حديث الصباح ....صح النوم... !!!!!

عصر حروب طروادة الإغريقية


 هيام حموي


الصراع بين الخير والشر قائم منذ الأزل، وتعرفه أجيال البشر في معاناتها على مرّ العصور، ولكن هل يمكن للباحث في تاريخ الإنسانية ملاحظة أن كفّة الشرّ باتت أرجح في ميزان القوى؟ أم أن التوازن الكوني يحافظ على النسبة ذاتها في الجانبين، إنما تبدو كفّة الشر هي الراجحة، ظاهرياً، بسبب الإعلام في العصور الحديثة، وبالذات بعد اجتياح الإعلام الفضائي للشاشات التلفزيونية، مطلع سنوات التسعينيات، مباشرة بعد سقوط جدار برلين، وتفاقم الأمر إثر تفجيرات أيلول 2001. 

ترى لو أن الإعلام، بمفهوم اليوم، كان موجوداً في عصر حروب طروادة الإغريقية التي يفترض المؤرّخون اندلاعها في الألف الثالثة قبل الميلاد، على الأراضي اليونانيّة، هل كانت الأحداث التي وصلتنا عن طريق أسطورة "الإلياذة" هي الأحداث التي وقعت فعلياً قبل أن تتدخّل مخيّلة الشاعر الكفيف هوميروس، جامع أحداث المعارك وأخبار فرسانها وجميلاتها.

حروب كثيرة اندلعت عبر التاريخ، كان السبب المباشر في انطلاق شرارتها امرأة فاتنة أو حصان يسابق فرساً، أو مِرْوحَة مصوّبة من يد حاكم دولة، خيراتها الوفيرة محطّ الأنظار، إلى وجه سفير دولة حاقدة تحلم بالغزو... في حين أن المبرّرات الحقيقيّة الكامنة خلف الغزوات والاجتياحات والتدخلات الخارجية هي الماء والكلأ ومن بعدها الطاقات المدفونة في الرمال على هيئة زيوت وغازات وأيضا أحجار براقة، ذهبيّة كالسكوت، أو فضيّة كالكلام، وحتى ماسية متلألئة بألف لون ووميض كبريق عيني عاشق اكتشف لتوّه وهج الشغف بالمعشوق.

شعوب بأكملها تمّت إبادتها أو تهجيرها بسبب الجشع الذي استولى على قلوب أتباع الجانب المظلم من الكون ولم يعجزوا عن إيجاد الذرائع الموجبة لكل سلبياتهم. ولم يكن الإعلام موجوداً بمفهوم اليوم للتوعية أو للتجييش!!!!


لكن من هو المخطّط البارع القادر على اللعب على مختلف أوتار النفس البشرية والذي ينجح دوماً في استدراج الخصم الساذج إلى أرض ملعبه، خصم جاهل أو غافل حتى عن التزوّد بسلاح الذكاء أو السلاح المادي المناسب.

 

 

"العلاقات الخطرة"، رواية فرنسية كلاسيكية ويتيمة لمؤلفها المدعو كوديرلو دي لاكلو، من أدباء القرن الثامن عشر، كان موصوفاً بالإباحية، تحوّلت فيما بعد، عام 1988، إلى فيلم سينمائي شهير يحمل العنوان ذاته، للمخرج البريطاني ستيفن فريرز، تتحدّث عن شخصين، امرأة ورجل من الوسط الارستقراطي، يفتقدان لكل أنواع الأخلاقيات، يتحالفان لمجرّد السأم والرغبة في اللهو، ويعملان على التلاعب بمصائر كل المحيطين بهما، فتلتقي مصالحهما على إلحاق الأذى بسيدة محترمة ومخلصة لزوجها الضابط، وكذلك بشاب فقير يحب صبيّة من عائلة متزمّتة، ويقتضي سيناريو المؤامرة غواية الصبية البريئة التي لم تسمح  تربيتها المحافظة بتنمية وعيها، بحيث كانت تظن أن القبلة على الشفاه هي أسوأ ما يمكن أن يحدث لشرفها، فاستماتت في الدفاع عن فمها تاركة المنافذ الأخرى بلا دفاع، فخسرت "أعز ما تملك" حسب العبارة التي كان متعارفاً عليها في زمن أفلام يوسف وهبي، و"عوده الكبريتي" الشهير.

إن لم تكن التربية في المؤسّسات التعليمية والإعلامية قادرة على توعيتنا بالقدر المطلوب لنواجه المؤامرات التي تُحاك من أجل الاستيلاء على ممتلكاتنا المادية والروحيّة، فإننا بمنتهى البساطة سنفقد "أعز ما نملك" بينما نواصل الاستماتة في المناداة بشعارات غير واقعية!!! وبكل الأحوال هكذا فقدنا القدس ونكاد نفقد ما تبقى من فلسطين...