حدائق دمشق... من جرائم الاغتصاب إلى احتضان الفن.. والسوريون منقسمون بين عالمين!!
"مستحيل... لن أجلس في حديقةٍ عامة.. ليست مكاناً لمثلنا.."... جملة وضعتها إحدى الشابات حاجزاً للتفريق بين "هم ونحن"... تعريف يميز بين طبقتين لا يعرف من ينتمي إلى كل منهما غير السوريين أنفسهم.. فالحدائق العامة وخاصة في السنوات الأخيرة أصبحت أسوء مكانٍ يمكن لمتعب في الشارع ان يلتجأ إليه... إذ يفضل الكثيرون الجلوس على حافة الرصيف على الدخول إلى حديقةٍ عامة.. خاصةً إذا كانت إحدى الحدائق المعروفة.. "كتشرين" أو "المنشية" أو "النيربين" التي وصلت سمعتها إلى كافة المحافظات... مرفقةً بسلسلة من جرائم الاغتصاب والاعتداء على الأطفال والمخالفات الكثيرة.. إضافةً إلى المعاكسات التي تتعرض لها الفتيات في حال قررن دخول الحدائق العامة...
الحل في تحديد الجنس والعمر...
أم عمار سيدة لخمسة أطفال رأت أن دخولها لحديقة عامة كان أمراً مستحيلا منذ سنوات لأنها تخاف على أطفالها من "الغرباء"، وان الحل أصبح في الحديقة التي تم تخصيصها للنساء والأطفال في البرامكة، فهناك أطفالها أصبحوا بأمان أكثر من "الغرباء" ومن السيارات في الشارع...
وتضيف: "كان يجب أن يقوموا بمثل هذه الخطوة من سنوات.. فالحدائق العامة قليلة.. مما يدفع الأطفال للعب بالشارع ويبقيهم عرضة للخطر.. واليوم هناك رأي يقول بأن هذه الحديقة لن تعود كذلك وهذا ما لا نتمناه..".
سمعة تشرين وصلت إلى كل العالم..
تشتهر أغلب المدن بحدائقها العامة لتعرف عنها وتكون نقطة مميزة كأحد معالمها الهامة.. فشيكاغو مشهورة بحديقة "الملينيوم بارك" ونيويورك بـ" سنترال بارك" ولندن بـ" ريتشموند بارك".. وغيرها من المدن إلا ان دمشق تشتهر حدائقها لأسباب اخرى غير التنظيم والجمال.. بل كثرة الحوادث والجرائم التي تحدث داخلها.. إضافة إلى قلة النظافة.. ودخول أشخاص يسيئون إلى الأخلاق العامة مما يجعل الكثيرين يبتعدون عن الجلوس فيها..
محمد شاب سوري يعيش في الخليج أخبرنا أن أصدقاءه كثيرا ما يسألونه عن حديقة تشرين التي يكتب الكثير عن الحوادث التي تحدث فيها.. ويقول: "كانوا رفاقي يسألوني، هل حقاً الحدائق غير آمنة.. وهل يغتصب الأطفال فيها دون رقابة؟؟، كنت انزعج ولكن للأسف هناك من أساء لسمعة الحديقة في سوريا".
محمود وعبد الله شابان يقضيان الكثير من أوقاتهما في الحدائق ويعتبران أنها "أحسن من الشارع"... ويرى محمود أن ما يقال عن تواجد أشخاص سيئين في الحدائق العامة لا يعني ان كل من يجلس فيها سيء.. وأن الجلوس بالحدائق العامة أرخص ويتناسب مع الحالة الاقتصادية لهما... ففي الحديقة يستطيعان رؤية أصدقائهما والتسلية دون دفع الكثير...
المحافظة تحاول التحسين.. والفن هو السبيل!!
بعد أن كثرت الشكاوي وكما يقال بالعامية "طلعت ريحة" الحدائق العامة.. لجأت المحافظة إلى حلول بديلة لرفع مستوى حدائق دمشق.. فبدأت من تحسين المظهر العام بالاعتناء بالأشجار والزينة النباتية... لتحاول تكملة ذلك بنشر منحوتاتٍ لنحاتين سوريين وعالميين في هذه الحدائق والشوارع العامة.. معتبرةً ذلك إحدى الوسائل التي قد ترفع الذائقة الفنية وتدفع الناس إلى احترام "هيبة الفن".. لكن ذلك لم يجد نفعاً كبيراً لأن سكان دمشق قابلوا المنحوتات بالاستخفاف ورسموا عليها وحفروا أسماءهم كما يفعلون بالأشجار ومقاعد تلك الحدائق...
لكن المحافظة لم تيأس لذلك بدأت بمشروعها "موسيقى على الطريق" من خلال حفلات مجانية تقام في الحدائق العامة أسبوعياً.. لتصطلح أحوال هذه الحدائق ليوم واحد في الأسبوع وتعود لسابق عهدها بقية الأيام..
هاني شاب في الثامنة والعشرين قال لنا إنه تردد كثيراً عندما أراد اصطحاب خطيبته إلى حفلة موسيقى على الطريق في حديقة الجاحظ نظراً لسوء المكان.. لكنه تفاجأ بالتنظيم والأمن المتواجدين اثناء الحفل مما جعله يرتاح.. لكن عندما أراد اصطحابها في اليوم التالي عاد الوضع لسابق عهده.. وعاد المكان "حديقة عامة" حسب تعبيره!!
القشلة "الناجي الوحيد"!!
تجربة موسيقى على الطريق.. ونشر الفن في الحدائق العامة.. لرفع سوية رواد الحدائق لم تنجح مع المحافظة إلا في مكان واحد "حديقة القشلة" في باب شرقي.. ففي حديقة "الفطر" كما يسميها روادها بسبب وجود مقاعد تشبه نبات الفطر.. تعاش الحرية والراحة على أكملها... شبان وشابات يفترشون الأرض أو المقاعد.. يستمعون للموسيقى.. وبعضهم يعزف.. يضحكون ويتسلون في مكانٍ بقي بعيداً عن "هم" بتعريف السوريين وبقي لنا "نحن" كما عبرت الشابة التي التقيناها في بداية تحقيقنا.. حديقة القشلة نموذج بدأ يستقطب الأجانب قبل السوريين الذي يضعون أيديهم على قلوبهم كي لا يكتشف الذين يخربون سمعة الحدائق الأخرى مكان حديقتهم حتى يظلوا يستمتعوا بالجو غير المكلف اقتصادياً...
راما الجرمقاني- شام نيوز