(حدث ذلك غداً).. مسرحية سورية تنتصر للأماكن البديلة

امل عمران

افتتح مختبر دمشق المسرحي بالتعاون مع تجمع تنوين للرقص المسرحي أول عروض مسرحيته التجريبية "حدث ذلك غداً" درامارتورجيا وإخراج أسامة غنم عن نصوص للألماني فرانز كزافيه كروتز والإيطاليين داريو فو وفرانكا راما والإنكليزي مارك رافنهيل وذلك في حي مئذنة الشحم بدمشق القديمة.

وتقوم هذه التجربة على لقاء ثلاثة أنماط من الكتابة لثلاثة مؤلفين مسرحيين شديدي الاختلاف عن بعضهم البعض حيث دمج مخرج العرض بين هذه الأساليب متكئاً على تقنية تصادم الأشكال الفنية أو ما يسمى بتعدد الأصوات داخل النص الواحد مبرراً ذلك برحابة المكان الذي اختاره لإبرام حبكات نصية عالية المستوى بين الشخصيات النسائية التي تبناها العرض كمقولة عالم يزداد قسوة ووحشية.

ويتناول العرض حكاية ثلاث نساء يعشن جنباً إلى جنب وفق ميكانيزم الصمت والنطق وثنائيات الحركة والسكون حيث تذهب كل من الفنانة أمل عمران والفنانة نوار يوسف نحو بناء مشهدية متتابعة لحساسيات أنثوية تشي بعزلة إنسانية عميقة تعيشها المرأة مع أشيائها وتفاصيلها اليومية بين مرآة زينتها وسكاكين المطبخ حيث وبعد نهار عمل طويل تعود هذه المرأة المستقلة إلى بيتها الصغير لتواجه أغراضها وأغانيها وجدرانها.

ويتصاعد العرض منذ اللحظة الأولى بمشهد لهذه المرأة في مقابلة للعمل أمام تجار الرقيق الأبيض حيث يكشف مشهد كل من نوار يوسف والفنان محمد آل رشي عن جوهر التسليع الاستهلاكي لجسد المرأة الذي يحولها شيئاً فشيئاً تحت ضغط إيجاد فرصة العمل والهروب من شبح البطالة النفسية والعملية إلى مخلوق مرتهن لأوامر رب العمل الجديد الذي جسده الفنان آل رشي بمهارة عالية.

ويتميز العرض الذي يستمر حتى الثامن والعشرين من شهر تشرين الأول الجاري بانحيازه لأماكن العرض البديلة معولاً هذه المرة على فضاء عبقري يبدوءه المتفرج من دهليز الحارة الشامية موصولاً بجدران البيت الدمشقي ذي السقوف العالية ناسفاً بذلك أشكال العرض التقليدي المعتمدة على موديل العلبة الإيطالية أو ما يسمى مسرح الإطار.

ويزاوج مخرج العرض بين خطوط فرجة وهمية متداخلة في فضائه المفتوح على مفاجآت متنوعة بداية من الدرج الحديدي الممتد في عمق المكان ونهاية بكراسي الجمهور المحيطة والمتشابكة بحيز حركة الممثل حيث تصبح الخشبة المسرحية قابلة للطي وفق أشياء منزلية بسيطة تستعمر جسم الفضاء تاركةً الحرية لمنابع حيوية متعددة للدلالة والرمز في العرض المسرحي.

ويمزج الفنان أسامة غنم في حوارات ممثليه الثلاثة بين اللغة العربية الفصحى وبين اللهجة العامية مبتكراً حلوله الخاصة في إدارة لعبة تبدأ من جوانيات الممثل وعلاقته التي يبنيها مع أشيائه وأمتعته المسرحية عابراً بمونولوج طويل ملاصق للجدران أدته الفنانة الشابة نوار يوسف بتقنية لافتة في استذكار لنص داريوفو وفرانكا راما المكتوب وفق حساسية ساحرة في الوحشة الإنسانية والعزلة التي ترعى قلبه بين جدران صامتة مغلفة بإتقان.

كما نجحت الفنانة القديرة أمل عمران في أداء دور استثنائي في العرض من خلال شخصية نسائية صامتة تمارس وحدتها مع فرامة لحم وحاسوب شخصي وفرشاة أسنان ومغسلة متغلبةً على مسرح الكلام مبتعدةً تمام الابتعاد عن كليشيهات الحكي واللعي المطول فعلى مدى أكثر من ساعة ونصف استطاعت عمران جذب متفرجيها بأداء خاص لشخصية امرأة تعيش داخل مونولوج طويل من السكوت المطبق.

يذكر أن عرض "حدث ذلك غداً" سينوغرافيا حكمت الشطا تعاون فني مي سعيفان مساعد مخرج ديمة أباظة دراماتورجيا وإخراج أسامة غنم.

ويقدم هذا العرض بدعم من معهد غوته في دمشق ومؤسسة المورد الثقافي ومؤسسة هيفوس الهولندية ومجموعة بطاطا غروب السورية.


سانا