حصيلة عزرائيل من ارواح السوريين

بلغت الوفيات في سورية خلال الأعوام الأربعة الماضية (2006 وحتّى نهاية2009) أكثر من 250ألف وفاة، أي يموت في سورية وسطياً أكثر من 62ألف شخص سنوياً،.
وفق نموذج السنوات الأخيرة المذكورة، ومازالت أمراض القلب والجهاز الدوراني (خناق صدر - احتشاء - ضغط- أوعية دموية..الخ» تشغل السبب الأول للوفيات، وتفاقمت أمراض الجهاز التنفسي من المسبب الرابع للوفيات عام 2006 لتصبح المسبب الثاني خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وتراجعت مرتبة الأورام من المسبب الثاني عام 2006 لتصبح رابع مسبب للوفيات عام 2007 ثم شغلت ثالث أكثر مسبب للوفيات عامي 2008 و2009.
واللافت في الحوادث المختلفة أنّها كانت تشغل السبب الثالث للوفيات خلال عامي 2006 و2007 تراجعت لتصبح السبب الرابع خلال العامين الأخيرين، أي أنّ أمراض القلب والجهاز التنفسي والسرطانات هي الأخطر في سورية ولها الحصّة الكبرى..
حسب الإحصاءات الصحية الرسمية فإنّ أمراض القلب والجهاز الدوراني مازالت تشغل السبب الأوّل للوفاة في سورية حيث شكّلت نسبة مساهمتها في الوفيات خلال الأعوام الأربعة الأخيرة المذكورة على التوالي: 52.9% و50.6% و49.2% و44.7%، ومن المتغيرات الواضحة في أسباب الوفيات أنّ أمراض القلب التي حافظت على موقعها كمسبب أوّل تراجعت نسبة مساهمتها في الوفيات من 52.9% عام2006 إلى 44.7% عام، ولكن من خلال القراءة لإحصاءات أربع سنوات فإنّها تساهم وسطياً بحوالى 50% من الوفيات كل عام.
من الأمور الواجب الإشارة إليها أنّ أمراض الجهاز الدوراني وفق الإحصاءات لا تتصدّر الأمراض المنتشرة، ولكنها الأكثر تسبباً في حدوث الوفيات، إذ وفق إحصاءات العام 2008 على سبيل المثال فإنّ أمراض الجهاز الدوراني هي ثالث أكثر مرض منتشر في سورية، بنسبة 12.8% ضمن إجمالي المرضى، في حين شغلت المرتبة الثانية في انتشارها ضمن أمراض العام 2009 وبنسبة 13.3% فقط، ولم تحدث متغيرات كبيرة في انتشارها، ولكن هذه الأمراض التي تشغل مرتبة ثانية أو ثالثة سابقاً في انتشارها تشغل السبب الأوّل للوفيات، وما تشكله من نسبة انتشار ضمن المرضى الذي يزيد عن 13% يصبح 44.7% ضمن مسببات الوفيات، وهذا يعني فاعلية واضحة بوفاة من يصاب بها.
الجدير ذكره أنّ القطّاع الصحي في نص الخطة الخمسية العاشرة تضّمن مشروع تعزيز صحة القلب والأوعية الدموية وتكلفته 7508 ملايين ل.س، وأهدافه (الحد من معدلات حدوث أمراض القلب والأوعية، وزيادة معدل الاكتشاف المبكر لأمراض القلب والأوعية الدموية، ورفع وتحسين نوعية الخدمات العلاجية، وتطوير الرعاية المجتمعية والمنزلية لمرضى القلب، وتحقيق رضى المواطنين عن الخدمات وضمان حصول الفقراء عليها..)، فما حال هذا البرنامج؟
ويقتضي التنويه بأنّ منظومة علاج أمراض الجهاز الدوراني تطوّرت في سورية وبشقيها العام والخاص ولكنها تتركّز في دمشق، ولايزال الزحام على عمليات الجراحة الخاصة بشؤون القلب وطابور المنتظرين لإجراء جراحات تخص الجهاز الدوراني العنوان الأبرز في هذا المجال..، إذ يموت قسم من المرضى دون أخذ حقّهم بالعمل الجراحي!
سبق النشر تفصيلياً نهاية الشهر الماضي حول أمراض الجهاز التنفسي في سورية، ويقتضي التنويه بأنّ هذه الأمراض قفزت مرتبتين ضمن أسباب الوفيات إذ كانت تشغل المرتبة الرابعة ونسبة 5.5% من الوفيات عام2006 وأصبحت تشغل المرتبة الثانية منذ عام2007 ووصلت نسبة مساهمتها في الوفيات إلى 16.2% عام 2009، ويمكن ملاحظة مدى تطوّرها الخطر من خلال نسبة مساهمتها في الوفيات تلك النسبة التي تفاقمت بأكثر من ضعفي انتشارها السّابق، ومن خلال الإحصاءات الإجمالية يلاحظ أنّ النسبة الكبرى في النقص الذي حصل بمساهمة أمراض الجهاز الدوراني في الوفيات ذهب بشكل رئيس إلى نسبة مساهمة أمراض الجهاز التنفسي.
واللافت أنّ مرتبة انتشار أمراض الجهاز التنفسي تطابقت مع مرتبتها كمسبب للوفيات عام 2009، إذ شغلت ثاني أكبر مسبب للوفيات وثاني أكثر مرض منتشر في سورية.
كانت الأورام عام 2006 السبب الثاني للوفيات وأصبحت السبب الثالث عام2009، ولكن هذا لا يعني تراجع تأثيراتها، فالعبرة في نسبة مساهمتها بالوفيات فهي كانت 5.9% عام2006 وأصبحت 7% عام2009، إذاً زادت تأثيراتها على الرغم من تراجع مرتبتها في أسباب الوفيات.
ومن المتغيرات المهمة في انتشار أمراض السرطانات أنّها شغلت المرتبة السابعة ضمن قائمة الأمراض الأكثر انتشاراً عامي 2008، و2009، في حين تشكّل ثالث أكبر مسبب للوفيات، أي انتشارها الرقمي قليل نسبياً ولكن فاعلية الأورام في الوفيات كبيرة، لأنّها في معظم الحالات تؤدي إلى وفاة المصاب بها..
تضمّن القطّاع الصحي في نص الخطة الخمسية العاشرة مشروعات وبرامج صحية يرتبط تنفيذها بسيناريوهات معدّل النمو الاقتصادي الذي يمكن تحقيقه خلال سنوات الخطة ومنها مشروع المكافحة الشاملة للسرطان، وتكلفته 6783 مليون ل.س، وأهدافه (تحقيق الوعي بطرق الوقاية من السرطانات والتزام سلوكي بأنماط الحياة الصحية، واكتشاف مبكر للسرطانات في كل مناطق القطر ولكل الشرائح الاجتماعية، وخدمات صحية متميزة في معالجة السرطانات موزعة جغرافيا بشكل عادل، ومعايير موحدة لتشخيص وعلاج وتأهيل المصابين بالسرطانات، وتأمين قوى بشرية مؤهلة لتشخيص وعلاج وتأهيل المرضى المصابين بالسرطانات، وتحقيق عبء اجتماعي واقتصادي أقل للسرطانات).
ويجدر التذكير بأنّ العلاج الشامل لمرضى الأورام لا يتوافر في سورية إلاّ بمشفى البيروني بدمشق، وهذا ما يشكل إقبالاً «إلزامياً» للمرضى عليه ومن كل أنحاء سورية، ويشكل عبئاً ربّما يصعب توافر نظير عالمي له، في حين تنتشر بعض العلاجات للأورام في المحافظات.
حسب توصيف وزارة الصحة للحوادث بأنّها تشمل شتّى الحوادث، وهي كانت بالمرتبة الثالثة ضمن أسباب الوفيات وبنسبة 5.6% عام 2006 فأصبحت بالمرتبة الرابعة وبنسبة 5.1% عام 2009، أي تراجعت، حسب الإحصاءات، نسبة مساهمتها في الوفيات بشكل طفيف.
تضمّن القطّاع الصحي في نص الخطة الخمسية العاشرة مشروع الوقاية من الحوادث، وتكلفته 358مليون ل.س، ويهدف إلى تحقيق وعي أعلى بالمشكلة والتزام سلوكي بإجراءات الوقاية منها، وتأمين تحالفات قطاعية من أجل الوقاية والحد من الإصابات نتيجة الحوادث، وتأمين عمل برامجي ومؤسسي للحد من حوادث الطرق وتخفيف عبئها، وتنفيذ نظام وطني فاعل للحد من حوادث الطرق وتخفيف عبئها.. وبرامج سلامة مهنية أكثر فاعلية في المؤسسات الإنتاجية والخدمية على حد سواء، ونظم رقابية فاعلة على إجراءات السلامة المهنية في المؤسسات المختلفة، واستخدام أفضل لخدمات الإسعاف والطوارئ عند وقوع الحوادث..
تمكن متابعة الجداول المرفقة لمعرفة المتغيرات في ترتيب أسباب الوفيات بين عامي 2006 و2009، ونسبة مساهمة كل سبب بالوفيات، مع التنويه بأنّه وفق الإحصاءات الرسمية لا متغيرات رئيسية في مجال باقي أسباب الوفيات، وبعضها بقيت نسبتها متقاربة أو متطابقة خلال السنوات الأربع الماضية.
لا يتوافر أيّ جديد في عوامل الاختطار الخاصّة بالأمراض، إذ سبق لوزارة الصحة أن أنجزت بحثاً حول انتشار الأمراض المزمنة وعوامل اختطارها في سورية، وذلك بالتعاون بين وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية اعتمد منذ حوالى خمس سنوات، وهدف المسح قياس عوامل اختطار الأمراض غير السارية (البدانة، القوت، عدم ممارسة النشاط الفيزيائي، والتدخين، الكحول، وارتفاع سكر الدم، وارتفاع التوتر الشرياني، وفرط شحوم الدم)، وانتشار هذه الأمراض، إضافة إلى معرفة علاقتها بمكان السكن، وشملت الدراسة 8500 شخص من جميع المحافظات وتبين أنّ نسبة انتشار التدخين لدى الذكور 48% ولدى الإناث حوالى 9%، ولدى مقارنة نسبة التدخين في سورية تبيّن أنّها مرتفعة أكثر من نسبة التدخين في (السعودية، وباكستان، وإيران، والعراق، والإمارات)..، وبلغت نسبة تناول الكحول حوالى 11% لدى الذكور، و3.25% لدى الإناث، وهي قليلة مقارنة بالنسب العالمية، وإنّ نسبة انتشار البدانة في سورية 26.6%، وبلغ متوسط سكر الدم 96.5- 100.8ملغ، وهي قريبة من القيم التي تمّ الحصول عليها في بعض الدول العربية، ومتوسط قيمة الكوليسترول 181.4ـ 185.9ملغ/100ملليتر، وهي قيم أقل من دول عديدة، ونسبة ارتفاع التوتر الشرياني تعتبر عالية إلى حد ما مقارنة بالنسبة الخاصة بدول عديدة، ونسبة إصابة الذكور بارتفاع الشحوم أعلى من إصابة الإناث.
وأوصى المسح بتنشيط برامج مكافحة التدخين والكحول والبدانة، والمحافظة على النمط التغذوي الكفيل بعدم رفع مستوى الكولسترول والشحوم الثلاثية (تناول الخضار والفواكه بما يتناسب مع معايير منظمة الصحة العالمية خمس قطع يومياً)، وتشجيع قياس الضغط بشكل روتيني عند البالغين ولاسيما في العمر 50 فما فوق..
توافرت إحصائية عن الأمراض العشر الأكثر حدوثاً، حسب إحصاءات وزارة الصحة، عام 2009 وهي على التوالي (1-أمراض الجهاز الهضمي ونسبة انتشارها ضمن المرضى حوالى17% .2-أمراض الجهاز التنفسي.3-أمراض الجهاز الدوراني.4-الأذيات والتسممات وتشمل الكسور والرضوض والجروح والهرس والخلع في أنحاء متعددة من الجسم والتسممات. 5-أذيات الحوادث بمسببات خارجية وتشمل الغرق والصدمة الكهربائية والسقوط والأذيات الناجمة عن الحشرات واللدغ وعض الحيوانات وتسممات بمواد ضارة والاعتداء.. 6-أمراض طفيلية وخمجية. 7- أورام خبيثة. 8- أمراض الكلية. 9- أمراض الدم والأعضاء المكونة له. 10-حالات خاصة تبدأ في الفترة حوالى الولادة.).
الظاهرة الأبرز في الأمراض المنتشرة هي عدم وجود بحث علمي جدي عن أسباب تفاقم مرض ما وارتفاع درجة مساهمته في الوفيات وعلاقة ذلك بتلوث الهواء والتربة والمياه ..والطعام والبرامج الغذائية وشتّى الأمور..، وهذا يعني تقصيراً في البحث العلمي والإحصاءات ولذلك يمكن الإشارة إلى مشروع تنمية البحث العلمي الصحي الذي ورد في نص الخطة الخمسية العاشرة على أنّه سيكلف 487 مليون ل.س، ويهدف إلى وضع خطة وطنية للبحث العلمي في القطاع الصحي، وكوادر بشرية مؤهلة في مجالات البحث العلمي الصحي، وفهم أعمق للمشكلات الصحية ومحدداتها في المجتمع السوري، وتخطيط صحي وممارسة طبية مستندتان إلى البرهان العلمي، وتدخلات صحية أكثر كفاءة وفاعلية في تعزيز صحة السكان، وتحقيق وفر في الهدر وزيادة في إنتاجية القطاع الصحي، فأين الإنجازات في مجال البحث العلمي الصحي والطبي؟. وماذا حدث من متغيرات في عوامل الاختطار خلال السنوات الأربع الأخيرة؟. هذا الأمر.
تشرين