حسن الختام

ديانا جبور. بلدنا
أشاحت بوجهها عن صور الدمار والجرحى، تتأمل الأفق البعيد. مدىً لم تخالطه أدخنة أو غبار، لكنّها عندما أدارت وجهها كان كالحاً وقاتماً، ثمّ، وبصوت معدن يحزّ على سطح زجاج قاسٍ لكنّه ينذر بالتفتت، رجَت ابنتها أن تشتري لها في طريق العودة بيجاما رياضية. لم يكن الجوّ يسمح بالمزاح، فحدّقت فيها الابنة، مستفسرة عن الرابط بين مناظر الجثث المتفحّمة والعجائز المنقولين على حمالاتٍ، والمتكئين على سواعد المتطوّعين، وهذا الطلب الغريب في توقيته على الأقل؟
أجابتها الأم عن السؤال الذي لم يطرح، وقالت: أشعر أنّ الموت يتربّص بنا جميعاً أينما كنا، وكيفما كنا؛
في العمل أو الشارع أو البيت، يقظين أو نائمين، وأنا لا أريد في آخر عمري، أو بعد مماتي، أن ينكشف ستري، والمنجدون ينتشلون جسدي، وربما جثماني من تحت الأنقاض.
أريد أن أكون على النقالة، أو بين الأذرع، أو على الأكتاف، محتشمة، كما كنت طوال عمري، لذلك سأنام من الليلة بما لا يشمر فأخجل وأنا في قبري، ثم تمتمت: اللهم حسن الختام.
تفجيرات تحوّل كلّ سوري إلى مشروع شهيد يتجاور مع الموت، لكن دون أن يتصالح معه؛ بل يخاف منه أكثر وأكثر، وقد صار يتربّص به خلف الانحن،اءات والأبواب والمنعطفات.
خوف قد يقصي العقل، ويؤجّج غريزة تشعل شرارة حرب أهلية شرسة، يزداد معها تخندق كلّ فريق وراء متاريسه، وكأننا في جبهة لا في رحاب وطن، وقد يصل التطرّف بحريصٍ على الاستقرار، وبمدافعٍ عن الأمن، إلى اعتبار أيّ مُطالبٍ بالإصلاح، أو متظاهر ضدّ الفساد، عدواً يموّه على إرهابي يتوجّب سحقه، وهذا فعل إلغائي سيواجهه الطرف المقابل بإقصاء لا يقلّ تشدداً، فيتحوّل بعضهم إلى حاضنة مثمرة لتيارات التفجير والتكفير، بعد أن كانت معزولة ومؤطرة في أضيق الحدود.
يختلف الرواة والمحللون في إحالة تفجيري الأمس، وقد تكون هناك بالفعل أيادٍ خارجية تريد زرع الشوك والألغام في الجسد السوري، وفي الأفق بوادر حلحلة سياسية بين الكبار تدفع بمن خسر أوراق القوّة التي كان يلعب بها إلى اللجوء إلى العنف.. كلّ شيء وارد إلا أن يقوم الخارج بنزع شوكنا وتفكيك ألغامنا. لن يضحّي أحد في سبيلنا، وآنذاك لن يبقى أمامنا إلا السعي إلى حسن الختام.