافة لأنه مجتمع مؤدلج, لايريد أن يسمع سوى صدى صوته , نحن مازلنا ننظر الى الاعلام كشاعر القرية يمدحنا ويهجو أعداءنا , وهذا يفسر لماذا تحولت نشرات الاخبار والبرامج الجادة الى حفلة زجل.
عندما قرر سعد الحريري طلب الصفح من سوريا ذهب أولا إلى مبنى قناة المستقبل وصرخ فيهم : رفيق الحريري كان والدي أنا وليس والدكم, وانا ادفع الرواتب هنا فليتوقف كل شي , وعندها عادت سوريا لتبدو جميلة على تلفزيون المستقبل.
هيمنة رأس المال كانت أشد صرامة من الحكومات, هل تستغربون الآن اذا كان اكثر الصحفيين حرية هم من يعملون في الإعلام الحكومي وليس في سوريا فحسب.. ففي القطاع الخاص يكون لدى المالك الانطباع بانه يجب ان يفرط في جرعة التملق ليحافظ على "الرخصة" وإبعاد شبهة عدم الوطنية, والصحفيون ليست لديهم أي فرصة لتحدي سلطة المالك في غياب القوانين والارضية الحقوقية واتحاد الصحفيين... أما في القطاع الحكومي فالمدير والصحفي موظفان, لذلك هي بيئة آمنة وظيفيا, وأسوأ مايمكن ان يحصل مع صحفي هو النقل الى قسم آخر أو تقليص امتيازاته الشحيحة أصلا , ثم بسبب أن المدير موظف فسيأتي يوم ويرحل عند أول غلطة, وكل ماعلى الصحفيين أن يفعلوه هو أن ينتظروا ,,
أما في القطاع الخاص فمالك القناة لن يرحل أبدا , لذلك صحفيو القطاع العام اكثر حرية وليس لديهم عقدة نقص تجاه الولاء الوطني , هل تستغربون الآن أن اكثر القصص النقدية الساخنة التي تنشرها وسائل الاعلام الخاصة في سوريا مصدرها الجرائد الحكومية.
والأهم أن صحفيي الإعلام الحكومي أفقر, يعني مازال لديهم هم وطني للاصلاح, أما جماعة القطاع الخاص فقد "اغتنوا" واقتربوا أكثر من دوائر المال, وأصبحت لديهم مصالح أكبر في الاستقرار , ومديح التنمية ... لن أضع قوسين على أي كلمة, لأن المقال بالكامل هو بين قوسين .
هل هي دعوة للعودة الى تأميم الاعلام .. لا .. بوضوح لأننا وصلنا الى هنا بسبب تأميم الاعلام .
وفي الحقيقة لاضرورة للبحث عن حلول داخل وسائل الإعلام لأن المسالة بالكامل ليست إعلامية.
وبالمناسبة لايوجد حل قريب ... لذلك .. في هذه الأثناء .. حاولوا أن تستمتعوا .