حكايات أملٍ وشقاء خلف حاويات القمامة...

أن تصادف شخصا يقف فوق حاوية قمامة يبحث بين الأكياس مشهد صار يصادفنا كل يوم من طلوع الشمس حتى ساعات الليل المتأخرة , كلٌ حسب اختصاصه وحسب منطقته , فلم يعد هؤلاء الأشخاص يتركون حاوية قمامة بسلام، أو كيس زبالة بحاله إلا ونكشوه أفرغوه من محتوياته .
من قبل شروق الشمس تغلق باب دارها و تجر خلفها عربتها الحديدية الصغيرة مصدرة صرير خفيف ويمشي إلى جانبها طفل نحيل لم يتجاوز السابعة من عمره يقصدان باب الكريم .
أم جميل سيدة لم تعرف عدد سنين عمرها و لكنها بالتأكيد في عقدها الخامس، توفي زوجها بعد سقوطه حيث كان يعمل نجار بيتون تاركاً خلفه ثلاثة أطفال دون تقاعد أو معيل.
تقول : عملت بداية كخادمة في المنازل فتوجب علي ّترك الأولاد مع أخيهم الأكبر الذي كان في الصف السادس ,وفي إحدى المرات أراد تجهيز الطعام لأخوته ولكن بالخطأ احترق المطبخ الحمد لله لم يصب أحد , فتركت العمل، و كنت أشاهد أشخاص يبحثون في القمامة فبدأت أخرج من المنزل قبل أن يستيقظ الجيران و أعود في الظهيرة, جمعت الخبز اليابس وعبوات البلاستيك من الحارات البعيدة وكنت أبيعه في مكان بعيد عن الحارة ثم صرت أخرج مع أولادي أنا وأصغر أطفالي و ابني الكبير وأخيه الأصغر منه . عندما ساعدني أولادي لم أعد أشعر بالخجل أو أجد داعي لتغطية وجهي و صرنا نحضر ما نجمعه إلى المنزل ونفرزه ونبيعه لرجل في نفس الحي الذي نسكنه .يظن الناس أننا نجد نقود أو ذهب في القمامة و لكن هذا لم يحدث معنا بعد فإذا حالفنا الحظ نجد بملابس بحالة جيدة أو أحذية وربما قطع أثاث مرمية وجدت سجادة بحالة جيدة منذ سنتين فجلبتها و وضعتها في منزلي .
إن المردود المادي لهذا العمل بسيط جداً فثمن كيلو الخبز اليابس يتراوح بين ثلاث ليرات والأربع ليرات وكيلو البلاستيك أعلى بقليل.
وتضيف أم جميل نتعرض لمشاكل عديدة كالتعرض للسباب والمشاجرات مع أناس آخرين يجمعون القمامة و يريدون فرض سيطرتهم على المنطقة , كما أن عمال النظافة يمنعوننا من جمع القمامة في أماكن عديدة لذالك نخرج باكرا" قبل مواعيد الدوام الرسمي , وهناك بعض الأشخاص ينعتوننا بتسميات غير لائقة. ولكن هذا كله أرحم بالنسبة لي و لأولادي من الذل والحرمان الذي كنا فيه بعد وفاة زوجي حيث كنا نعيش على ما يجود به علينا الجيران ثم أخذوا يتململون منا حتى البقال صار يرفض بيعنا وبتنا ليال كثيرة لم نأكل فيها سوى فتات الخبز اليابس والماء .
أبو حسين (ملك الخبز اليابس والخردوات): هكذا يسميه من يتعامل معه وأبو حسين يعمل في جمع القمامة منذ صغره هو وأخوته . يقول أبو حسين كانت البداية عندما كان والدي يعمل ناطور في إحدى البنايات و كان يجمع الخبز اليابس ويبيعها لرجل يتنقل بين الحارات وصممت أن أصبح مثل هذا الرجل وعندما بلغت الخامسة صرت أخرج إلى الحارات المجاورة و أجمع الخبز و البلاستيك وصرت اشتري من الناس الخبز و أبيعه للتجار وأخذت تجارتنا تكبر شيئا" فشيئا حيث عملت بالأنقاض وبيع الحديد المستعمل و الأثاث المستعمل ودخلت مناقصات كثيرة وصرت امتلك هذا المكان الذي ترينه حيث تبلغ مساحته دونم واحد تقريبا" وسيارتا نقل و سيارة آخر موديل للمشاوير(أودي ). وكله من تعبي أنا وأخي, وهذا حسين أكبر أبنائي يساعدني يوميا بعد عودته من المدرسة وسوف يكمل في نفس الطريق ولا يخجل من عملنا هذا حتى عندما يقول له الأولاد انه ابن أبو العفش .
وبعدياً عن أبو حسين وأم جميل تقف أمل الفتاة التي لم تتجاوز الرابعة عشر من عمرها تعيش مع والدها ووالدتها وأشقائها في احد المكبات في ريف دمشق: تقول أمل لقد ولدت هنا وكذالك أخوتي ونحن نعيش هنا في هذا المنزل المؤلف من غرفتين واحدة للنوم والثانية حمام ومطبخ معاً الجدران والسقف من التوتياء التي لا ترد حر الصيف ولا تدفع برد الشتاء , تعمل أمل مع أهلها كلهم في جمع النفايات وتصنيفها وتقول أن العمل ليس عيب لكنه صعب وأكثر ما يضايقها فيه الروائح الكريهة والبقايا المتعفنة . وعندما تكبر سوف تعمل وتجمع النقود كي تشتري بيت" يشبه البيوت التي تشاهدها على طريق المدرسة .
المكبات الكبيرة : يتواجد العشرات من الأشخاص يوميا" في مكبات القمامة الحكومية حيث يقومون بتقليبها والبحث عن أي شيئا يمكن أعادت استعماله . رفض الكثيرون التحدث عن تجربتهم ولكن الذي عرفناه أن كل منطقة تخضع لسلطة تاجر كبير من تجار النفايات وكل من يعمل في المكان يخضع لهذه السلطة.
عمال النظافة وجامعي القمامة :
يشتكي عمال النظافة من الأشخاص الذين يجمعون القمامة لأنهم على حد قول العمال ,يخلفون فوضى كبيرة في كل مرة يفتحون فيها كيس زبالة حيث يبعثرون محتوياته من أجل علبة شامبو فارغة أو كسرات من الخبز اليابس وهذا يصعب عملهم وينشر الأوساخ في كل مكان . ولكن جامعي القمامة يقولون إن عمال النظافة يشتكون منهم لأنهم صاروا يسبقونهم إلى القمامة ويجمعون ما يجدونه قبلهم حيث أن العمال يعتمدون على بيع المخلفات إضافة إلى راتبهم الشهري .
الأيدي العاملة :
يشكل الأطفال و النساء الفئة الأكبر العاملة في جمع القمامة في سورية وفي البلدان المجاورة ، ولا يوجد أي إحصائية في سوريا توثق عدد العاملين و أوضاعهم و الظروف التي دفعتهم للعمل في هذا المجال .
نظرة الناس :
تختلف نظرة الناس لعمل هذه الفئة من المجتمع ولكن الجميع يجمع على أن الحاجة المادية السبب الأساسي وراء توجه فئة كبيرة من النساء و الأطفال إلى العمل في هذا المجال .
يعيش ملايين من الأشخاص في مختلف أنحاء العالم على جمع النفايات وفرزها وشهد هذا القطاع تراجع في الطلب أثناء الأزمة المالية التي شهدها العالم مؤخرا"مما تسبب قي فقدان الكثيرين لمصدر رزقهم الوحيد الذي يأتي من القمامة.
نسرين محمد علاء الدين- شام نيوز