حدوتة مصرية!!

"لن نورث بعد اليوم " .. مطلب صرخ به أكثر من 80 مليون مواطن في وجه "خديو القرن الحادي والعشرين " قبل نحو 4 أشهر .. غير أن "عرابي " هذه المرة نجح في خلع " الخديو " الذي إستعان "ببقايا نظامه " – بدلاً من الإنجليز - في محاولة لإفشال ثورة يناير إذ لم يكن من المنطقي أو الممكن نفي "80 مليون عرابي " إلي "سرانديب "- سيلان حالياً- مثلما فعل توفيق الأول مع عرابي .. لتبدأ الحدوتة :
قبل آلاف السنين من بداية احتساب التوقيت الميلادي .. اختار مزارعون " وادياً ضيقاً " - يشقه نهر اعتبروه شريان الحياة - عاشوا فيه .. زرعوا .. حصدوا .. وأحالوا " واديهم " إلى سلة لتقديم الغذاء للعالم .. وأقاموا دولتهم بينما كانت بقية الدنيا تعيش في ظلام الكهوف .. وقدم هؤلاء المزارعون لهذا العالم نموذجاً لحضارة أبهرته ولا تزال .. غير أن كل ما كان يؤرقهم أن أبواب " واديهم " كانت مفتوحة أمام الغرباء من كل جنس ولون مثل أبواب دور السينما – فى العصر الحديث – تفتح لمن يمسك بيده " تذكرة " !!
آلاف السنين مرت وتغير كل شئ ..أقنع المزارعون أنفسهم بأنهم يسكنون وادياً للصناعة فتوقفوا عن الزراعة وألقوا بالسلة بعيداً , ووصل بهم الأمر إلى أنهم بدأوا يسألون الأجانب عن " لقمة عيش " إلى درجة أن من بين كل 5 أرغفة هناك دائماً 4 منها مختومة بشعار " صنع بالخارج " .. الغريب أن هؤلاء المزارعين قد حافظوا على إعجابهم - الذى يصل إلى درجة " التقديس " - لكل من يتولى أمرهم دون أن يكون لهم أى يد فى اختياره .. حتى الغرباء " الغزاة" – الذين احتلوا واديهم - عشقوهم وصنعوا لهم التماثيل بإستثناء سفاح البشرية " هولاكو " .. ويبدوا أنهم كرهوه بإعتباره الوحيد من بين هؤلاء الغزاة الذى فشل فى إحتلال واديهم !!..
عاشوا أحلاما ً وإكتشفوا - بعد فوات الأوان – أنها كانت " أوهاماً ".. وتبين لهم أنهم أوكلوا كل من تولى أمرهم " زعيم .. كبير .. بطل " فى كل شئ يتعلق بمعيشتهم .. إعتمدوا عليه فى مأكلهم .. مسكنهم .. علاجهم .. تعليمهم ..عملهم وتوقفوا هم عن كل شئ إلا إجترار الذكريات والبكاء على تلك الحضارة التى صنعها أجداد أجداد أجدادهم !!
اكتفوا بترديد شعارات " الريادة ".. و " القدوة " و " القدرة " و " التفرد " و"الإنفراد" وغيرها من التعبيرات التى كانت " تدغدغ " مشاعرهم وتغذى روح " الغرور " فيهم ليصدموا فى النهاية بحقائق كان العالم كله يدركها عدا هم كما لو كانوا "أزواجاً " بإعتبار أن الزوج دائما آخر من يعلم !!
فى فترات قليلة تنازل سكان الوادى عن اعتيادهم " تقديس " الوالى بعد أن اكتشفوا أن بعض من اختاروهم كمجموعة حكماء لإدارة شئون واديهم قد عملوا لمصلحتهم الخاصة ولم يشغلوا بالهم بمتاعب وهموم هؤلاء المزارعين .. !! .. فخرجوا عليه وأطاحوا به مرتين ..الأولى في منتصف القرن الماضي " يوليو 52" والثانية في مطلع العام الجاري "25 يناير " ..!
ومثلما إنشغل مواطنو الوادي في المرة الأولى بتصفية الحسابات مع الماضي .. إنشغلوا أيضاً بها في المرة الثانية ..و لم يلتفتوا إلى أن هناك من يسعى لإختطاف "ثورتهم " .. وأن هناك فصائل عدة تسعى لفرض كلمتها على الجميع بإعتبار أنها " الوكيل الوحيد والحصري لثورتهم " !
وأخطر ما يمكن رصده في المشهد الحالي هو محاولة البعض إعادة فرز المواطنين سواء على أساس ديني أو طائفي ..مسلم أم مسيحي .. سني أم شيعي .. أصولي أم سلفي أم علماني كافر .. مع الثورة أو ضدها .. وبالتالي يمكن وقتها – بعد إعادة هذا الفرز – تسكينهم في حدود كل دولة من تلك التي يسعون إلى تأسيسها قفزاً فوق الدستور والقانون وإجهاضاً لحلم شعب ثار من أجل الإصلاح والوحدة .. فهل نفيق ؟!
عبدالعظيم درويش - صحيفة الأهرام