حكومة الوحدة الوطنية.... الولادة الصعبة

شقت فكرة حكومة الوحدة الوطنية التي طرحتها الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير وحزب الإرادة الشعبية منذ أسابيع عديدة طريقها، وأصبحت مقبولةً شعبياً وحتى رسمياً مؤخراً.. تأتي أهمية حكومة كهذه من أن الحكومات عادةً تمثل الحزب الحاكم، ولكن حينما تدخل المعارضة فيها فهذا يعني أن هناك ظرفاً استثنائياً يتطلب ذلك، وهو حالة خاصة جداً، وهو ما يميز الظرف الحالي في البلاد التي تتهدد سيادتها الوطنية من قبل احتمال التدخل الخارجي العسكري المباشر، وكذلك تتهدد وحدتها الوطنية بسبب الأخطار الداخلية، ما يتطلب من جميع القوى المعنية والتي يهمها مصير البلاد أن تضع جانباً إلى حين الخلافات والتباينات فيما بينها، والتي تعكس التمايزات في برامجها السياسية، وأن تلتفت مجتمعةً لحل المهمة التي تشكل خطراً على الوطن بأجمعه.. إذاً، الظرف الاستثنائي يتطلب حلاً استثنائياً، أي يتطلب حكومة استثنائيةً.. فأين تكمن استثنائيتها؟ ـ أولاً: في برنامجها ومهامها غير العادية، فالأزمة تتطلب إجراءات غير عادية تحافظ على الوحدة الوطنية وتبعد الأخطار عنها، وصولاً إلى رأب التصدعات فيها، ليصار لاحقاً إلى توطيدها وتعزيزها، وهي السلاح الأساسي والأهم في مواجهة كل التحديات الخارجية والداخلية. وفي هذا المجال يرتدي أهمية قصوى تحديد المهام العاجلة والمتوسطة المدى، والعناوين الأساسية الأولى هي التهدئة وصولاً إلى المصالحة الوطنية المنشودة عبر محاسبة كل من تلوثت يداه بدماء الشعب السوري، محاسبة علنية وشفافة، وتعويض كل من تضرر، وإطلاق سراح المعتقلين الذين لم تتلوث أيديهم بالدم السوري، ومعرفة مصير المفقودين والمحاسبة القانونية الصارمة للمسؤول عنهم، أما العناوين الأساسية للمهام المتوسطة المدى فهي الانتهاء من الإطار القانوني- الحقوقي للإصلاحات المنشودة، وصولاً إلى إقرار الدستور وانتخابات مجلس الشعب الجديد. والجدير بالذكر أن عدم إنجاز المهام العاجلة لن يسمح بأية حال من الأحوال بالبدء بالمهام المتوسطة المدى، وإذا تم القفز فوق المهام العاجلة فإن تنفيذ المهام اللاحقة سيكون شكلياً وصورياً، وسيعقد الوضع أكثر بما لا يقاس، وسيرفع الكلفة السياسية والمادية والبشرية لإنجاز التهدئة المطلوبة لاحقاً. ـ ثانياً: في صلاحياتها الاستثنائية؛ فالحكومات العادية تنفذ السياسات الموضوعة وتضع البرامج لها، أما في حالتنا فحكومة الوحدة الوطنية التي يجب أن تكون سياسية بامتياز هي التي ستضع السياسات بالتشاور والمشاركة مع المؤسسات الدستورية صاحبة العلاقة، أي أن صلاحياتها الموسعة التي تتطلب السرعة والفعالية والمرونة في الحركة، ستدخل في تناقض مع توسيع هذه الحكومة إذا تم ذلك، مع أن المشاكل المنتصبة أمامها كثيرة ومتنوعة وهي ليست سياسية فقط، وتتطلب توسيع كادرها الأساسي، ما يمكن أن يجد حلاً له بتوسيع عدد وصلاحيات نواب الوزراء الذين يجب أن يتولوا تسيير الأمور الجارية والتكنوقراطية في وزاراتهم، الأمر الذي سيجد حلاً له في حكومة موسعة تضم السياسيين والتكنوقراط، ولكن هذا الأمر يتطلب حكومة مصغرة تضم السياسيين فقط الذين يأخذون على عاتقهم مهمة الحلول السياسية. ـ ثالثاً: في آجالها الزمنية؛ إن حكومة من هذا النوع هي بطبيعة الحال مؤقتة، وعمرها لا يجوز أن يتجاوز بضعة أشهر، وصولاً إلى إنجاز الاستحقاقات الدستورية التي سيسمح بنهايتها بتشكيل حكومة من الأغلبية النيابية التي ستنتج عن أول انتخابات لمجلس الشعب. والخلاصة، فالمطلوب من حكومة الوحدة الوطنية أن تكون اسماً على مسمى، وأن تكون حكومةً فعلية تنجز مهمةً تاريخيةً وتخرج سورية إلى فضاء سياسي جديد. إن أية حكومة لا تشكل على أساس برنامج واضح وصلاحيات محددة وآجال زمنية متوقعة، لن تستطيع أن تقوم بدورها، وستضر بالوحدة الوطنية، كما أن التأخير المبالغ به في إخراجها إلى النور سيجعل حتى هذا الحل لاحقاً غير فعال وغير مجد لمواجهة الأزمة، التي ستتطلب حينها حلولاً لا يعلم أحد الآن ما هي تحديداً، وكم هي كلفتها.. والأخطر أنه سيفتح المستقبل نحو المجهول. إن الانتصار الحقيقي للبلاد في معركتها الحالية لن يتم إلاّ بإنجاز مثل هذه الحكومة لمهامها المطلوبة منها، ودونها يصبح الكلام عن أي انتصار وهماً وقبضاً للريح.