حقيقة ما جرى في حرستا.. يرويها صحفيون شاءت الصدفة أن يكونوا هناك!!

لصدفة وحدها قادتنا إلى قلب الحدث، ثلاثةٌ صحفيين كانوا اليوم الجمعة في مدينة "حرستا" تلبيةً لدعوة صديقٍ لهم على "الغداء" غير أن غداءهم كان دسماً فوق التوقع، حين بدأت أحداث المدينة فجأة وخرج زملاؤنا إلى الشارع، وتوزعوا في الأنحاء ووافونا بالأحداث كما جرت على الأرض.
هذا ملخص ما حدث:
بين الشك والتصديق قرأنا مرات ومرات ما عرفَ باسم "خطة بندر" تفاصيل كثيرة احتوتها التقارير الإعلامية التي تحدثت عن الخطة، وتقارير إعلامية كثيرة أوردت تفاصيل عن أحداثٍ حصلت على الأرض تتطابق مع ما ذكرته الخطة سابقاً، غير أنَّ كلَّ ما سبق كان يحتمل الشك والتصديق لدينا إلى أن عشنا على الأرض أحداث حرستا اليوم الجمعة، ماحصل على الأرض اختلطت فيه الكثير من الحقائق، نعم.. كان هناك تظاهر .. وكان هناك وجود امني سرعان ما انسحب.. وكان هناك إطلاق نار.. وقد حصل مرتين.. الأولى أثناء وجود الأمن ومن الاتجاه الذي كان التجمع الأمني قائماً فيه، والثانية بعد الانسحاب الكامل لعناصر الأمن.. ومن جهة مجهولة
هكذا بدأت القصة:
لأننا لم نبدأ مع الحدث تماماً، فقد اعتمدنا على روايات أصحاب المحال التجارية لفهم بداية الأحداث، وأجمعت الروايات على التفاصيل التالية:
بعد صلاة الجمعة كانت هناك تجمعات محدودة بين الحواري، وكان هناك وجود امني مترقب، ورغم أن المؤشرات كانت توحي بأن الأمور ستنفض دون حدوث شيء إلا أن شيئاً ما حصل فجأة، ودون مقدمات... تجمع العشرات من الشبان وبدؤوا يهتفون للحرية، وفي الجهة المقابلة كان هناك وجود امني وعلى مبعدة من المجموعتين كانت هناك مجموعة من المواطنين الذين دفعهم الفضول للوقوف والترقب.. فيما سمعت أصوات سيارات تسير بسرعة كبيرة، دون أن نستطيع رؤيتها لأنها كانت في شارعٍ موازٍ لمكان وجودنا... وبعدها سمعت أصوات الرصاص، وكان الإطلاق صادراً من الجهة التي تواجد فيها الأمن.
مع سماع أصوات الرصاص، كنا قد خرجنا إلى الشارع، وتوزعنا على امتداد الشارع الرئيس لمدينة "حرستا" وكل ما سيرد ذكره عايناه مشاهدةً وسماعاً:
أصاب الرصاص واجهة أحد الدكاكين، وزجاج إحدى السيارات، ومواطنينِ اثنين.. ودبت الفوضى وبدأ عدد من المتظاهرين برمي قطع كبيرة من "البلوك" على الأرض وتكسيرها، وراح آخرون يلتقطون القطع الصغيرة ويرمونها باتجاه عناصر الأمن.
وفي الجهة الأخرى حيث تجمع المواطنون بدافع الفضول "مجموعة أخرى غير المتظاهرين" بدأ عدد الناس يزداد إثر سماع أصوات الرصاص، ومن بين المتجمعين برز أحد الأشخاص وراح يحض الناس على الاقتراب من عناصر الأمن مردداً وبصوت مرتفع "قربو يا شباب.. خلونا نحن من جهة والشباب من الجهة التانية.. لازم يعرفو إنو نحن محاصرينهن" والمقصود عناصر الأمن، وعندما لم يتجاوب أحد مع ندائه راح يخاطبهم بلهجة مختلفة "ياشباب عم تتفرجو وإخواتكن عم يتقوصو؟ صار مقتولين 3"!! ولكن المؤكد أنه لم يكن هناك أي قتيل، بل والمؤكد أكثر وأكثر أن هذا الرجل لم يغادر المكان، ولم يتحدث على الهاتف كما أكد لنا زميلنا المتواجد في هذه الجهة، وهذا الأمر لاحظه عدد من المواطنين، وهرع اثنان منهم نحو الرجل وسألاه: من أنت؟ ومن أين؟ وماذا تريد؟؟ فرد بالزعم انه من أبناء الحي، غير أن الجميع أكدوا أنهم لا يعرفونه، وبدا الارتباك واضحاً عليه حين طالبه البعض بإثبات أنه من أبناء الحي، وهنا تدخل ثلاثة أشخاص وقالوا بصوت مرتفع "نحن من اللجان الشعبية" واقتربوا منه، وأخذوه بعيداً بزعم انهم سيتأكدون من هويته... لكن وبعد أن ابتعدوا مسافة تقارب الـ 200 متراً برزت من إحدى الشوارع الفرعية سيارة سياحية، وصعد الجميع إليها وانطلقت بسرعة كبيرة!!.. فمن هو هذا الرجل؟ ومن هم هؤلاء الذين ساعدوه في التملص بزعم أنهم من اللجان الشعبية؟؟
تصرفات أمنية خاطئة وأخرى تعيد إصلاح الوضع:
في الجهة المقابلة وحيث حصل إطلاق الرصاص وبشكل لم يستمر، بل كانت ثلاثة رشقات صمت بعدها بدأ المتجمعون بالغليان، وفي الوقت نفسه اقترب عناصر الأمن من بعض المتظاهرين وراحوا يمسكون بهم واعتقلوا خمسة أشخاص ما هدد بزيادة الاحتقان، غير أن عدداً من "كبار السن" في المدينة أسرعوا للقيام باحتواء الوضع، وراحوا يحاولون تهدئة الشبان الذين باتوا يطالبون بإطلاق من أمسكهم الأمن، ترافق ذلك مع وصول عدد من ضباط الأمن، ويبدو انهم من جهة امنية ثانية غير الجهة التي كانت موجودة اول الأمر، واقتربوا من المحتجين، وراحوا يخاطبونهم بلهجةٍ وديةٍ وحاولوا أن يقفوا على حقيقة ما حدث، وقد طالب المحتجون بانسحاب عناصر الأمن، وعودة الشبان الخمسة كشرطٍ أساسي للانفضاض، وبالفعل تم الإيعاز إلى عناصر الأمن بالانسحاب، وبدأت اتصالات لإعادة الشبان الخمسة، وبدا الهدوء والترقب على المحتجين لولا أن علت أصوات من بينهم تقول "واللي ماتو كيف بدهن يرجعو؟؟" وبدأت إشاعة وجود قتلى تنتشر.. وكان الثابت والواضح أنه لم يقتل أحد، وعاد صوت "كبار السن" للارتفاع مطالباً الجميع بالصمت لتيبين حقيقة وجود "شهداء" واتضح ان لاوجود لذلك، وعاد الهدوء ليخيم، وبدأ البعض في مبادرةِ لتنظيف الشارع الرئيس من قطع البلوك، مع ورود أخبار عن أن "المعتقلين" صاروا في بيوتهم.. وبدا أن الأمر يسير نحو الهدوء وانتهاء "الأزمة".
مجموعة تصل من عربين وتعيد تأجيج الوضع:
لم يمضِ كثيرُ وقت حتى وصلت فجأة مجموعة قارب عددها المائة رافعةً أغصان زيتون وأعلام سورية وعلمنا أنها قادمةٌ من مدينة عربين القريبة، يتقدمهم مكبر صوت، وشخصان يقودان هتافاتٍ تحيي الشهيد، وانضم إلى المجموعة عشراتٌ من أهالي "حرستا" وسار الجميع إلى شارع يتوسط المدينة، وبمجرد تجمعهم، انطلقت أصوات رصاص من جديد!! رغم أن عناصر الأمن كانوا قد انسحبوا بالكامل، وبقي مصدر الرصاص الذي لم يكن كثيفاً مجهولاً، غير أن صوته كان كفيلاً بتأجيج الوضع، وعلت الهتافات "اللي بيقتل شعبو خاين"، وكأن المطلوب من الرصاص كان فقط هذا التاجيج، فقد صمت بعد رشقتين او ثلاث وبتزامنٍ دقيقٍ ومثيرٍ للتساؤل مع رفع أحد الخطباء على الأكتاف ممسكاً بمكبر الصوت ومطلقاً للأذان.
صلاة العصر في الشارع وخطاب ذو ملامح أصوليةٍ واضحة:
بعد أن رفع الأذان من مكبر الصوت، نودي بالجموع لأداء صلاة العصر في الشارع، وقامت مجموعة "عربين" بالاصطفاف وبينهم عددٌ من أبناء حرستا فيما كان العدد الأكبر من "الحرستاويين" واقفاً على أطراف الطريق مراقباً لما يحصل، وأقيمت الصلاة، وبعد انقضائها عاد "الخطيب" إلى مكبر الصوت، وبدأ بإلقاء خطبة حماسية مشفوعةً بآياتٍ قرآنية وأحاديث نبوية، ومردداً مطالبَ بالـ "حرية الدينية"!! وكأن هذا غير متوفر في سورية... ثم رحنا نسمع كلاماً في "الخطبة" خيل إلينا أننا سمعناه من قبل "إقامة الشريعة، دولة الإسلام،" ويبدو أن البعض شعر بأن الخطيب شطح، فأسرع لإطلاق هتافات "صيحي صيحي صيحي.. مسلم مع مسيحي" وحين طالب الخطيب بعودة "المنقبات" إلى وظائفهن بادر أحدهم ليهمس في أذنه "ربما لم يكن يعلم أنهن أعدن فعلاً" فسارع "الخطيب" ليقول: "وضمان عدم طردهن مجدداً" !!
أحد العقلاء يحاول الكلام .. ويتم إسكاته بطريقةٍ مبتكرة:
بعد ان انتهت الخطبة التي لم نتبين منها مطالب محددة سوى بث الحماس في نفوس الشباب بالاتكاء على "الخطاب الديني" اقترب أحد الأشخاص - قيل لنا إنه رئيس مجلس المدينة لكننا لم نتأكد من دقة ذلك - من مكبر الصوت وحاول الكلام بلغة العقل، مقترحاً على المحتجين تحديد مطالبهم بدقة و ... لكن كلامه على مايبدو لم يرُق للبعض فتم إسكاته بطريقة مبتكرة، عدد من الأشخاص ( 5 او 6 ) كانو وسط المجموعة التي فرغت من أداء الصلاة وأصغوا بحماس للخطيب الأول سارعوا بالتحرك من وسط المجموعة منادين "اهربو أمن .. اهربو رصاص"!! وفعلاً سادت الفوضى وتدافع الناس، واستعاد أحد شباب مجموعة عربين مكبر الصوت من يد محاول التحدث، بعد ان انفض الجميع من حوله، وبعدها أعادات مجموعة عربين التجمع ونادت بالناس للتوجه إلى دوما، ومضى الجميع... وبعد حوالي الساعة عادت الحياة إلى سيرها الطبيعي في مدينة حرستا، وخرج علينا من يزعم سقوط قتلى فيها.
ملاحظات حول ما شاهدناه على الأرض:
1 - ما يحصل على الأرض منظم ومخطط له بدقة، وثمة مجموعات تتبادل الأدوار فيما بينها، البعض يثير الحماس في البداية ويجتمع الناس، والبعض يحاول جر الأحداث إلى التصعيد، والبعض يتدخل لإنقاذ بعض المواقف "مثال المجموعة التي زعمت انها من اللجان الشعبية وأبعدت شخصاً كان يحاول تأجيج الموقف وتعرض للمساءلة حول هويته"
2 - هناك بعض الأخطاء الأمنية على الأرض تساهم في انضمام بعض المواطنين إلى الاحتجاجات "ولا نستبعد ان لا تكون مجرد اخطاء، فما الذي يضمن عدم وجود بعض العناصر المنظمة داخل الأمن نفسه"؟؟
3 - إطلاق الرصاص يستخدم للفت الأنظار والمساهمة في تجمع الناس وتاجيج غضبهم، ووضع عناصر الأمن في مواقف محرجة.
4 - بعض الأشخاص يسارعون إلى المطالبة بابتعاد عناصر الأمن، وهؤلاء الأخيرون امامهم حل من اثنين، إما الابتعاد وبالتالي يستطيع من يريد بث الخطابات أن يتحرك بحرية "مثال الخطيب آنف الذكر ذو النزعة الأصولية في خطابه" أو أن عناصر الأمن سيضطرون إلى الدخول في مواجهات مع المتجمعين وهذا سيوفر فرصاً مهمة للحصول على مقاطع فيديو للترويج الإعلامي.
5 - الاتكاء على الخطاب الديني والنزوع نحو أشياء مثل "الصلاة في الشارع" في محاولة لإحراج الأمن، فمن سيحاول قطع المصلين عن صلاتهم؟؟ ولا نستبعد في أيام قادمة ان يحاول البعض ترويج احداثٍ من هذا النوع، فمن يضمن أن لايقوم "مطلقو النار" وسواء كانوا مندسين بين عناصر الأمن أم بين المتظاهرين، من يضمن ان لا يقوموا مستقبلاً بإطلاق الرصاص على المصلين في الشارع؟؟
6 - ما يحصل يؤدي إلى فقدان الثقة بين عناصر الأمن وبين المواطنين، ما يعني التمهيد للدخول في مرحلة "انفلات أمني".
7 - مما سبق يتضح تماماً أن هذه الأحداث ليست عابرة، بل ربما هي مراحل تمهيدية في محاولة للوصول إلى مراحل أكثر حدةً، والتساؤل الذي يطرح نفسه، إذا كانت المطالب إصلاحية بالفعل، فلماذا لم تساهم القرارات الأخيرة بتخفيف حدة التوتر؟ وماهي المطالب التي سيتم تصعيدها في الأيام القادمة؟ ومن يقف وراء محاولات زيادة التوتر، وعدم السماح بالتقاط الأنفاس؟
موقع اصداء الوطن