حكاية المليون والنصف

لاجئين عراقيين مبعثريين في أطراف المدينة يبيعون المعونات لتستمر الحياة
رهف المهنا.شام نيوز
على الرصيف في إحدى كراجات المدينة التي احتضنت أكبر عدد من اللاجئين منذ سنين طويلة إلى اليوم ، على ذلك الرصيف وقف ينادي بالبطانيات التي فرشها أمامه للعيان ( تنين بتلاتيميا ليرة سورية ) وهذه البضاعة عند السؤال عن مصدرها يأتيك الجواب بصرحة أنها من المعونات التي تأتي اللاجئين العراقيين من الأمم المتحدة ، في الغالب إنه لا يعرف من هي الأمم المتحدة ولكن هذه الإجابة التي سمعها من اللاجىء.
في ناحية أخرى من المدينة في أحد الأرياف تجلس اللاجئة مع جيرانها في الحي وتعرض عليهم بعض من المعونات التي أتتها من المنظمة ذاتها من سكر وشاي ومعكرونة إضافة إلى اللحف والبطانيات، لعل إحدى السيدات ترغب في الشراء ، وعند السؤال لماذا تبيعيها ألا تحتاجين إليها ؟ وتكون الإجابة بكل بساطة لأعيش !!!
حالات عديدة مشابهة نرى فيها اللاجئين العراقيين في أماكن وجودهم المعتاد يبيعون المعونات التي تأتيهم في الشوارع العامة وتكون أغلبها عبارة عن البطانيات والمعونات الغذائية التي تقدم لهم من المنظمات التي أدرجت برامج خاصة لمساعدتهم على العيش بعيدا عن وطنهم الأم بأقل قدر من الاحترام والأمان.
ولكن أي أمان لإنسان في النهاية يسمى لاجىء يعرّف في القانون الدولي بأنه يضطر لمغادرة الوطن الأصلي بسبب آراء اللاجيء السياسية أو الدينية أو جنسه أو لونه، ويشترط ألا يكون اللاجيء مجرماً «مجرم حرب»، وألا يكون متهماً في جرائم ضد السلام العالمي أو جرائم جنائية مثل القتل.
واللاجئين العراقيين في سورية اليوم وبعد سبع سنوات وصل عددهم إلى حوالي مليون ونصف يعتبرون سكان بالأسم في مدينة احتضنت أوجاعهم وآلامهم ومعاناتهم على الرغم من مشاكلها وأزماتها الداخلية والخارجية ، واتخذت سورية منذ مجيء العراقيين موقفا واضحا بمساعدتهم لزمن محدد تستطيع معه هذه الجماعات أن تتدبر أمورها في الحياة والمعيشة ، ووضعت الحكومة السورية منذ البداية نصب أعينها ضرورة أن تدخل في هذه الأمور الجهات الدولية الداعمة والمؤارزة في العمليات الإنسانية بحيث لا تتدخل في سيادة الدولة.
كيف أتوا؟؟
الكثير من العراقيين الذين فروا إلى سوريا هم من الشريحة المثقفة وأصحاب الكفاءات العلمية والأكاديميين وضبط الجيش السابق وقوى الأمن المختلفة ,وتمكن البعض منهم من حمل ما بقي من المدخرات أو الاعتماد على تحويلات ذويهم في العراق أو في الدول الأوربية وأمريكا وقسم من ذويهم في البلدان العربية والخليج , ولكن القسم الأكبر منهم بعد فترة من بقاءه بسوريا بدأت تنفذ مدخراته مع انعدام فرص العمل ببلد مثقل بالأعباء الاقتصادية مع قلة الموارد ووجود مليون وربع المليون عاطل عن العمل , فصار الأمر صعبا للعراقي الذي اعتاد إلى حد ما على العيش الرغيد رغم توالي الحروب والحصار الذي فرض علىهم رغم كل ذلك لم يصل إلى المستوى الذي وصل إليه في سوريا, من هنا تعالت صيحات الإغاثة لأجل إنقاذ العراقيين المتواجدين بسوريا, فبادر مكتب مفوضية اللاجئين التابع للأمم المتحدة بمكتب سوريا إلى محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه وبدا العمل على تزويد العراقيين المسجلين بهذا المكتب فقط بالمساعدات الغذائية فقد قامت المفوضية بتدشين برنامجاً لتقديم المعونة الغذائية في عام 2007 لتسعة آلاف أسرة عراقية في سورية مكونة من 35 ألف فرد. وكانت الأغذية المقدمة عبارة عن أطعمة محفوظة وأرز وسكر، يقوم الهلال الأحمر السوري بتوزيعها شهرياً.
ما يقدم لهم
مع تصاعد وتيرة الأحداث في العراق زاد عدد القادمين من العراقيين إلى سوريا وزاد عدد المسجلين في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في سوريا حتى وصل مع بداية عام 2008 عدد المستفيدين من الخدمات التي تقدمها المفوضية للعراقيين إلى حوالي 129 ألف شخص موزعين في محافظات سوريا المختلفة مع تمركز الغالبية منهم في دمشق وأطرافها , وصار توزيع الحصة الغذائية على العوائل العراقية يكون من خلال منفذين احدهما في منطقة السيدة زينب حيث يتواجد الكثير من العراقيين والثاني في منطقة دوما في ريف دمشق والأمر كان بتنسيق وعمل مشترك مابين الهلال العربي السوري ومكتب مفوضية الأمم المتحدة – مكتب سوريا، وأهم المساعدات تتضمن : المواد لغذائية – والمواد العينية ( أغطية وفرشات – سلل صحية – وأدوات مطبخ ) – والأهم المساعدات الطبية .
وهناك عدة اتفاقيات موقعة مع المنظمات الإنسانية لتقديم الدعم للأخوة العراقيين على سبيل المثال الإتفاقية الموقعة بين منظمة الهلال الأحمر العربي السوري والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي لتقديم المساعدات الغذائية والعينية ، كان المشروع مقتصر على دمشق ولكن نتيجة وجود العدد الكبير من العراقيين خارج دمشق تقرر التوزيع خارج دمشق وبدعم من فروع الهلال في المحافظات السورية وبمشاركة قوية من المتطوعين الشباب من حيث التسجيل المشترك مع المفوضية للأسر العراقية لشملهم بعملية التوزيع وتنظيم عملية التوزيع ضمن الفروع واستيعاب المواد المقدمة في مستودعات الفروع لتوزيعها على الأخوة العراقيين .
والمواقع التي اعتمدت مراكز توزيع هي : (حلب – حمص – ادلب – حماه – اللاذقية – طرطوس – دير الزور – الرقة – الحسكة - درعا ) ويوجد في أغلب هذه المراكز مستوصفات وعيادات تعنى بالشؤون الصحية للأخوة العراقيين وتقدم لهم العلاج والدواء .
وبلغ عدد المستفيدين من المساعدات في هذه المراكز ما يقارب المئة ألف عراقي ( 100.000 ) بمعدل عشرون ألف أسرة عراقية ( 20.000 )
ولا تزال عملية تقديم المساعدات مستمرة ، على الصعيد الطبي هناك مراكز طبية لفروع الهلال في أغلب المحافظات تتلقى الدعم من الإتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر ومن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين .
بالهاتف المحمول
بدأ برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة مشروعًا جديدًا لتوزيع القسائم الغذائية إلكتروني لمساعدة ألف أسرة من اللاجئين العراقيين في سورية. ويعد هذا المشروع الأول ل من نوعه في العالم الذي يستخدم تكنولوجيا الهواتف المحمولة. وبموجب ذلك يتلقى اللاجئون العراقيون الذين يعيشون في دمشق رسالة نصية على هواتفهم المحمولة تحتوي على رمز يمكنهم من تبديل "القسيمة الافتراضية" كلها أو جز ء منها مقابل سلع غذائية من بعض المتاجر الحكومية المختارة. وتشمل السلع الغذائية التي يمكن استبدالها بتلك القسيمة الأرز ودقيق القمح والعدس والحمص والزيت والسمك المعلب وكذلك الجبن والبيض، وهذه هي السلع التي لا يمكن إدراجها عادة في سلة المساعدات الغذائية التقليدية.
منظمات أخرى
لم يتوقف العمل في سورية على صعيد الهلال الأحمر والأمم المتحدة بل دخلت منظمات دولية كثيرة وأخرى دينية خاصة للعمل على مساعدة اللاجئين العراقيين بالتحديد وقد عملت هذه المنظمات في إطر مختلفة بحيث لا تتعارض مع نشاطات الجهات الأخرى ولم تكن فقط المساعدات مادية وغذائية بل دخلت إلى أمور دقيقة جدا وضرورية في الحياة كالتعليم والتأهيل التربوي ومنهم المنظمة فرنسية اليت تعمل منذ أربع سنوات بتمويل من اليونيسيف والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين و دعم و تعاون و تنسيق من التربية وتحت غطاء الهلال الأحمر السوري وقامت بعدة مشاريع منها:
1-المشروع الهندسي: تم بناء مدرستين في جرمانا ح1و ح2 في منطقة الحمصي لتستوعب العدد الكبير للطلاب بأفضل مواصفات البناء.
-ترميم حمامات و بناء حمامات و تهيئتها للمعوقين في عدة مناطق من ريف دمشق (تل – حرنة-صحنايا-جرمانا- السيدة زينب).
- بناء أجنحة إضافية كاملة التجهيزات و بأحسن المواصفات.
2-مشروع التعليم المهني: مدة الدورة 6 أشهربتصديق من التربية و المنظمة
3-دروس تقوية : منطقة ريف دمشق.
إضافة إلى هذا الإطار اتخذت بعض الهيئات الكنسية في دمشق أيضا برنامجا للمساعدة والمعونة تحت إشراف المنظمات الدولية ومن أهم ما عملت عليه هو برنامج توزيع الدواء والإهتمامب الصحة العامة وكل ذلك بإشراف ورعاية كاملة من مختصين في كل الاتجهات.
واليوم تعتبر كل هذه الجهات والمنظمات أن عملها يرفع له القبعة لما تقوم به، ولكن في أطراف هذا البلد هناك من يضطر لبيع المعونات وهناك من يضطر أن يبيع نفسه هل ذلك نتيجة الطبيعة للجوء أو هي ضريبة الاحتلال والهجرة ؟
والسؤال الأخير ما هو مصير المليون والنصف في السنوات القادمة هل سيبقوا على الاعانات والعمل المؤقت وهل ستسطيع الجهات الحكومية مساعدتهم بعد انتهاء برامج المنظمات الدولية؟ كل تلك أسئلة توضع على طاولة المعنين علها تلقى الاجابة؟؟؟